في ذكرى عشريتها الاولى، ما زالت سردية الثورة السورية محكومة بعقدتين واهنتين: تحليل الظاهرة الاسدية، من جهة، وتوصيف جرأة السوريين في تحديها، من جهة أخرى. كأن الزمن توقف عند الايام الاولى للثورة، وكأن الادلة كافية، على أن النظام حالة استثنائية، أو أن شجاعة المعارضة ظاهرة ثابتة، ما يزيد من صعوبة تفكيك لغز الراهن المحيّر: كيف يمكن ان يتهاوى النظام والمعارضة معاً، ويفقدان في وقت واحد تقريباً شرعيتهما وقدرتهما على البقاء وفرصتهما في أداء دور في المستقبل السوري.
لم يقدم السرد المفصل والموثق، الذي تعرضه المعارضات السورية، هذه الايام، مساهمة في الرد على الأسئلة الأهم: ما الذي يمكن توقعه في العشرية الثانية من عمر الثورة؟ أي نظام؟ أي معارضة؟ أي منفى؟ أي دور للعرب والاجانب في رسم معالم الطريق؟…طالما ان طرفي الحرب، سلما أمرهما الى الغير، وإستسلما للقدر كلياً.
لعبة استدرار الشفقة والعطف، لن تؤتي أي ثمار، حتى ولو دفعها النظام مؤخراً الى حدها الاقصى، عندما أكد أن “سورياه” مهددة بالمجاعة الفعلية، بعدما كانت غارقة في الفقر، وعندما كشف رئيسه أنه مصاب بفيروس كورونا، في تعبير مفاجىء عن نكران الذات والتضحية والمخاطرة.. بعدم تلقي اللقاح الاسرائيلي أو الاماراتي، الذي وصلت كميات منه الى الرئاسة الاولى والقيادة الحاكمة في سوريا.
النداء الذي يوجهه النظام الى العالم، اليوم، ومفاده:”أنقذوا سوريا قبل فوات الاوان”، لم يكن على صلة بالذكرى العاشرة للثورة، ولا بالانتخابات الرئاسية السورية المقررة بعد شهرين. كان النظام يتوسل تدخلاً عربياً ودولياً من نوع جديد، تدخلاً إقتصادياً وإنسانياً، حتى لا يضطر المجتمع الدولي الى إقامة جسور جوية لالقاء مواد الاغاثة الغذائية والطبية على السوريين المقيمين في دمشق وحمص وحماه وحلب.. والذين يمثلون اليوم رهينة النظام وفرصته الاخيرة.
لكنها صرخة اليأس المتأخرة. حتى ولوهبت بعض الدول الخليجية والاوروبية لمثل هذا التدخل الانساني، الذي لن يكفل سد جوع السوريين، فإن النظام يعرف جيداً أنه بلغ نهاية الطريق، التي تستدعي البحث في المرحلة الانتقالية، وما يرافقها من شروط المحاسبة على الجرائم التي لا تغتفر، والتي إرتكبت في العشرية الماضية.. حسب الاجماع المستعاد بين الاميركيين والاوروبيين، والذي جرى التعبير عنه في الايام الماضية بمواقف بالغة الوضوح والدقة.
لم يقرأ النظام تلك المواقف الاميركية والاوروبية الحادة، ولم يأخذها في الاعتبار، كما أساءت المعارضات السورية فهمها واعتبرتها مكسباً سياسياً مهماً يعوض الخسائر الأخيرة لا سيما على مستوى اجتماعات اللجنة الدستورية المعطلة، وبقية سلال العملية السياسية المعطوبة. كانت واشنطن وبرلين ولندن وحتى باريس تعبر في بياناتها المشتركة لمناسبة العشرية السورية الاولى، عن فتح صفحة جديدة من الصراع مع روسيا، ومع إيران، أكثر مما كانت تعكس تصميماً على إخراج سوريا من النفق المظلم.
يلعب النظام ورقته الاخيرة، بينما تلعب المعارضة ورقتها القديمة، التي راهنت بها على تدخل غربي شبيه بالسيناريو الليبي، الذي لا يزال يحلم به بعض المعارضين السوريين لاسيما بعد النجاح الاخير للتجربة الانتقالية الليبية، التي أنتجت حكومة مؤقتة وموعداً لأول إنتخابات عامة في ليبيا ما بعد القذافي..متناسين أن الاحتلالين الروسي والايراني، اللذين لم تجر مقاومتهما بجدية توازي ما فعلته شعوب كثيرة خضعت للاحتلال، هما أكثر من عقبة في طريق سوريا الجديدة، ومتجاهلين حقيقة أن إدارة الرئيس جو بايدن تستعد للدخول في حرب باردة جديدة مع روسيا، ولن تكون في وارد صفقة مع الرئيس فلاديمير بوتين ولا طبعا مع المرشد الايراني علي خامنئي حول سوريا.
النظام يلعب، ويتلاعب بورقة استدراج العطف، لكن المعارضة ما زالت أسيرة العشرية الاولى، والسردية الاصلية التي لا خلاف عليها، لكنها كانت ولا تزال بحاجة الى أفكار جديدة وأدوات مختلفة لإدارة الصراع السوري، بما يعيد الاعتبار للعامل الداخلي، ويعد بأن تكون العشرية الثانية من الثورة أقل بؤساً من السنوات العشر التي مضت على خراب ودمار سوري، ليس له أثر فعلي على أي طاولة مفاوضات حول سوريا.
المصدر: المدن