نشر موقع “سي إن إن” مقال رأي حول ما إذا كان على إدارة الرئيس جوزيف بايدن التعامل مع حكومة بشار الأسد أم لا؟ وقال ديفيد ليتتش، أستاذ التاريخ بجامعة ترينتي بسان أنطونيو ومؤلف كتاب “سوريا: تاريخ حديث”، إن الحرب الأهلية التي مضى عليها أكثر من عقد كانت صعبة على كل السوريين و”لدي أصدقاء على جانبي النزاع ممن ماتوا أو شردوا”.
وذكر الكاتب قراءه بأنه التقى مع بشار الأسد أكثر من مرة في الفترة ما بين 2004- 2009 حيث كان يعد كتابا عن حياته، ولعب دورا غير رسمي كمنسق بين الولايات المتحدة وسوريا عندما توترت العلاقات بين البلدين. ولهذا فقد قابل عددا من المسؤولين السوريين وأقام علاقة مع الأسد.
وبعد الحرب الأهلية التي لا تزال تغلي في أجزاء من البلاد، أطلق على نفس هؤلاء الأشخاص وصف “مجرمي الحرب” في الغرب، وكان أولهم وأهمهم بشار الأسد. وهناك شبكة من العقوبات الدولية، وأهمها القانون الأمريكي “قيصر” الذي أقره الكونغرس وسلسلة من القرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة ضد الحكومة السورية. والسؤال هو عن موافقة إدارة جوزيف بايدن على عقد حوار مفتوح مع حكومة معزولة بشكل كامل إن لم تكن محلا لسخط الغرب.
ويضيف الكاتب “هذا سؤال من الصعب الإجابة عليه، وصدقوني، أفهم هذا وأجد نفسي صعوبة في الدعوة لأي نوع من الحوار مع من تلوثت أيديهم بالدماء” مضيفا “كانت حربا أهلية مميتة وقاتلة حيث تلوثت أيدي الكثيرين في سوريا بالدم”. ولكن الكاتب عادة ما يميل باتجاه الواقعية في السياسة الخارجية. وهذا لا يعني أن الأخلاقية والواقعية في تعارض مع بعضهما البعض، ولكن الأمر يكون مستساغا من الناحية النفسية والسياسية لو قرنت السياسة الخارجية بواجبات أخلاقية. وما يفصل بينهما هي الضرورة والظروف، ويجب فهم هذا لو اقتنع الواحد أن على المحك الكثير من الأمور الجيدة.
ويرى الباحث أن حوارا أمريكيا- سوريا يتم تشكيله بعناية تامة قد يكون مفيدا. و”كمواطن أمريكي أسأل نفسي: ماذا يمكن لأمريكا أن تستفيد من هذا؟ وماذا لدى السوريين لتقديمه؟”. وفي الحقيقة لا تحتاج الولايات المتحدة سوريا كما تحتاجها الأخيرة. فالاقتصاد السوري المتداعي والميت بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية وإعادة الإعمار، بالإضافة للاستثمارات الأجنبية الصعبة من أجل بدء المهمة الصعبة لبناء البلد من جديد.
وفي الحد الأدنى تحتاج سوريا لرفع العقوبات المشددة عليها، ولأن الخزانة الأمريكية فرضت عقوبات على الكيانات التي تخرق قانون قيصر، فالولايات المتحدة في وضع استثنائي لرفع العقوبات أو تخفيفها. ويعلق الكاتب أن استقرار سوريا مهم للولايات المتحدة، ليس للمعاناة الضخمة التي تكشفت منذ الحرب الأهلية ولا المقت وحس الحزن الذي يشوب الأمريكيين عندما يواجهون الموضوع، بل لأن سوريا تشترك بحدود مع حلفاء الولايات المتحدة المهمين بالمنطقة: تركيا وإسرائيل والأردن، كما أنها قريبة من دول تقف على حافة الانهيار مثل العراق ولبنان، وأي تأثيرات قادمة من سوريا ستكون القشة الأخيرة.
ويضيف أن إيران تتمتع بتأثير كبير في سوريا إلى جانب روسيا، وتركت بصماتها في البلد من خلال الجماعات الموالية لها، وضاعف حزب الله وجوده في البلاد بشكل كبير، وهو يمثل تهديدا لإسرائيل وهو الجماعة التي يمكن أن تشعل حربا إقليمية، وعليه فتخفيف الوجود الإيراني سيكون من مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها.
ويتحدث الكاتب عن نوع من التسوية المرضية للطرفين. وفي الوقت الذي لن توافق فيه الولايات المتحدة على رفع شامل للعقوبات بنفس الطريقة التي سترفض فيها سوريا طرد إيران من أراضيها، إلا أن هناك أمورا أخرى يمكن التوافق عليها، مثل الحد من وجود حزب الله مقابل تخفيض مرحلي للعقوبات وبأمور تتعلق بتوفير مواد الإعمار، مما سيسهم في تحسين الوضع الرهيب. وحتى الآن لم تقدم إدارة بايدن سياستها المتعلقة بسوريا، وهو أمر قد يحدث في الأشهر المقبلة، ذلك أنها لا تزال في مرحلة إعادة مراجعة وتقييم الوضع. وكإدارة جديدة فستنتهي سياساتها في عدد من القضايا الخارجية للاندماج معا.
وهناك في داخل إدارة بايدن من يعارض مكافأة “مجرم الحرب” الأسد بتخفيف العقوبات ويحبذون استمرار الضغط عليه حتى يسقط. وفي المقابل هناك من يؤمنون بنهج واقعي، أي وجود مساحة للتبادل، وعندما يتعلق الأمر بتوفير المساعدات الإنسانية للسكان الذين يعانون.
وبعد انتصاره في الحرب وحصوله على فترة سبع سنوات أخرى في السلطة، فقد أصبحت سلطة الأسد محصنة، في المستقبل المنظور. وعليه فلا أمل في المحاسبة أو تحقيق العدالة الانتقالية، على الأقل في الوقت الحالي.
ويضيف الكاتب أن بعض حلفاء أمريكا العرب يحاولون إعادة الصلات مع الأسد معترفين بالواقع في المنطقة والتي قد تعترف به الولايات المتحدة في النهاية. ويؤكد الكاتب أن سياسة بايدن من سوريا عندما يتم وضعها، فمن الصعب تغييرها، إلا في حالة أزمة غير متوقعة. وهذا يعني استمرارها حتى نهاية فترة الإدارة الحالية.
ويقترح الكاتب بعضا من اللفتات السورية التي قد تؤدي إلى الحوار، ولكن ما هي هذه اللفتات؟
من المعروف بشكل واسع أن نظام الأسد هو الذي اعتقل واحتجز الصحافي الأمريكي أوستن تايس الذي اختفى في سوريا عام 2012. ويعتقد البعض أنه لا يزال على قيد الحياة ولا يوجد ما يدعو للعكس. ولم تعترف الحكومة السورية بأنه موجود لديها. وناشد دونالد ترامب دمشق للإفراج عنه أو تقديم معلومات عنه في آذار/مارس 2020.
وبحسب رأي الكاتب فلن يتم التقدم باتجاه العلاقات الأمريكية- السورية بدون اعتراف سوري وتعاون وتقديم معلومات موثوقة حول أوستن تايس. وعندما يحدث هذا فقد انفرج الباب من أجل الحوار. وعندما يمكن أن تنحرف سياسة بايدن باتجاه هذا المسار، حتى لو ظلت السياسة الأمريكية الرسمية هي رحيل الأسد وتشكيل حكومة انتقالية بدلا منه.
ودعا الكاتب الأسد لأن يقوم قدر المستطاع بتقديم أرضية مشتركة لإدارة بايدن، بما في ذلك تقديم معلومات عن مكان اختطاف أوستن تايس.
المصدر: “القدس العربي”