تحط رحال مسارات التسوية السياسية السورية المتعددة غير المثمرة حتى الآن، رغم انطلاقها منذ العام 2014، في اجتماعات أستانة “15” في مدينة سوتشي الروسية الأسبوع المقبل، في ظل تواصل عقدة حل الملف السوري، وسعي النظام للمضي قدما في انتخاباته الرئاسية صيف هذا العام، ونواياه المعلنة دائما لتصعيد الأوضاع الميدانية في إدلب، وتعطيله عمل اللجنة الدستورية، وبظل مواقف دولية غير ضاغطة حتى الآن، وصلت إلى حد حديث المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون أنه لا توجد خطة عمل مستقبلية حيال حل الأزمة السورية وشعوره بخيبة الأمل وضياع فرصة ثمينة، وربما هذا يتماشى مع الموقف الدولي الضبابي النابع من تولي إدارة أميركية جديدة بقيادة الرئيس جو بايدن مقاليد الحكم حديثا، التي حتى الآن لم توضح موقفها حيال سوريا، بل على العكس كان هناك تحليلات بأن التعيينات الجديدة في الشخصيات المعنية بالملف الإيراني هي في اتجاه التفاهم الأميركي مع إيران حول الملف النووي، ما يطلق يدها في سوريا مجددا، فضلا عن حالة الشلل التي تصيب العالم بسبب مواجهة جائحة كورونا، ودخوله في حرب اللقاحات، والإغلاق والحظر منذ نحو عام.
الوضع الحالي الذي يسود العالم وأجواء الملف السوري في هذا التوقيت بالتحديد، يضاف له اختتام الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية قبل أسابيع دون تحقيق أي تقدم ملموس، حيث كانت تشكل هذه الجولة نقطة حاسمة لتقديم أي شيء في عمل اللجنة الدستورية وكتابة مسودة دستور جديد، تجلى ذلك في تصريح لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قبل بدء الاجتماعات، بأن الجولة الخامسة ستبدأ ببحث المضامين الدستورية وفق ما تم التوافق عليه مع الجانب الروسي، ولكن عدم تحقيق أي تقدم، والتفاعل الأحادي من قبل المعارضة، واحتمالات توقف هذا المسار أيضا، وبظل غياب الدفع الدولي، جعل ممثلي الدول الضامنة يجتمعون مجددا في جنيف على وقع ما يحيط من احتمالات إعلان فشل اللجنة الدستورية وانتهاء عملها، لتقرر مواصلة دعم عمل اللجنة، والاجتماع بصيغة أستانة في الاجتماع الـ15 في مدينة سوتشي بمشاركة الدول الضامنة ووفدي النظام والمعارضة، وذلك في 16-17 من شباط الجاري وبمشاركة من المبعوث الأممي غير بيدرسون.
وبنظرة على الملفات التي يبحثها عادة المجتمعون في سوتشي، وهي غالبا ما تكون لتطبيق التعليمات التي يتلقاها المسؤولون رفيعو المستوى للبلدان الضامنة من الوزراء وزعماء الدول، فإنها تبحث عادة في اللجنة الدستورية، والتطورات الميدانية في إدلب، وملف المعتقلين، فضلا عن لقاءات تقنية وفنية، الثنائية منها والثلاثية، ومع وضع الظروف الدولية الحالية من ضبابية المواقف الدولية الضاغطة، وظروف جائحة كورونا، وعدم اعتماد الأوضاع الميدانية على تلك الاجتماعات، وانحسار موضوع ملف المعتقلين وانتقاله للبعد الإنساني، يبدو أن هذا الاجتماع سيكون عنوانه العريض هو اللجنة الدستورية ومحاولة إنعاشه بعد السكتة التي تعرضت لها في الجولة الخامسة، وعدم وضوح الموقف المستقبلي، وخلال هذا الاجتماع ستعود الدول الضامنة للحديث عن اللجنة الدستورية وآليات لحلحلة عملها وتحقيق تقدم فيها لجهة أنه مكسب سياسي تروجه روسيا أمام المجتمع الدولي، وتشارك فيه تركيا في محاولة أيضا للضغط على الدول الغربية التي ليس لها تأثير يذكر، وخاصة أميركا التي وضعت نصب عينيها شرق الفرات فقط، وتدعم قوات “قسد” في تلك المناطق، وتريد دمجهم في عمل اللجنة الدستورية في ظل رفض تركي، لأنها تتهم هذه القوات بالارتباط بتنظيمات إرهابية انفصالية وأجندتها لا توافق الأجندة الوطنية السورية، وبالتالي فإن الدول الضامنة وخاصة تركيا وروسيا ستعملان على وضع خطة جديدة لعمل اللجنة الدستورية وتسويقها دوليا.
وتستدعي هذه المحاولات بالضرورة التساؤل عن الأدوات التي تمتلكها في هذا السياق، ومن المعروف أن المجتمع الدولي سلم لتركيا وروسيا محاولة إيجاد حل لسوريا وحددت كل جهة موقفها من الحل، فتجد الدول الغربية بدعم من الدول العربية في المجموعة المصغرة، أن الحل في سوريا يبدأ بحكم انتقالي وفق القرار الأممي 2254 ولن تبدأ مرحلة إعادة الإعمار ودعمها ما لم يكن هناك بدء للمرحلة الانتقالية، والأهم بالنسبة لأوروبا هو منع مزيد من موجات اللجوء، وهو ما يدعم موقف أنقرة في إدلب وإن كان بخجل واستحياء، وأميركا لديها نفس الموقف مع اشتراطها ضم قوات “قسد” شرق الفرات لمرحلة الحل السياسي، وتركيا وضعت خطها الأحمر في إدلب وارتباطها بأمنها القومي وأزمة النزوح واللجوء، ومراعاة مطالب الشعب بالتغيير، بينما الضامنان الآخران لا يزالان يراهنان على تعويم النظام وفرض شرعيته عبر محاولات تسويق مسار أستانة والانتخابات الرئاسية المقبلة المرفوضة غربيا، وبالتالي فإن محاولات الإنعاش هذه ليست سوى محاولة لكسب الوقت للوصول إلى التفاهمات النهائية ميدانيا بين تركيا وروسيا وأميركا بالدرجة الأولى، انتقالا لمرحلة الحل السياسي.
ومن المستبعد تطرق الأطراف المجتمعة للانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا، لأنه في الوضع الراهن تركيا لا تعترف بأي انتخابات من هذا القبيل وكذلك الغرب، وحتى إن طرح الضامنان الآخران هذا الموضوع، من المستبعد أن تتفاعل معه تركيا بسبب موقفها المعلن، ولن يكون هناك موقف من الجانب التركي في ظل الأوضاع الحالية الضبابية، إذ إن الموقف الأميركي يجعل كل الأطراف في موقع المحافظة على التموضع الموجود، وتغييره بناء على وضوح السياسة الجديدة، ومن المؤكد أن ملف المعتقلين سيطرح أيضا في هذا الاجتماع وستكون هناك لقاءات فنية، ولكن موضوع المعتقلين معقد وطويل بحسب ما كان يصدر عن المشرفين على الملف التابعين للصليب الأحمر الدولي، التي وجدت بأن البحث عن المعتقلين والمفقودين في الملفات الإنسانية عادة ما يأخذ وقتا طويلا من أجل الوصول لنتيجة فيها.
وفيما يتعلق بالأوضاع الميدانية، وخاصة في إدلب وشرق الفرات، فمن المستبعد حصول أي توافقات فيه خلال هذا الاجتماع لأن التحركات الميدانية الأخيرة لتركيا، ونشر نقاطها العسكرية على حدود المناطق المتبقية في إدلب، وخاصة في محور جبل الزاوية، والاستعدادات لفتح الطريق الدولي حلب- اللاذقية المعروفة بـ (M4)، بعد استكمال ضبط الطريق أمنيا، وإصلاح الطريق ليكون جاهزا لعبور القوافل التجارية، يجعله ملفا مستقلا، وأكثر ما يمكن أن يتخذ فيه هو أن يتضمن البيان دعما سياسيا للبدء في تسيير القوافل التجارية على هذا الطريق، حيث تفيد معطيات ميدانية أن الاستعدادات التركية الجارية والتواصل مع الجانب الروسي، بحاجة للقرار السياسي الأخير بين الجانبين للبدء بفتح الطريق ومسير القوافل التجارية فقط، خاصة أن تركيا عملت على تحكيم الطريق أمنيا عبر محارس وكاميرات مراقبة ونشر قوى تابعة للمعارضة على طول الطريق، منعا من حصول خروقات أمنية.
وبناء على ما تقدم فإنه من الخطأ التعويل كثيرا على اجتماع سوتشي المقبل بمخرجات ذات أهمية، وستكون هناك مناقشات عن عمل اللجنة الدستورية وينتظر أن يصدر بيان داعم لعملها طبعا مع الإشارة إلى عدم التدخل الخارجي، وربما سيكون هناك حزم من قبل المبعوث الأممي لتحديد موعد جديد لعقد جولة تكون أجندتها واضحة وتعنى بالدخول في المضامين الدستورية، والمتابع للملف منذ العام 2014، يدرك أن النظام لن يلتزم كما جرت العادة بأي اتفاقات وسيناور لكسب الوقت، وبالتالي لن يحصل خرق كبير في هذا الملف، سوى بديمومته واستمراره لمزيد من الوقت، ومن ناحية أخرى وباحتمالات أقل، قد يعلن عن فتح الطريق الدولية لحركة القوافل التجارية، وهو احتمال أقل، لأن هكذا تطور قد يحتاج إلى اجتماع رفيع أكثر على مستوى الزعماء أو وزراء الخارجية، وفي النهاية تبقى كل الاحتمالات مفتوحة في هذا الملف أيضا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا