هو غياب وتغييب للديمقراطية، وتغول العصابات الأمنية الطائفية، ولجم المجتمع السوري عن الاشتغال بالسياسة، وإصرار الدولة الأمنية على بقاء ما ينوف عن 400 ألف سوري في غياهب المعتقلات، واستمرار حكم الاستبداد والإجرام الأسدي، لما يزيد عن خمسين عامًا ونيف. كل ذلك ومثله ما جعل الواقع السوري والمجتمع السوري يعيش حالات من المأساة المتواصلة والتي لم تنته فصولاً بعد، ولا يبدو أن هناك من بوادر وملامح تشير إلى أن نهاياتها باتت قريبة. والمشهد السوري على هذا الأساس ما يزال مكللاً بالسواد على جميع الأصعدة، وآيلًا إلى مزيد من امتداد غير مسبوق عبر التدخلات الدولية والإقليمية التي لها مصالحها كما لها مشاريعها، وأهمها المشروع الفارسي الطائفي للمنطقة، وهو ما يزال يحلم بالتفكير الامبراطوري الفارسي، بحقد دفين منذ أن انتصف العرب من العجم. ومن ثم التمدد الروسي بمصالح براغماتية باتت معروفة، في محاولة لإحياء النفوذ الروسي/ السوفياتي السابق والمنتهي إبان سقوط الاتحاد السوفياتي. وقد حقق لهم ذلك (هذا النظام السوري) بعد أن باع كل السيادة المدعاة، من أجل إعادة قيامته كعصابة ونظام كان آيلًا للسقوط عام 2013 ليخاطب بشار الأسد سيده بوتين من أجل التدخل الاحتلالي الذي جاء أواخر أيلول / سبتمبر 2015.
الشعب السوري الثائر، والمضحي على مذبح الحرية والكرامة بخيرة أبنائه الأطهار، والمهجر منه ما يزيد عن 13 مليونًا بين نازح ولاجئ، والمدمرة بنيته التحتية لما يزيد عن 65 بالمئة منها على يد النظام الفاجر المجرم، ومن يدعمه من إيرانيين وروس وميليشيات طائفية استقدمت من كل بقاع الدنيا لتحاول منع سقوط الطاغية ونظامه. هذا الشعب وبعد عشرية دامية ومتطلعة نحو الحرية، وبعد أن فشلت معارضته بكل تلاوينها السياسية والعسكرية في الإمساك بدفة العمل الوطني المنتج لحالة متحققة من الحرية وسيادة القانون، ما يزال يبحث بين الفينة والأخرى عن مشاريع ومبادرات بديلة، من الممكن أن تنتج حراكًا وطنيًا سوريًا، يساهم في إعادة القطار إلى سكته، وهو الذي أُخرج منها غير مرة، تارة باسم الأسلمة المتشددة، وتارة أخرى باسم العسكرة، لكن هذا الشعب السوري العظيم لم ييأس وما برح يبحث وينقب عن البدائل، وهو الأكثر تصميمًا وصولًا إلى بناء الوطن السوري الموحد الحر والكريم.
وإذا كانت محاولات بعض شخصيات المعارضة في الداخل البحث عن حلول أكثر نجاعة وأكثر جدوى، فإن ما جرى من قمع متوقع لعقد مؤتمر الجبهة الوطنية الديمقراطية(جود)، قد جاء في هذا السياق، رغم أن الكثير من مكونات جود لم تكن إلا جزءً من هيئة التنسيق الوطنية، التي كان سقفها ودائمًا أدنى من سقف الدم السوري، وقد استفادوا بكل تأكيد من تعثر وفشل معارضة الخارج الممثلة بالائتلاف الوطني للتغيير، التي لم يكن أداءها بأفضل من أداء هيئة التنسيق.
ومن يعرف نظام العصابة الأسدي يدرك أن آلته الأمنية الذاهبة نحو انتخابات لإعادة تدوير رأس النظام، لا يمكن أن تعطي الفسحة بالانعقاد لمؤتمر (جود) أو سواها، بخطابها السياسي المتوازن والرافض لنظام الأسد وإعادة إنتاجه، رغم النصائح الروسية بذلك.
إنه نظام القمع وكم الأفواه والعسكريتاريا الأمنية، لا يمكن أن يسمح ب عقد مؤتمر للمعارضة لا يواكب حركته المحمومة باتجاه انتخابات للأسد باتت قريبة وعلى الأبواب. وواضح أن (جود) ومن قام عليها، قد استفادت من حالة القمع هذه لتحسين صورتها أمام الناس.
سورية وبعد مرور عشر سنوات على الحرب العدوانية الأسدية، التي دفعت 13 مليون سوري للنزوح داخل وخارج بلادهم، وقُتل فيها ما يزيد عن مليون سوري، ناهيك عن السجن والتعذيب والاختفاء القسري وغيرها. كما بات الوضع في الشمال السوري وخاصة في إدلب بحالة ترقب، ويبدو أن سمة التجميد هي سمة المشهد الميداني، وتثبيت الوضع على ما هو عليه، وهو السيناريو الأكثر توقعاً، وأن تبقى نقاط السيطرة على ما هي عليها خلال هذه الفترة، وإعطاء الفرصة في اتجاه أكبر للتفاهمات السياسية بين الأتراك والروس. وأصبح هناك أكثر من 45 نقطة عسكريّة تركية تمتد على طول جنوبي جبل الزاوية. ناهيك عن وجود أكثر من 1300 مخيم في محافظة إدلب، من ضمنها نحو 400 مخيم عشوائي يفتقر لأدنى المقومات. تضم ما يزيد عن مليون سوري داخل هذه المخيمات.
علاوة على أنه قد باتت عمليات إدخال المساعدات للشعب السوري تحتاج إلى مماحكات وصراعات دولية بين المنع والسماح، فهناك اليوم مسودة مشروع قرار تتعلق بالتجديد لقرار مجلس الأمن رقم 2533 وعمليات تقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود للشمال الشرقي والشمال الغربي لسورية عبر باب الهوى على الحدود التركية السورية، والذي تنتهي صلاحيته في 11 من يوليو/ تموز القادم. ومازال الروس لا يرون ضرورته والإبقاء على معابر النظام الأسدي فقط.
بينما الواقع الإنساني السوري وخاصة لدى الأطفال السوريين أشد مرارة، وبحسب المنظمة الأممية اليونيسيف فإن قرابة 12 ألف طفل في سورية جرحوا أو قتلوا خلال السنوات العشر الأخيرة. كما يحتاج قرابة 6 ملايين طفل إلى المساعدات الإنسانية، أي نسبة 90 بالمئة من كل أطفال سورية. وتشير تقديرات “يونيسيف” إلى أن قرابة نصف مليون طفل سوري دون سن الخامسة يعانون من “التقزم” بسبب سوء التغذية المزمن.
لعله الواقع السوري الأكثر سوءًا وهو الذي أتى للسوريين عبر نظام الإجرام السوري الأسدي، ومن وقف إلى جانبه قصفًا وقتلًا بالسوريين المنتفضين من أجل الحرية. لكن استمرار الشعب السوري ونخبه السياسية الوطنية غير الملطخة بممارسات غير مسؤولة، وغير مندرجة في أتون الارتماء في أحضان الخارج، يشير إلى قدرة وإرادة السوريين على التغيير مهما كلفهم ذلك من ثمن، وهو ما لاحظناه جميعًا في التصميم الإرادي عبر الشارع الثوري الثائر، وهو يحتفي بالذكرى العاشرة لثورته الباقية، وهي التي سوف تبقى ما بقي نفس وطني حر في دواخل السوريين الوطنيين بعيدًا عن تغول الطاغية وزبانيته من الشبيحة.
المصدر: موقع (الحرية أولاً)