لم يعد مصطلح العرب ذا دلالة كافية على مضمون اجتماعي أو سياسي أو ثقافي واضح محدد. العرب هم أبناء البلاد العربية بجميع مستوياتهم واختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم وأديانهم ومذاهبهم وولاءاتهم السياسية ومصالحهم المتضاربة. لا يكفي استخدام المصطلح إلا للدلالة على هؤلاء جميعًا بما بينهم أحيانًا من تناقضات وصراعات وحروب. أمام هذا المصطلح العام تسود إشكاليات متعددة تخلط المفاهيم وتربك الإفهام والمقاصد. بعضها عفوي بريء وكثير منها خبيث مقصود.
١ – في منحاها البريء، يستخدمها الإنسان العربي في كل مكان حينما يتعرض لخطر أو تجتاحه أزمة أو يتعرض لعدوان ولا ينصره ويذود عنه أحد من ” العرب ” فيروح يسب ويشتم هؤلاء العرب ويتهمهم بنعوت سلبية كثيرة تصل أحيانًا إلى شتيمة العروبة ذاتها بل حتى وإنكار وجودها من الأساس وصولًا إلى التبرؤ منها.
ليس هذا إلا موقفًا انفعاليًا ظرفيًا ناجمًا عن ضغط الأزمات المتلاحقة والمخاطر المحدقة بالإنسان العربي من كل جانب دون أن تكون له قوة تردع او تذود وتحمي.
لا يلبث هذا الموقف الغاضب العابر أن يختفي مع أول ظهور لأية إجراءات تضامنية أو مشاعر حماسية تخترق الأحداث فتواجه المخاطر وإن لم تستطع دحرها. فهي إذن عابرة وأكثر من هذا فهي تعبير عن تلبس العروبة لشخصية هذا الإنسان ذاته وما حنقه من العرب إلا لأنه في داخله يشعر بانتمائه إليهم وإن سخط على تقصيرهم تجاهه.
٢ – أما المنحى السلبي فهو ذاك الذي يحاول توظيف مثل هذه المشاعر الغاضبة فيحولها إلى موقف عقائدي إستراتيجي منكر للعروبة رافض لتجلياتها العملانية ليتخذ على أساس من ذلك الرفض موقفًا عدائيًا تجاه الأمة العربية كلها – أي ضد العرب جميعًا – مع ما يرافق هذا العداء من ارتهان لمشاريع أجنبية مشبوهة معادية للمصير العربي مشتملًا على الوجود العربي ذاته.
وهكذا يكون هذا الموقف التعميمي من العرب سلاحًا يستخدمه أعداؤهم لدحر قضاياهم التحررية الوطنية والقومية. فهو موقف عقائدي يتخذ التعميم نهجًا لإلغاء العروبة كهوية رابطة لتبرير حربه عليها وتسويق مشاريعه التقسيمية البديلة.
هذا الموقف العقائدي المعادي يتخذ التضليل منهجًا يؤدي إلى الخلط بين جميع مكونات واتجاهات أبناء العرب ووضعهم في سلة واحدة.
هذا المنحى يكرر إطلاق مصطلح العرب على كل فعل شائن وتقصير فاضح وخيانة سافلة بل وكل عمل لا إنساني يقوم به ولو فرد واحد من أبناء العرب.
٣ – المنحى الأول سلبي عفوي بريء أما الثاني فمنهج عقائدي في محاربة العروبة ذاتها وفي إنكار وجودها ذاته وفي تصفية تجلياتها التاريخية الوجودية ابتداء من المصير الواحد إلى التاريخ المشترك والحضارة التاريخية العظيمة ليكون تسويقًا للهيمنة الأجنبية والتشطير والتقسيم والتبعية والإلحاق.
هنا ينتفي أي حديث عن العرب أو حتى مجرد الإشارة إلى المصطلح حينما يتعلق بأمر طيب إيجابي من أي نوع ولو كان إنجازًا فرديًا أو تفوقًا علميًا أو حتى رياضيًا.
فقط يكثر ترداد المصطلح حيال أي فعل سلبي منكر سيء مسيء. فيصبح العرب مادة للشتيمة والعروبة مادة للرفض والإنكار.
المنحى الأول منحى إيجابي في مضمونه لأنه يؤكد هوية العربي العروبية المتأصلة فيه.
والثاني سلبي عدواني معاد للهوية والانتماء بل للوجود ذاته. بل جزء من الحرب المستمرة عليهما معا: الهوية والانتماء. فهل هذا جديد؟؟
٤ – منذ أن تشكلت أمة عربية واحدة بفضل فتوحات الإسلام وتحرير الأرض العربية التي كانت محتلة من الفرس والبيزنطيين؛ والحرب على العروبة لم تتوقف بكل أشكالها الثقافية والسياسية والأمنية والاقتصادية.
لكنها في العقود الأخيرة اكتسبت أبعادًا إضافية جديدة أو مستجدة مستحدثة بسبب تغول المشروع الصهيوني وغياب أي مشروع عربي مقابل لا سيما بعد سقوط بغداد وحكمها الوطني، آخر قلاع الدفاع عن الوجود العربي والعرب.
هذا التغول الصهيوني المدعوم والمغطى من النظام الرأسمالي العالمي وقاعدته الولايات المتحدة؛ أدى إلى وترافق بتغول الأطماع الإقليمية التي تتطلع لاستعادة سيطرتها الغابرة على الوطن العربي برمته.
إن تغول المشروع الصهيو/ أميركي المعادي، هو الذي أيقظ تلك الأطماع الإقليمية المعادية للعرب والعروبة ودفعها دفعًا للتدخل بل وتعاون معها واستخدمها في كثير من المحطات والمواقف لتكون أداته في قمع العروبة وتشريد العرب وطمس هويتهم وفض تجانسهم الوطني والقومي واستبداله بانتماءات ضيقة متخلفة متعصبة عنصرية تقسيمية.
لهذا نمت وتصاعدت حدة الطروحات الانقسامية المذهبية المتغطية بالدين زورًا ومخادعة لتبرير وتمرير مشاريعها المعادية الحاقدة الطامعة. فأصبحت أحيانًا لا تقل خطرًا عن المشروع الصهيوني حيث تغلغلت في صلب النسيج الاجتماعي للبلاد العربية وراحت تمزقها باسم العصبيات الدينية المذهبية. وهو ما لا تستطيعه أدوات المشروع الصهيوني المباشرة والسافرة.
٥ – هذه القوى جميعها راحت تتسابق في الحرب على العرب والعروبة في كافة الميادين والمجالات ومنها وأولها الحرب المعنوية النفسية والثقافية.
حرب استهدفت في المحصلة إنكار وجود العروبة كهوية رابطة جامعة تعلو وتستوعب كل ما سبقها من انتماءات محلية وكل ما هو أقل منها وأدنى في مراحل التطور الإنساني التاريخي.
كل هذا لإنجاح مشروع صهينة الأمة والسيطرة التامة عليها وتسليم مقاليد الرأي والقرار فيها لمصادر النفوذ والقوة في النظام الرأسمالي العالمي الصهيو/ أميركي. راحت تستخدم كل إمكانياتها الإعلامية والدعائية والتسويقية لتشويه العروبة وطمسها ونفي وظيفتها ثم إلغائها تمامًا.
٦ – بالمقابل فإن القوى ذات النفوذ والسلطان في المجتمعات العربية باتت تخشى العروبة لارتباطها مصلحيًا بالقوى الخارجية الطامعة والمعادية ذاتها. ثم لأنها لا ترى وجودها ومصالحها في نمو مشروع عربي عروبي جامع يوحد ويوظف الطاقات والإمكانيات الذاتية لتنمية البلاد وتقدمها وتمكينها من بناء قوتها الذاتية التي بها تستقل وتردع كل عدوان عليها.
ثم لأنها لا تملك المؤهلات الذاتية لقيادة مثل هكذا تطلع فتفضل البقاء في قوقعتها الانعزالية راضية بالحماية الخارجية لها مع ما يستدعي ذلك من استنزاف مواردها ونهب خيراتها.
فراحت بدورها تساهم في تلك الحرب على العروبة تبريرًا لمواقعها ومصالحها وإرتهاناتها.. فكان أن خذلت أمتها لتغطية تخاذلها.
٧ – أنماط الحرب على العروبة:
١ – التعميم: حيث ينسب كل عمل سيء وكل السلبيات والكوارث والهزائم إلى العروبة ذاتها دون تحديد ودون تمييز.
٢ – الخلط: في مواجهة أية أزمة اللجوء إلى سب العرب جميعًا دون تحديد أيضًا.
٣ – التشويه بإعطاء العروبة أقبح الملامح وأبشعها.
٤ – التفكيك: بادعاء غياب أية مقومات موضوعية أو تاريخية للعروبة ذاتها.. وتسفيه كل ما يسوقه العروبيون من اعتبارات لتأكيد التزامهم بالعروبة – الهوية.
كالقول مثلًا: لا توجد أمة عربية واحدة أصلًا. وتاريخيًا لم تتوحد البلاد العربية يومًا.. وكالقول إن الفتوحات العسكرية تمت بالقوة وفرضت الهوية الجديدة على الشعوب رغمًا عنها.
ثم اعتبار الفتح العربي الاسلامي مرحلة تاريخية من الاحتلال تشبه الاحتلال الروماني ثم البيزنطي والفارسي والحبشي. والعثماني.
٥ – إنكار الدور الحضاري التاريخي للعرب بادعاء أن مساهماتهم العلمية والفكرية والحضارية لم تكن أكثر من ترجمة التراث الإغريقي اليوناني ونقله إلى أوروبا.
يستتبع هذا الإنكار عدم الاعتراف بذلك النموذج الحضاري العظيم المتميز الذي أنتجه العرب وبقي سائدًا طيلة أزيد من ثمانية قرون وما يزال نموذجًا متميزًا متفردًا ببعده الإنساني وركائزه الأخلاقية التي تغيب عن كل النماذج الحضارية الأخرى لا سيما النموذج الأوروبي ثم الأميركي.
٦ – حرب مفتوحة متواصلة على اللغة العربية من أول إضعافها والسخرية منها إلى تخويف الأجيال العربية منها لصعوبتها وقدمها وعدم مقدرتها على مواكبة التطور العلمي والتقني مرورًا بإضعاف مناهج تعليمها المدرسية واستبدالها بالإنجليزية ثم تسويق جاذبية الحديث باللغة الإنجليزية في الحياة اليومية.
إن تسفيه اللغة العربية يشكل مدخلًا لقطع صلات أبناء العرب بتراثهم الحضاري وتاريخ أمتهم من جهة وبالقرآن الكريم والإسلام من جهة ثانية. مقدمًا لتسهيل وضمان السيطرة الفكرية على عقولهم واستلاب شخصياتهم ثم استخدامها حيثما وكيفما تكون الحاجة.
اللغة هي الوعاء الذي يختزن ذاكرة التاريخ والعلم والمعرفة ويصلها بالهوية الوطنية والانتماء القومي.
٧ – أخطر وسائل محاربة العروبة تلك التي حملت راية الدين والإسلام تحديدًا فراحت تقارع العروبة بحجة كونها عصبية قومية ولا عصبية في الإسلام. لم يدرك من روجوا لهذه الفكرة – ولا يزالون – خطورة فكرتهم ونتائجها المدمرة على الإسلام ذاته. فالأمة العربية هي ثمرة حضارية تاريخية للتفاعل الإيجابي الحر بين الإسلام والجماعات البشرية التي كانت تقطن الأرض العربية الحالية بما بينها من صلات وروابط تاريخية واجتماعية بحكم الجغرافيا والتمازج السكاني وتبادل الهجرات. إن محاربة الإسلام تستدعي إنكار وجود تلك الثمرة العظيمة.
إن إنكار العروبة باسم الإسلام يشكل مقدمة لضرب الإثنين معًا وتمكين قوى العدوان المحلية والخارجية من السيطرة على الأرض والشعب والأوطان بما تفعله من تقسيم وتشريد وتمزيق.
وهذا أحد أسباب تودد الغرب الاستعماري للأحزاب الدينية ” الإسلامية ” التي خانها الوعي وإدراك حقائق التاريخ التي ربطت بإحكام بين العروبة والإسلام.
٨ – خلاصات:
١ – لا يستوي أبناء العرب في ولائهم لأمتهم وأرضهم وأوطانهم. نسبة غير قليلة منهم صارت في عداد القوى المعادية لتحرر الأمة ووحدتها وتقدمها. لارتباط وجودها ومصالحها باستمرار الهيمنة الخارجية عليها.
٢ – من العبث الجائر التعميم حين الحديث عن العرب بإطلاق. فبات لازمًا تحديد من المقصود من العرب وتعيين مسؤولياتهم حيال كل أمر.
٣ – أبناء العروبة المخلصون هم الذين يقارعون كافة أشكال الحرب على العروبة بكل مقوماتها. في كل زمان وكل مكان وبكل إمكانيات.. هؤلاء الآن هم القابضون على جمر إيمانهم وصدق ولائهم: للأرض والشعب والوطن. وهم المنتصرون.
المصدر: كل العرب