أعلن المسؤول الأميركي عن الملف السوري، جويل ريبورن، أن الحل في سورية صار قريباً، وأنه يتوقع أن ينهار النظام الأسدي فجأة. وأثار هذا الإعلان موجةً من التفاؤل لدى قطاعات واسعة من السوريين، تعتقد أن المسؤول الأميركي يعرف ما يقول، وأنه حان لمن بيدهم القرار أن يجدوا حلاً طال انتظاره، بعد أن دفع شعب سورية ثمنه الفادح، مذ ثار لنيل حريته، وها نصفه ينهشه الجوع، ويجد نفسه مشرّداً في البراري والقفار، ونصفه الآخر أشد جوعاً ودماراً في مناطق الأسدية، وينتظر بدوره الحل.
هل اقترب الحل؟ هذا ما آمله، كالسوريين الذين شبعوا موتاً وغربة، ويتطلعون إلى عودةٍ قريبةٍ إلى وطنٍ لا يريدون غيره، ولا يساويه في أعينهم أي مكان آخر!
ثمّة عناصر في وضعنا ترجّح أن يكون الحل قريباً، وهناك عناصر تجعله مستبعداً إلى زمن يعلمه الله وحده، والسبب: تعارض مصالح (ورهانات) الممسكين به، الذين يسيطرون على المنخرطين فيه، ويُحجمون عن العمل لتسويةٍ تضمن التوازن بين مصالحهم وأهدافهم القريبة والبعيدة التي لا علاقة لسورية وثورتها بها، وتتخطّاها إلى ما في الواقع الدولي القائم من تناقضات وخلافات بين موسكو، الراغبة في الصعود من مواقعها الحالية إلى مراكز تحتلها واشنطن، التي قرّرت منعها من ذلك، ونجحت في سحب أوراق الحل السوري من أيديها، واحتجزت قدرتها على استكمال الحل العسكري الجزئي الذي حقّقته بحلٍّ سياسيٍّ شامل، يقوّض هيمنة أميركا على الصراع السوري ومخرجاته، ورفضها التعاطي بإيجابيةٍ مع مطامح الكرملين السورية، وتعاملها بندّيةٍ معه في الشؤون الدولية، وتسهيل خططه في سورية وما وراءها من ديار العرب. فهل يشجع هذا الواقع الدولي المتناقض الرهانات على حل قريب، أم يقول عكس هذا؟ وهل أيقنت موسكو أنها عاجزةٌ عن الخروج من الاحتجاز الأميركي، وأن من الأفضل لها قبول تسويةٍ تخرجها من الارتباط المفرط بالشأن السوري، الأسدي تحديداً، وتُلزمها بالانصراف إلى غيره، وسط تحوّلاتٍ دوليةٍ فيها من الفرص الافتراضية ما يساعدها على كسر عزلتها الخانقة التي تخلّقت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بما قد يترتب على ذلك من ميلٍ أميركي إيجابي إلى التفاهم معها، بنتائجه التي تفوق، في أهميتها، ما قد يقدّمه الأسد لها، أو تقدّمه هي من تنازلاتٍ في قضايا ومسائل لا ترتبط مباشرة بالصراع السوري، ولا تنعكس إيجابياً بالضرورة على المعارضة، لكنها تمنح موسكو فرصة الخروج من العزل الخارجي، والتخلّص من المستنقع السوري.
هذه العوامل المتشابكة التي يؤيّد بعضها الحل القريب، ويستبعده بعضها الآخر، تضمر مجاهيل عديدة لا نعرف تفاصيلها، ودورها في سياسات الدولتين الكبيرتين، وموضوعاتها الحقيقية. ومع أن علينا الاهتمام بما قاله الدبلوماسي الأميركي ريبورن، والعمل لمعرفة ما لديه من تفاصيل تسوّغ تقديره المتفائل والمفاجئ، المعاكس لما يحيط من غموض بالصراع على وطننا وفيه، ويسود من ركود في مواقف أطرافه المختلفة، فإن من الواضح أننا لن ننال ما ضحّى شعبنا من أجله، إن استمرّت مواقفنا الأقرب إلى الفرجة على مصيرنا منها إلى العمل لتحقيق أهداف ثورة قدّم أهلنا فيها ملايين الضحايا، من أجل نيل حريتهم، وتفاءلنا وتشاءمنا بين تصريح وآخر، لأننا ظللنا، بمحض إرادتنا، أو بسبب غبائنا، مجرّد معلقين على ما يبلغ أسماعنا، بدل أن نكون صناع ما يستمع إليه الآخرون، روساً وأميركيين وإيرانيين … إلخ.
قد لا يكون الحل قريباً، لكنه قد لا يكون بعيداً أيضاً. المشكلة أن المعنيين به يبدون غير معنيين بنا في الحالتين، فلا عجب إن أصبنا بمفاجأةٍ تذهلنا في حال تحقق قريباً، أو كان في المقابل بعيداً، لأننا لن نكون فاعلين، بل منفعلون به، بكل ما يملأ نفوسنا اليوم من حسرة على أهلنا!
المصدر: العربي الجديد