أهداف المجتمع المدني وخصائصه

معَ تراجُع دور الدولة المَلحوظ في الكثير من مجالات الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، كان لا بُدّ من وجود مؤسسات أو هيئات غير حكومية مَهمّتها سد الفراغ الحاصل بسبب ذلك التراجع، وهو الأمر الذي شجع الكثيرين على إطلاق العديد من المبادرات الجماعيّة، من أجل تكوين تنظيمات وجمعيات ذات أهداف متنوعة تقدم منفعة عامة للجميع أسست لوجود وتفعيل المجتمع المدني.[١] من هنا نشأت فكرة المجتمع المدني، الذي هو عبارة عن مجموعةٍ من التنظيمات والمؤسسات التطوعية المستقلة ذاتيًّا، غير الربحية، والتي تمارس عمل محدد ينطلق من قواعد فكرية محددة وفق رؤية محددة، ومرتبط بتحقيق منافع ومصالح للمجتمع ككل، أو لبعض الفئات المهمشة التي لا تحظى بالاهتمام المطلوب. وعلى هذا الأساس فإن مؤسسات المجتمع المدني لديها الكثير من الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، ومن بين تلك الأهداف:[٢] خدمة الصالح العام إنّ جميع الأعمال التي تقوم بها مؤسّسات المجتمع المدني، لا بُدّ من أن تصب في خدمة الصالح العام، من خلال تقديم الفائدة للمجتمع ككل، أو لبعض الفئات التي تحتاج إلى تلك الخدمات، كتقديم المعونات للفئات المحتاجة، أو تقديم الرعاية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، أو تقديم الحماية للمرأة والطفل وكبار السن، وغيرها من الخدمات الأخرى.[١] نشر قيم المواطنة في المجتمع تَسعى الكثير من مؤسّسات المجتمع المدني إلى نشر وتعزيز قيم المواطنة في المجتمع، والانتماء إلى البلد، كما وتعمل على ترسيخ مقومات المجتمع المدني منها التأكيد علىالهوية الوطنية، ومحاربة الجهل والأمية، ونشر الوعي الثقافي، من خلال الكثير من الفعاليات والندوات التي تقوم بها، كما وتسعى إلى المساهمة في تطوير القرى والأرياف، ومحاربة الفقر، وتشجع على الإبداع في مختلف مجالات الحياة، ومن خلال هذه النشاطات وغيرها هي تعمل على تنمية الإنسان والمجتمع والنهوض به.[١][١] تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع تتشكل أهمية منظمات المجتمع المدني في التنمية من حيث كونِها آلية مهمة فيالتنمية البشرية، وأداة شعبية مهمة يتم من خلالها إدارة الشؤون المحلية، وبالأخص عندما تتولى مهمة النهوض ورعاية الفئات المحرومة في المجتمع، أو التي تكون في أمس الحاجة إلى المساعدة، سواء المساعدات المادية، أو المساعدات المعنوية، كما وتساهم في تسليط الضوء على التجاوزات التي من الممكن أن تطال حقوق الإنسان، لذلك أصبح للمجتمع المدني دَوْرًا مُهِمًّا في التطور الاجتماعي والاقتصادي، وفي تطوير وتدعيم التنمية، من خلال المشاركة في إعداد برامج وخطط التنمية، وكذلك في تنفيذها.[٣] إرساء قواعد الديمقراطية ونشر مفاهيمها تَسعى الكثير من مؤسسات المجتمع المدني إلى نشر وإرساء قواعد الديمقراطية، تلك القواعد التي أصبحت من الثوابت لدى الكثير من المجتمعات في الوقت الراهن، وذلك من خلال الإقرار بالتعددية، والاختلاف، والاعتراف بحقّ الآخرين في المشاركة في بناء المؤسسات التي تحقق مصالحهم، والالتزام بحل الخلافات بشكل سلمي، وعدم اللجوء إلى العنف.[٤]، الأمر الذي أصبحت معه مؤسسات المجتمع المدني وبسبب الدور المهم الذي تمارسه في دعم الدولة المدنية القائمة على مبادئ الديمقراطية، شريكًا في النظام الديمقراطي إلى جانب القطاع الحكومي والخاص.[٥] إشاعة الثقافة المدنية في المجتمع كذلك من بين الأهداف المهمة التي تسعى إلى تحقيقها مؤسسات المجتمع المدني، نشر الثقافة المدنية في المجتمع، من خلال إرساء قيم الاحترام للعمل الجماعي، وكذلك للعمل التطوعي، في شتى مناحي الحياة، وقبول الاختلاف وعدم السعي إلى فرض ثقافة معينة على الآخر، وإدارة أي اختلافات، بوسائل سلمية في ضوء قيم التسامح والتعاون واحترام الآخر.[٤] عدم السعي للوصول إلى السلطة على الرَّغم من أنّ غالبية الأنشطة التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني تخص الشأن العام، وتتعلق بالكثير من المسائل الحيوية، الأمر الذي من شأنه أن يشكل في بعض الأحيان وسيلة ضغط على الدولة، أو على مؤسساتها العامة، فالأخيرة غالبًا ما تكون محل انتقاد من قبل المجتمع المدني ومؤسساته، وعليه يجب ألّا يكون الهدف من وراء ذلك هو الوصول إلى السلطة، ولعل هذا أهم عامل يمكن أن يميزها عن الأحزاب السياسية التي من طبيعتها أنه تعمل دائمًا بهدف الوصول إلى الحكم والسلطة.[١] خصائص المجتمع المدني ما المقصود بالخصائص المادية والمعنوية للمجتمع المدني؟ تتميّز مؤسسات المجتمع المدني بالكثير من الخصائص والسمات التي تمنحها طابع خاص بها، يميزها عن غيرها من المؤسسات الأخرى.[٦]، كما ويمكن تقسيم تلك السمات أو الخصائص إلى نوعين الأول: ماديّ، والثاني معنويّ، وعلى النّحو الآتي:[١] الخصائص المادية تعدّ الخصائص المادية الركيزة الأوّل في وجود مؤسسات المجتمع المدنيّ، فلا يمكن أن نتصوّر وجود أي مجتمع مدني دون أن يكون هنالك عناصر بشرية، قادرة على إدارة تلك المؤسسات بفاعلية وبكفاءة عالية، وعليه يمكن إجمال تلك الخصائص بما يأتي: المؤسسات المتعددة الأنواع: وهي عبارة عن مؤسّسة تمّ إنشاؤها من أجل تحقيق النفع العام، أو تحقيق منافع لبعض من فئات المجتمع، وعلى هذا الأساس فهي لا تهدف إلى تحقيق الربح أو المكاسب المادي، وقد يتم إنشاء مؤسسة من أجل تحقيق حماية أو مصلحة لأعضائها كحالة حماية المهن وتطويرها، ومن الأمثلة التي يتم طرحها على مؤسسات المجتمع المدني( المنظمات غير الحكومية، المنظمات الحقوقية والدفاعية، منظمات الأعمال، الجماعات المهنية، النقابات العمالية، النوادي الاجتماعية والرياضية … إلخ).[١] استقلالية مؤسسات المجتمع المدني عن الدولة: فكرة الاستقلالية هي الأساس في تكوين مؤسسات المجتمع المدني سواء كان استقلالًا ماليًّا أم إداريًّا وتنظيميا، هو من أجل ضمان ديموميتها ونجاحها في عملها، إذ ينبغي أن تكون مستقلة مَادِّيًّا فلا تكون تابعة لأية جهة حكومية أو غير حكومية، داخلية أو خارجية، كما ويجب أن تكون مستقلة معنويًا عن أية روابط أسرية أو عشائرية.[١] تنظيم علاقة مؤسسات المجتمع المدني بالمجتمع: تخضع مؤسسات المجتمع المدني للقوانين السائدة في الدولة، سواء أثناء عملية الإنشاء أو تأسيس المؤسسة، أو بعد أن يتم التأسيس خاصة عندما تباشر عملها ونشاطاتها التي أنشئت من أجلها.[٧] أساس العمل داخل مؤسسات المجتمع المدني: تقوم العلاقة بين أعضاء مؤسسات المجتمع المدني على أساس التكافؤ والاحترام المتبادل بينهم، واعتماد مبدأ الشورى والديمقراطية في اتخاذ القرارات، مما يجعل المؤسسة في وضع يتيح لجميع الأعضاء العمل بحرية، وبكفاءة كبيرة، كما يشجعّهم على الابتكار والإبداع والمساهمة بشكل إيجابي في سبيل الوصول إلى الغايات المشروعة، والتي من أجلها أنشئت هذه المؤسسة.[١] الموارد الخاصة بمؤسسات المجتمع المدني: تعدّ الموارد التي تمتلكها المؤسسات والجمعيات المكونة للمجتمع المدني سواء كانت مواد مادية أو معنوية، من أهم متطلبات العمل بالنسبة لها، والقيام بالدور الاجتماعي والسياسي المناط به، كما يسمح لها في إدارة العلاقة بينها وبين الدولة ومؤسساتها المختلفة، بكثيرٍ من الاستقلالية.[٧] الخصائص المعنوية تعد الخصائص المعنوية من أهم الخصائص التي يجب أن تتوفر في مؤسسات المجتمع المدني، فالأهم من وجود المؤسسة ذاتها وجود قيم ومبادئ تحكمها، لكي تضمن تحقيق كافة الأهداف التي أنشأت من أجلها.[٨] وهي: الطابع الجماهيري لعمل مؤسسات المجتمع المدني: وهو أحد الأهداف والخصائص في ذات الوقت، لمؤسسات المجتمع المدني والذي ينبغي عليه العمل، من خلال أعداد المواطن إعداد جيد، وخلق الوعي المجتمعي لديه، لكي يتمكن من النهوض بالمجتمع.[٨] الحرية والطوعية: إن أساس العمل في مؤسسات المجتمع المدني، هي الحرية والتطوع، والتي تعني الرغبة الكاملة من الشخص ذاته وبكامل حريته في تقديم الخدمات، أو المساهمة بالعمل المجتمعي، ودون أيّ ضغوط داخلية أو خارجية، ودون أن يتوق هؤلاء الأشخاص تحقيق أيّة مكاسب مادية أو معنوية.[٧] التسامح والتجانس: ينبغي أن يكون الوضع داخل مؤسسات المجتمع المدني قائمًا على التسامح والتجانس، ولا يجب أن يكون أيّ صراع؛ لأنّ مثل هكذا أمر من شأنه أن يؤثر على عمل المؤسسة ونشاطها، كما لا ينبغي أن تكون هنالك انقسامات بين الأعضاء لأسباب عقائدية أو عشائرية.[٧] المنظومة الأخلاقية: تعد مؤسسات المجتمع المدني على اختلاف أنواعها وأهدافها، جزء لا يتجزأ من منظومة مفاهيم أخلاقية أوسع وأشمل تسود المجتمع ككل، مثل المواطنة، والفردية، وحقوق الإنسان، والمشاركة السياسية … إلخ، وتقوم تلك المؤسسات على ركن أخلاقي وسلوكي ينطوي على الكثير من القيم مثل: قبول الاختلاف والتنوع بين بني البشر، وحق الأفراد في تكوين منظمات تدافع عن مصالحهم.[٨] عدم استعمال العنف: من بين أهم الخصائص المعنوية لمؤسسات المجتمع المدني، هو عدم استخدام العنف، إذ إنّه في الغالب يتطلب عملها الاعتراض وعدم القبول ببعض السياسات المتبعة من قبل الدولة، ولكن مثل هذا الأمر لا يبرر استخدام العنف، بل على العكس يجب اللجوء إلى الوسائل السلمية المتحضرة، وأتباع أسلوب الحوار، أو اللجوء إلى الإعلام لتوضيح الموقف، كما يمكن اللجوء إلى التظاهر السلمي في حالة استلزم الأمر.[٧] السعي لخدمة الصالح العام: إن دور المجتمع المدني في تقديم الأعمال والخدمات لأبناء المجتمع كافة ودون تمييز، كما أنه كلما يقدمه يجب أن يصب في خدمة الصالح العام، وهذه هي القاعدة العامة، ويجوز -استثناءً- تقديم تلك الخدمات لبعض فئات المجتمع المحتاجة، ودون مقابل ماديّ أو معنويّ.[٧]

المراجع[-]د أماني قنديل (2008)، الموسوعة العربية للمجتمع المدني، القاهرة:مكتبة دار الأسرة الهيئة المصرية العامة للكتاب، صفحة 63. بتصرّف. ↑ أحمد شكري الصبيح (2008)، مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي، بيروت:مركز الدراسات العربية، صفحة 11. بتصرّف. ↑ قرزيز محمود و يحياوي مريم، دور المجتمع المدني في تحقيق التنمية الشاملة في الجزائر بين الثبات والتغير، صفحة 10. بتصرّف. ^ أ ب محمد أحمد علي فقي (2014)، مفهوم المجتمع المدني والدولة المدنية دراسة تحليلية نقدية، الرياض:مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 17. بتصرّف. ↑ د طارق زياد ابو هزيم (2017)، المجتمع المدني وبناء الدولة الديمقراطية مقاربة سياسية، الأردن:المنارة للبحوث والدراسات، صفحة 210. بتصرّف. ↑ خالد جاسم ابراهيم حسن (2013)، الدور الرقابي لمؤسسات المجتمع المدني واثره في تنمية المجتمع في دولة الأمارات، الأردن:جامعة الشرق الأوسط، صفحة 56. بتصرّف. ^ أ ب ت ث ج ح حسام شحادة (2015)، المجتمع المدني (الطبعة 1)، دمشق:بيت المواطن للنشر والتوزيع، صفحة 16. بتصرّف. ^ أ ب ت سلاف سالمي (2010)، دور المجتمع المدني في المغرب العربي في عهد التعددية السياسية الجزائر دراسة حالة، صفحة 40. بتصرّف.

 

المصدر: موقع سطور

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى