انتهت خلال الأيام القليلة الماضية الانتخابات البرلمانية العراقية التي واجهت، وما تزال، العديد من الاعتراضات من القوى الخاسرة لثقلها في البرلمان، والمسيطرة على القرار السياسي منذ أكثر من 15 عاماً!
ورغم عدم وضوح النتائج النهائية والقبول بنتائج بها بدأت بعض القوى الحديث عن شخصية رئيس الوزراء القادم؟
إن الحديث عن ملامح الشخصية المرشحة لرئاسة الوزراء في العراق سابق لأوانه، ويفترض تناول إشكالية (الكتلة الأكبر) وهي جزئية دقيقة وقانونية وتعدّ العقبة الأكبر أمام هذا المنصب الحساس والمهم في بلاد تعاني من مشكلات مركبة لم تنته منذ العام 2003 وحتى اللحظة.
الخلاف الأبرز ليس في نتائج الانتخابات إن تم التوافق عليها، وتجاوزت الكتل السياسية الكبرى الخلافات العميقة القائمة الآن بخصوصها، الخلاف سيكون في تفسير مفهوم الكتلة الأكبر.
وهل الكتلة الأكبر هي من فازت بأكبر عدد من المقاعد (الكتلة الصدرية 73 مقعدا) أم الكتلة التي تتشكل من تحالف كتل أخرى بحيث تحصل على مقاعد أكثر؟
وسبق لهذا المفهوم أن أثار خلافا كبيرا في الانتخابات البرلمانية في العام 2010 بين الكتلة الفائزة الأولى، كتلة العراقية التابعة لإياد علاوي (91 مقعدا)، والكتلة الفائزة الثانية، كتلة دولة القانون لنوري المالكي (89 مقعدا)، ومع حصول علاوي على المقاعد الأكثر إلا أن المحكمة الاتحادية العراقية، وبضغط من المالكي، فسرت الكتلة الأكبر التي تتشكل داخل البرلمان، وشكّل المالكي الحكومة حينها، وفاز بالولاية الثانية!
حسمت الفقرة أولا من المادة (76) في الدستور العراقي لسنة 2005 هذه الإشكالية وجاء فيها “يُكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال 15 يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية”!
ومع كون المادة الدستورية واضحة وصريحة لكن المناحرات السياسية في العام 2010، دفعت المحكمة الاتحادية لتفسير الكتلة الأكبر على أنها التي تتشكل داخل البرلمان وليس تلك التي حصلت على أكبر عدد من المقاعد!
وفي انتخابات البرلمان الحالية هنالك تفسيران للكتلة الأكبر:
الأول يتمثل بأنها التي تتشكل في البرلمان وذلك بموجب تفسير المحكمة الاتحادية السابق في العام 2010.
والثاني يتمثل بأنها للكتلة التي حازت أكبر عدد من المقاعد؛ وذلك وفقا للمادة 45 من قانون الانتخابات العراقي الجديد المرقم 9 لسنة 2020، والذي منع انتقال النائب أو الحزب أو الكتلة المسجلة ضمن قائمة مفتوحة إلى ائتلاف أو حزب أو قائمة أخرى إلا بعد تشكيل الحكومة، وهذا يعني أن الكتلة التي حصدت أكبر عدد من الأصوات هي التي تشكل الحكومة (الكتلة الصدرية 73 مقعداً).
إلا أن بعض الخبراء القانونيين يرون أن هذه المادة غير واضحة، وقد سمحت الائتلاف (التجمع) بين الكتل، وهذا يعني أنها جاءت بالتفسير ذاته الذي ذكرته المحكمة الاتحادية في العام 2010!
وحينما راجعت قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (9) لسنة 2020، في جريدة الوقائع العراقية العدد (4603) لم أجد في المادة (45) إشارة إلى إمكانية التحالف بين الكتل، وإنما كانت المادة واضحة في منع الائتلافات، ولا أدري من أين جاؤوا بهذا التفسير لهذه المادة؟
وتفسير الكتلة الأكبر لم يُعمل به في الدورتين اللاحقين (أي في العام 2014 والعام 2018) بسبب عدم وجود منافس قوي من خارج البيت الشيعي، وحصول تفاهمات وحوارات هادئة بين القوى الشيعية الفائزة حينها!
الواقع أن الانتخابات الحالية وضعها مختلف عن انتخابات 2010 وذلك لأن منصب رئيس الوزراء في كل الأحوال وبحسب العرف السياسي في العراق بعد العام 2003 صار من حصة المكون الشيعي؛ ولهذا هل ستتمكن القوى الضاغطة، على القوى الشيعية العراقية، الداخلية والخارجية، من ترتيب الأوراق بينها للتوافق على شخصية تُشكّل الحكومة المقبلة دون الحاجة للخلاف على مفهوم الكتلة الأكبر لأن الخلافات، ربما، ستصل إلى مرحلة كسر العظم كما يبدو من التصريحات والتهديدات النارية للكثير من زعماء القوى المالكة للسلاح والمشاركة في الانتخابات، ولهذا ربما ستضطر القوى الشيعية الكبرى للبحث عن مخرج قانوني توافقي لمفهوم الكتلة الأكبر!
من الصعوبة بمكان الجزم بآلية الاختيار المرتقبة لرئيس الحكومة لكن في كل الأحوال المعلوم هو أن رئيس الحكومة يجب أن يكون شيعيا، توافقيا، مرضيا عنه من القوى الفائزة والقوى الشيعية المالكة للسلاح ومن واشنطن وطهران وغيرهما!
ومع هذا يمكن القول إن التفاهمات يمكن أن تقود إلى تشكيل كتلتين كبيرتين، وذلك على النحو الآتي:
الكتلة الأولى: ويتزعمها التيار الصدري ووكيله حسن العذاري الذي نصبه الصدر رئيسا لفريق التفاوض، وربما معهم تحالف محمد الحلبوسي (تقدم) الفائز الثاني، ومن الممكن أن تنضم بعض القوى المستقلة والكردية (الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني) إلى هذا التجمع!
الكتلة الثانية بزعامة نوري المالكي وتضم الفتح بزعامة هادي العامري، وتحالف قوى الدولة (عمار الحكيم وحيدر العبادي) وبقية القوى الشيعية المعارضة للصدر، وربما ينضم إليهم تحالف خميس الخنجر (عزم)، وبعض المستقلين وغيرهم!
وبموجب بعض الشخصيات المقربة من المالكي فقد أكدوا بأن زعيم دولة القانون شكل لجنة خاصة بعد تزايد أعداد المرشحين الفائزين المستقلين والكتل الأخرى الراغبين بالتحالف مع ائتلاف دولة القانون، وبأنهم الآن يمثلون قرابة (90) مقعدا.
وبحسب تسريبات من بعض الصالون القريبة من المطبخ السياسي فقد رتبت الكتل الفائزة نفسها لمرحلة التفاهمات وتكوين الكتلة الأكبر، وهذا يعني أنهم ماضون على تفسير المحكمة الاتحادية الأول في العام 2010، والتي أكدت أن الكتلة الأكبر هي التي تتشكل داخل البرلمان، وليست من تمتلك المقاعد الأكثر!
الكتل الأخرى بدأت أيضاً بترتيب أوراقها للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب قبل تقرير التحالف مع أي الفريقين.
وبحسب تسريبات من صالونات سياسية مقربة فقد كلف رئيس البرلمان الأسبق محمد الحلبوسي كلا من محمد تميم وفلاح الزيدان للتفاوض مع الكتل السياسية.
فيما كلف مسعود البارزاني هوشيار زيباري للتفاوض مع الكتل السياسية، ووقع اختيار تحالف كردستان على قوباد طالباني للتفاوض مع الكتل، وسيكون محمود المشهداني مفاوضا لكتلة (عزم) التابعة لرجل الأعمال خميس الخنجر.
في كل الأحوال هنالك خمس شخصيات صدرية أو مرضي عنها صدريا هي الأقرب لمنصب رئيس الحكومة المقبلة، وهم: حسن العذاري، مستشار الصدر، وجعفر الصدر السفير العراقي في بريطانيا، ونصار الربيعي رئيس كتلة الصدر في البرلمان السابق، وحسن الكعبي نائب رئيس البرلمان، ومصطفى الكاظمي رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي!
هذا التشابك في المصالح، سيجعل المنافسة كبيرة بين الكتل الراغبة بترتيب الكتلة الأكبر من جهة، وكذلك في قضية التوافق على شخصية رئيس الوزراء العراقي المقبل، وربما سيذهبون للموافقة على الكاظمي للخروج من المأزق السياسي والميداني المرتقب، وللحفاظ على المكاسب المتحققة من وجودهم في المضمار السياسي.
الأيام المقبلة في العراق مليئة بالتطورات السياسية والميدانية ولا يمكن التكهن بمسارها ونهاياتها بسهولة ودقة!
فهل سيقدمون مصلحة العراق على مصالحهم الشخصية والحزبية والعائلية، أم أن البلاد تتجه للخراب والمناحرات؟
المصدر: موقع تلفزيون سوريا