اتفاق أحزاب سياسية وحركات مسلحة على تشكيلها لمقاومة ما سمته الانقلاب العسكري الذي نفذه عبدالفتاح البرهان. حيث اتفق 26 حزباً سياسياً وحركة مسلحة في السودان على تشكيل جبهة معارضة عريضة لمقاومة ما سمته الانقلاب العسكري الذي نفذه القائد العام للجيش السوداني عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، واتخاذ كل السبل الكفيلة لتصعيد الحراك الجماهيري من أجل استعادة التحول المدني الديمقراطي عبر خريطة طريق تشمل آليات وإجراءات محددة.
لكن ثمة تساؤلات تطرح نفسها، هل بإمكان مثل هذه الجبهة السلمية العريضة إجبار البرهان على التراجع عن قراراته في ظل عدم توازن وتكافؤ القوة؟ وما تصور هذه الأحزاب والحركات إذا فشلت الآليات السلمية وما توقعاتها لمستقبل السودان السياسي في ضوء هذه المؤشرات؟
ضغط وإرباك
يقول رئيس لجنة السياسات في المكتب السياسي في حزب الأمة القومي السوداني، إمام الحلو، “بالتأكيد، إن هذه الجبهة العريضة ستشكل ضغطاً كبيراً على المكون العسكري لأنها تضم تجمعاً كبيراً من الأحزاب السياسية والحركات المسلحة الكبيرة، بخاصة أنها تمتلك قاعدة جماهيرية واسعة تتلاقى مع مطالب الشارع السوداني الذي قال كلمته في تلك القرارات الانقلابية يومي 30 أكتوبر و13 نوفمبر (تشرين الثاني)، وأعتقد أن السودانيين سبق أن جربوا وسيلة المواجهة السلمية مرات عدة، ونجحوا في استرداد حقوقهم المشروعة عبرها، كذلك من شأن هذا العمل المعارض الكبير والمتعب جداً إرباك وخلخلة المشهد السياسي في البلاد، لا سيما أنه هش للغاية”.
وتابع الحلو، “الآن، تحرك الشارع بقوة وثقة متناهيتين، وأثبت أنه ضد الانقلاب الذي قام به البرهان، بعد ذلك يأتي دور القوى السياسية لترجمة مطالب الشارع السوداني في شكل عمل سياسي، وهذا يتطلب أن تكون هذه القوى موحدة في جبهة واحدة، ما يساعد في مقاومة النظام العسكري أو الوصول معه عبر الحوار إلى التحول الديمقراطي المنشود على أن تستفيد من تجربتها السابقة في الحكم في كيفية النظر للمستقبل بكل أبعاده”.
وأكد رئيس لجنة السياسات في المكتب السياسي في حزب الأمة القومي السوداني أن باب الحوار بين القوى السياسية والمكون العسكري سيظل مفتوحاً لأنها الآلية الأنسب والأمثل لحل مشاكل وقضايا البلاد في حال تهيأت ظروفه ومتطلباته، منها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والعودة إلى الوثيقة الدستورية، ورفع حالة الطوارئ، لكنه أشار إلى أن خطوط التواصل بين الطرفين بعد تشكيل مجلس السيادة الجديد أصبحت مغلقة تماماً.
ولفت الحلو إلى أن كل الظروف مواتية الآن لتوحيد القوى السياسية في البلاد التي تنشد الحريات، حتى تكون قادرة على قيادة الحراك الجماهيري بطريقة منظمة، وذلك من أجل استعادة المرحلة الانتقالية ورفض أي محاولة لقطع الطريق أمام استكمال مهام هذه المرحلة، منوهاً بأن الوساطات الدولية كانت تطالب المكون العسكري بعدم اتخاذ إجراءات جديدة حتى التوصل لصيغة توافق مع القوى السياسية بشأن هذه الأزمة، لكن بعد إعلان تكوين مجلس السيادة قد ترى أن ما حدث يُعد تجاوزاً لما تم الاتفاق عليه، وكذلك الحال بالنسبة للوساطات المحلية، إذ لم تصل لحل واضح، والدليل أن البرهان يسير في تنفيذ مخططاته.
وثيقة جديدة
في المقابل، أوضح الناطق الرسمي في الحزب الشيوعي السوداني، فتحي فضل، أن حزبه ليس على استعجال للانضمام للجبهة العريضة الجديدة لاسترداد الحكم المدني، أو عدمه، لكن المسألة الأساسية بالنسبة لهم هي الاتفاق على القضايا الرئيسة للخروج من الأزمة التي تتعلق بهذا الانقلاب، والمطروح محلياً وإقليمياً ودولياً، وهو الرجوع إلى ما قبل 25 أكتوبر على أساس الوثيقة الدستورية واتفاقية جوبا للسلام.
ومضى فضل قائلاً، “نحن نتذكر أن الشارع السوداني تخطى هذه الخطوات بعد أن قام البرهان بتمزيق الوثيقة الدستورية وإعلانه أخيراً التراجع عن ذلك، لكن المسألة المهمة جداً لدينا هي أن يتوصل الجميع إلى وثيقة جديدة ودستور يحكم الفترة الانتقالية بعيداً من الشراكة مع العسكريين. كذلك من الأمور المهمة بالنسبة لنا أنه لا بد من إدانة الانقلاب وتقديم من قام به إلى محاكمة عادلة، ولا نقبل مطلقاً، عفا الله عما سلف، بخاصة بعد مليونية 13 نوفمبر، فهذه قضية لن نحيد عنها مهما كلف الأمر، في ظل العنف الذي مورس ضد المتظاهرين السلميين، والذي أدى إلى مقتل ستة متظاهرين، فضلاً عن عشرات الجرحى والمعتقلين”.
وأشار الناطق الرسمي في الحزب الشيوعي السوداني إلى أن قضية العدالة تمثل مرتكزاً أساسياً في توجهاتنا، لذلك طلبنا من زملائنا في القوى السياسية التي شكلت تلك الجبهة المعارضة العريضة توضيح حول مجمل تلك القضايا، وستقوم قيادة الحزب بدراسة الأمر، وهي على اتصال بتلك المجموعة لحين اتخاذ القرار بشأن ذلك، مشدداً على أن الحزب الشيوعي لا يتلاعب في قضايا الشارع السوداني في حال انضم لهذه الجبهة، أو غيرها، وهو يدعم كل عمل ثوري من شأنه أن يجعل الشارع في حال حراك وحركة من أجل هزيمة الانقلاب، والرجوع إلى الحكم المدني الذي جاءت به ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي أطاحت بأشرس نظام ديكتاتوري في السودان.
نفق مظلم
من جانبه، قال المحلل في الشؤون العسكرية والسياسية، اللواء ركن أمين إسماعيل مجذوب، “التطورات الأخيرة في السودان منذ تشكيل مجلس السيادة الجديد، وما نفاه أعضاء الجبهة الثورية في مجلس السيادة بأدائهم القسم مجدداً، ربما يكون الخيط الذي أدى إلى تكوين هذه الجبهة السياسية العريضة التي ضمت بعضاً من مكونات الجبهة الثورية، باعتبار أن هناك جهات ترى أنه تم تجاوزها في قرارات 25 أكتوبر”.
أضاف، “في تقديري، إن هذه الجبهة قد تدخل خريطة طريق القائد العام للجيش عبدالفتاح البرهان بتشكيل أجهزة الحكم في نفق مظلم، من منطلق أن المعارضة السياسية الجديدة قد تستقطب الشارع، فضلاً عن أطراف أخرى من الحركات المسلحة ومجموعة الميثاق الوطني (مجموعة اعتصام القصر الجمهوري سابقاً)، لكن بشكل عام، المشهد ما زال ملبداً بالغيوم، بخاصة أن مسألة تعيين رئيس مجلس الوزراء لم تحسم بعد، فإما عودة عبدالله حمدوك أو شخصية أخرى، وهنا ستكون النقطة الفاصلة التي تحدد المواقف، سواء محلياً ودولياً وإقليمياً”.
المصدر: اندبندنت عربية