فقد أكثر من 70 بالمئة من سكان مدينة داريا جنوب غربي دمشق وثائق ملكياتهم العقارية التي كانت مخزنة في محكمة المدينة، ما فتح المجال أمام السماسرة والتجار للاستيلاء على عشرات المنازل بطرق غير شرعية.
سماح (45 عاماً) وهي من سكان مدينة داريا، تملك أوراقاً ثبوتية لمنزلها أخرجتها معها عندما غادرت المدينة عام 2013، تقول لموقع تلفزيون سوريا: “قالوا لي في بلدية داريا إنَّ كل الوثائق حُرقت، والبلدية لا تملك اليوم قدرة مطابقة الوثائق للتأكد من صحتها”.
بلدية داريا ترفض تصديق وثائق الملكية
ويعاني من تبقى من سكان داريا من فقدان قدرتهم على التصرف في أملاكهم وإدارة شؤونهم سواء في البيع أو الشراء أو الفراغ وحتى التأجير، لكون ذلك يحتاج إلى وكالة مصدقة حديثاً يتعذر الحصول عليها اليوم نتيجة لحرق وضياع سجلات الوثائق العقارية الأصلية المسجلة لدى الكاتب بالعدل، إذ لا يمكن تصديق الوكالة إلا بعد التأكد من صحتها في السجل.
وذكرت سماح أن بلدية داريا رفضت تصديق وثيقة ملكيتها لمنزلها رغم أنها تملك ضبط شرطة ولديها عدة شهود تثبت ملكيتها للعقار، ما حرمها من إمكانية التصرف بعقارها سواء بالبيع أو التأجير.
وأضافت أنها حاولت توكيل محامٍ، لكن كل محامٍ تحدثت إليه كان يحاول أخذ وثيقة العقار الأساسية التي تملكها، في إشارة منها إلى أنه “يحاول النصب عليها واستغلالها”.
رفع دعوى قضائية لتثبيت الملكية
وتابعت سماح أنها قررت، بعد كل ما سبق، التوجه إلى وزارة العدل التابعة للنظام لمطابقة وثيقة منزلها، فرُفض طلبها وأُخبرت بضرورة التوجه لمحكمة داريا، تقول: “ذهبت إلى القاضي في محكمة داريا وكان متعاوناً لكنه رفض العمل على تصديق وثيقة ملكيتي إلا عبر محامٍ محدد من طرفه”.
وتضيف: “وكلت المحامي عبر وكالة قضائية في المحكمة للسير بإجراءات التصديق عبر رفع دعوى لمطابقة وثائق منزلي” على أن تأتي بمختار داريا واثنين من الشهود ليشهدوا بملكيتها للمنزل، ومن ثم تنتظر قرار المحكمة بعد معاينة القاضي للمنزل على أرض الواقع، وبعد الانتهاء من تلك الإجراءات تُعطى وثيقة ملكية مصدقة حديثاً.
وفي العام 2017 أدخل المكتب التنفيذي لبلدية داريا آليات للبحث عن السجلات الموجودة تحت الأنقاض، وفيما عثر على بعضها ما يزال البعض الآخر مفقوداً، بينما لم تُعلن بلدية داريا حتى اليوم عن عدد السجلات المفقودة أو التي عُثر عليها، ولا عن الوكالات العدلية المنظمة لدى دوائر الكاتب بالعدل.
حركة سماسرة وتجار عقارات نشِطة
سامر (50عاماً) وهو من سكان داريا، لا يملك أوراقاً تثبت ملكيته لعقاره الذي اشتراه منذ سنوات لأنه لم يُفرغ في السجل العقاري (الطابو)، والشخص الذي اشترى منه مات، ما جعل ملكيته مهددة بالضياع في ظل عدم إمكانية الفراغ اليوم.
يقول لموقع تلفزيون سوريا، بعد أن استدل على سمسار عقارات يدعى “أبو عبدو”: “السمسار قال إنه قادر على تثبيت ملكيتي للعقار لكن بشرط واحد وهو أن يحصل على ربع العقار”.
ويضيف: “لا أملك تكاليف إجراءات دعوى تثبيت ملكية في المحكمة، ولا أملك حتى أية ورقة أو وثيقة تثبت ملكيتي للمنزل، لكن أبو عبدو سيتكفل بتكاليف الدعوى مقابل أخذه لربع العقار”.
وينشط في داريا سماسرة وتجار عقارات بالتعاون مع شبكات أمنية تابعة للنظام في محاولة للاستيلاء على أملاك سكان في المدينة، في ظل تعنت النظام وامتناعه عن حل مشكلات العقارات وملكياتها، بحسب عينة من سكان داريا التقاهم تلفزيون سوريا.
حكومة النظام تؤخر حل المشكلة
أكّد محامٍ في دمشق أنَّ معظم الوثائق والوكالات التي تعرضت للحرق والتخريب، سواء في داريا أو غيرها من مناطق الغوطة، يوجد بديل أصلي عنها في السجل العقاري الموجود في مقر الطابو بمنطقة المزة بالعاصمة.
ويقول المحامي لموقع تلفزيون سوريا “إنَّ المشكلة سهلت الحل وذلك عبر تشكيل لجان عقارية في كل منطقة لجرد وتدقيق الوكالات كي يتمكن أصحابها من التصرف بملكياتهم الخاصة”، لكن يبدو أن هناك من يريد الاستثمار في تلك المشكلة من تجار وأجهزة أمنية ومسؤولي النظام.
وشدد على أن حكومة النظام تتجه لإضاعة حقوق الناس وإغراقهم بمزيد من الإجراءات الروتينية المعقدة، في ظل تفشي الفساد وغياب تطبيق القانون.
وفي عام 2020 ادعت وزارة العدل في حكومة النظام أنها تعمل على محورين لحل تلك المشكلة، من خلال المحافظة على الوكالات المتبقية وأرشفتها وحفظها على مخدم خاص في الوزارة، إضافة إلى إطلاق عملية الإصدار الإلكتروني للوكالة وحفظها على ورق ذي “مواصفات أمنية” لمنع التزوير والتلاعب بالوكالات.
وكذلك من خلال إعداد صك تشريعي يسمح بمعالجة أوضاع هذه الوكالات لحماية حقوق أصحابها، ورغم ادعاء الوزارة أن الصك التشريعي في مراحله الأخيرة، إلا أنه لم يصدر حتى اليوم.
وكان”النظام قد سيطر على مدينة داريا أواخر العام 2016 بعد حصارها لأربعة أعوام وتهجير معظم سكانها إلى شمال غربي سوريا عقب اتفاق “التسوية” الذي أبرمه مع الفصائل المعارضة عام 2018، ليبدأ بعدها الترويج لعودة الأهالي بعد تقديمهم قوائم بأسمائهم إلى مجلس البلدة الذي يرفعه بدوره إلى الأجهزة الأمنية.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا