عمر عبدالقادر العجمى، أحد أفراد الحرس المسؤول عن الرئيس جمال عبدالناصر فى الفترة من 1961 حتى 1962.
حكى «العجمى»، الذى يشغل حالياً منصب المستشار الإدارى للنقابة العامة للعاملين بالكيماويات، مواقف الزعيم الراحل، التى أثرت فى شخصيته.. وإلى نص الحوار:
كيف التحقت بالحرس الجمهورى؟
– فى البداية كنت تابعاً لسلاح المدرعات، وبعد أسبوع واحد فقط من معسكر التدريب وجدت الصول سعيد بالمعسكر يطالبنى بالتوجه لمكتبه ومعى المخلة الخاصة بى، وعندما ذهبت وجدت هناك نقيباً من الحرس الجمهورى بسيارة وكنت الوحيد الذى تم إلحاقه من المعسكر بأكمله للحرس الجمهورى، وعندما وصلت المعسكر تم توجيهى إلى سرية الرياضة وتحديداً لعبة المصارعة، وحصلت على فرقة معلمين صاعقة عام 1961، وتمت ترقيتى وبعد ذلك ذهبنا إلى شركة عمر أفندى لتفصيل بدل مدنية، ثم انتقلنا، ما يقرب من 20 حارساً، ما بين ضباط وجنود لمرافقة الرئيس جمال عبدالناصر، بعد أن تم تدريبنا على ضرب النار للهدف الثابت والمتحرك فى تبّة المباحث العامة.
«العجمى»: حراسة الزعيم كانت شاقة لارتباطه بالناس.. وبكيت من السعادة فى أول يوم عمل بجواره
ما شعورك بعد معرفتك بأنك ستكون ضمن الحرس الخاص بالرئيس عبدالناصر؟
– لم أكن أتوقع أن يحدث ذلك فى يوم ما، مفاجأة بالتأكيد وحلم أنى أقرب منه، وعند علمى بالأمر تذكرت شريط حياتى، وسألت نفسى كثيراً هل من المعقول أن يكون الشاب الذى جاء من مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية وكان يقرأ الصحف حباً فى الزعيم عبدالناصر أن تمر الأيام وفجأة يصبح بجواره؟ بصراحة بكيت لأنى ماكنتش مصدق نفسى.
ماذا حدث عندما رأيت عبدالناصر لأول مرة أمامك؟
– قابلت كثيراً من الشخصيات المهمة فى حياتى على مستويات عديدة، لكنى ما شفتش زى هيبة عبدالناصر، كانت له جاذبية ومقومات خاصة تمنحه شخصية لامعة تُقنع الجماهير والشارع المصرى، رجال ونساء وشباب وأطفال، ومن المؤكد أن هذا هو سر انحياز الشعب له، ولقب «حبيب الملايين» جه من حضوره وكاريزمته الشخصية، ولن أنسى أنه عندما انتهت خدمتى فى اليوم الأول بجوار الرئيس بكيت حتى الصباح من سعادتى بالتشريف الكبير الذى أقوم به وقتها.
ما أوجه المشقة التى يتحملها حرس الرئيس؟
– عندما تجد نفسك بجوار زعيم ليس فقط زعيماً لمصر وإنما هو زعيم للأمة العربية، لن تشعر بمشقة حراسته، فعبدالناصر كان زعيماً للأمة، وجاء بعد ثورة حولت مصر من نظام الملكية الذى كان قائماً على استعباد الشعب إلى جمهورية قائمة على المساواة والانحياز للطبقة البسيطة، فضلاً عن بساطته التى كانت واضحة فى تعامله، والحراسة بشكل عام كانت تنقسم إلى جزء خارجى وجزء داخلى، فالحراسة خارج المنزل 24 ساعة، أما الحراسة داخل المنزل فتتكون من 21 نقطة، وكانت مختلفة فى فصل الشتاء عن الصيف، ففى الشتاء تبدأ الخدمة من العاشرة مساء حتى السادسة صباحاً، وفى الصيف من الواحدة صباحاً حتى السادسة صباحاً.
وماذا عن شكل منزل الزعيم من الداخل؟
– أولاً لازم الناس تعرف أن منزل عبدالناصر لم يكن ملكه، لكنه كان إيجاراً من مدير سلاح الإشارة، وهو بيت عادى بمعنى الكلمة وليس به مظاهر فخامة مفترض أن تكون موجودة بمنازل الملوك والرؤساء، ولكن كان عبارة عن طابقين، الأول 4 غرف وصالة ليست كبيرة ومطبخ وحمام، والطابق الثانى 4 غرف أيضاً ومطبخ وحمام.
«جمال» بارع فى لعب الشطرنج.. وعاشق لـ«الجيت سكى» بالإسكندرية.. وصلاته كانت فى ميعادها بالظبط.. وإفطاره المفضل «جبنة وخيار».. وكان يتناول الغداء مع الأسرة عصراً للتعرف على أحوالها
ما الأطعمة التى كانت تستهوى عبدالناصر؟
– أكلته المفضلة فى الفطار كانت الجبنة البيضاء والخيار والطماطم أو البيض المسلوق، والغداء كان القليل من الرز والخضار، وممكن ياخد قطعة لحم صغيرة أو قطعة سمك، وكان يتناول الوجبة مع زوجته وأسرته وقت العصر، لمعرفة أحوال الأبناء فى الدراسة ومشاكلهم وطلباتهم.
وماذا عن عاداته اليومية؟
– الصبح كان يسمع هيئة الإذاعة البريطانية ويقرأ الصحف، ثم يخرج يتمشى شوية فى جنينة المنزل، وكان لعب التنس مهماً بالنسبة له لو فيه وقت، ثم يستقبل محمد أحمد، السكرتير العام أو سامى شرف، سكرتير المعلومات، إذا كان هناك بعض الأوراق المهمة، وفى الإسكندرية كان عاشقاً لركوب اللانش الفردى، (الجيت سكى)، كلما ذهب إلى هناك، ولكن تظل لعبة الشطرنج هى لعبته المفضلة التى كان بارعاً فيها، وقد علمها لابنتيه وابنه الأكبر خالد، وكان يحرص دائماً على صلاة الفروض فى مواقيتها بالمنزل، وفى المناسبات كان يصلى فى الأزهر والحسين.
حدثنا عن حبه للفن خصوصاً أنه كان مولعاً بأم كلثوم؟
– كان يحب سماع أم كلثوم، ومشاهدة الأفلام، وأحياناً كانت تدار آلة السينما بالمنزل لمشاهدة فيلم أو أكثر مع أهل بيته، الذين كان يحرص على الوجود معهم بقدر ما يتاح له من وقت بسبب انشغالات منصبه، وكانت زوجة الزعيم تلزم منزلها وتهتم بشئون كل صغيرة وكبيرة تحدث داخل المنزل.
ما علاقة عبدالناصر بالحرس الخاص له؟
– بشكل عام الرئيس عبدالناصر كان يقدر الجنود والفلاحين والعمال، وكان يقدر جيداً المجهود الذى نبذله، وقلبه كبير ومتسامح، وكان حريصاً على استقلال السيارة مكشوفة فى الشارع حتى يكون قريباً من الناس البسطاء الذين يقابلونه فى الطريق.
هل حب الشعب لناصر كان عاملاً مساعداً جعل حراسته أسهل بالنسبة لكم؟
– لا شك أن حب الناس أمر مهم للرؤساء والملوك، ولكن عملنا لم يكن سهلاً، خاصة أن الرئيس عبدالناصر كان مستهدفاً من دول خارجية بعد تأميمه قناة السويس والعدوان الثلاثى الذى شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر.
وماذا عن السفر خارج مصر وطبيعة عملكم هناك مع الرئيس عبدالناصر؟
– لقد حالفنى الحظ بخدمتى بجوار الرئيس لمدة عام واحد، سافرت فيها معه إلى اللاذقية بسوريا عام 1961، بالإضافة إلى جولاته الداخلية، وكانت سريات الحرس الخمس تتناوب شهرياً على حراسة فيلا ناصر بساحل المعمورة، وهناك مواقف لا يمكن أن أنساها، مثلاً عندما سافر «ناصر» إلى الدقهلية بمناسبة العيد القومى للمحافظة وتحديداً بنادى البلدية، والشعب حمل العربية، وقام المشير عبدالحكيم بإصدار أوامر للحرس بضرب النار فى الهواء حتى يبتعد الناس عن السيارة، وما كان من عبدالناصر إلا أن رفض قرار عامر ومنع إطلاق نار فى الهواء فى حضور شعبه.
وهل هناك موقف شخصى مع الرئيس لا تنساه؟
– الخدمة كانت تقسم لثلاثة أقسام (برينجى وكينجى وشينجى)، والحرس الجمهورى يحرس ساعتين ويأخذ راحة 4 ساعات، وكنت حكمدار الخدمة، وفى أحد الأيام كنت أبحث عن جندى من المفترض أنه كان بالخدمة ولم أجده، وظللت أبحث عنه حتى فوجئت بالرئيس عبدالناصر يخرج من الطابق الثانى وبيقول لى (اللى بتدور عليه موجود فوق شجرة الجوافة، ريحونى بقى عاوز أنام، أو نقطع الشجرة دى ونحطها خارج المنزل واعملوا اللى انتوا عاوزينه)، وتوقعت أن الجندى سيُقدم للمحاكمة، لكن ولا حصل حاجة لأن عبدالناصر كان قلبه كبير.
المصدر: صفحة البشير الأسواني