بروز الدراما كوجه من أوجه الثقافة السورية، لم يكن كذلك بالنسبة للسينما السورية التي لم يكتب لها التطور رغم تحقيق حضور مقبول في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. ومع تقدم الدراما السورية وانتشارها في العالم العربي، وحتى الجوار الإقليمي غير العربي في فترة من الفترات، كانت السينما السورية تتراجع رغم كل محاولات مساندتها، ولا سيما على المستوى الرسمي، بإنشاء المؤسسة العامة للسينما، ومن ثم إحداث لجنة لصناعة السينما تحظى باهتمام من قبل وزارة الثقافة سابقاً، وذهبت المؤسسة نحو اختيار مواضيع لا تهم المتلقي السوري لدعم إنتاجها، فيما اضطرت لجنة صناعة السينما للانجرار مع سوق الدراما والإنتاج الدرامي بشكل كبير، وبقيت السينما السورية فاقدة للإنتاج المقبول من حيث الحجم، وعدم القدرة على المجاراة العربية من حيث النوع.
بعد اندلاع الحرب السورية، كانت هناك تجارب سينمائية سورية حظيت باهتمام مقبول لإخراجها إلى الوجود، لكن تلك التجارب تتهم بمراعاة قواعد نخبوية لتحجز مكاناً لها في المهرجانات الدولية، ذات الجوائز المجزية، من دون أن يكون لها حيز للعرض في الصالات والقنوات السينمائية، فقدت بذلك السينما عمودها الرئيس لاستمرارها والحافز على تطورها وهو الجمهور السوري الذي يجد في الدراما أكثر واقعية وملامسة لمشاكله وتفاصيل حياته في حين يسيطر على الإنتاج السينمائي مواضيع وأفكار بعيدة عن الواقع، أو أن طرحها يكون بطريقة بعيدة نوعاً ما عن المفترض أن تكون، ببساطتها، للمتلقي العادي، غير المكترث بالجوانب النقدية والقواعدية التي تراعي شروط المهرجانات والفعاليات العالمية النخبوية.
كما أن هناك جانباً أكثر إشكالية يواجه السينما السورية، يتعلق بمنصات العرض؛ إذ لجأ صناع السينما في سورية، على قلتهم، سواء في الداخل أو الخارج، لإنتاج أعمال حصرية العرض في مهرجانات وفعاليات فقط، من دون أن يكون لها طريق العرض سواء في صالات السينما أو القنوات أو حتى المنصات الرقمية على الإنترنت، وهذا ما جعل المتلقي السوري الراغب بمشاهدة سينما محلية، غير قادر على الوصول إلى هذا الإنتاج لتقييمه، سواء بالسلب أو الإيجاب، بالاستعانة بما وفرته وسائل التواصل لهذا الغرض، من تناول بالنقد على المستوى الشعبي للأعمال الفنية على اختلافها، وبقي الكثير من الأعمال حبيس أدراج المهرجان التي صنعت من أجلها، ويفرج عنها فقط، عند إقامة فعالية ثقافية ما، ليست ذات اهتمام سينمائي، يعرض الفيلم على هامشها، بحضور جمهور على الغالب غير مهتم، وقليل العدد أساساً.
“العربي الجديد” سألت الممثلة والمخرجة السينمائية واحة الراهب عن أسباب استمرار هذه الإشكاليات التي تواجه السينما السورية التي أشارت بدورها إلى أن “للقضية وجهين مختلفين، لكنهما يصبان بمصب واحد، وجه محلي، ووجه عالمي”، وتابعت: “محلياً منذ إنشاء المؤسسة العامة للسينما السورية كقطاع عام يحتكر الإنتاج، في رد فعل على سطحية أفلام القطاع الخاص التجارية التي تروج لمقولة: الجمهور عايز كده. فتبنت شعارات إنتاج أفلام موجهة وتوعوية وملتزمة، لكن باحتكارها الإنتاج السينمائي، ألغت المنافسة بين القطاعين وبين الأفلام الخاصة مع بعضها التي كانت مضطرة بحكم حاجتها لتحقيق الربح ولاستمراريتها كصناعة، إلى أن ترقى بمستوى المنافسة وتقدم أفضل ما عندها لتجتذب المشاهد وتحقق الربح. بينما تباينت مستويات أفلام القطاع العام، بسبب إلغاء المنافسة المحفزة للبحث عما يرغبه الجمهور، لصالح تحقيق شعارات كثيراً ما تكون جوفاء ودعائية لصالح سياسة ما، لكنها أنتجت أيضاً أفلاماً قيمة”.
المصدر: العربي الجديد