اتفق النظام السوري وإيران على بدء التبادل التجاري مطلع الشهر المقبل وفق نظام المقايضة، كسياسةٍ جديدة انتهجها الطرفان هرباً من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهما، وتُظهر حالة الإفلاس التي وصلا إليها، وهو ما يتناقض مع شعارات الصمود في وجه العقوبات التي يتغنّى بها مسؤولو الأسد باستمرار.
وأثار هذا الإجراء الجديد سخريةً بين أوساط السوريين، الذين وصفوه بـ “تجارة المفلسين”، أو تجارة العصور الوسطى، وطرح تساؤلاتٍ هل تلك الصفقة رابحة للطرفين، أم هناك خاسر ورابح؟.
وأعلن معاون وزير “التجارة الداخلية وحماية المستهلك” في حكومة النظام جمال شعيب في تصريحاتٍ لصحيفة “الوطن” الموالية، توقيع اتفاق مقايضة للمنتجات الزراعية مع الجانب الإيراني.
ويتضمن الاتفاق في البداية تصدير ألفي طن من زيت الزيتون، وألف طن من العدس إلى إيران، مقابل استيراد كميات من زيت عبّاد الشمس الإيراني تعادل ثمن الكميات المصدّرة، على أن يكون ذلك مقدمةً لتبادل بضائع أخرى، حيث يمكن استيراد السكر والرز والمعلّبات من إيران في الأشهر القادمة، مقابل تصدير منتجات زراعية أخرى من سوريا.
لماذا اتفق الطرفان على المقايضة؟
اتفاق المقايضة جاء ترجمةً للاجتماع الذي تم في طهران مطلع عام 2017، بين عماد خميس رئيس حكومة النظام سابقاً، وإسحاق جهانغيري النائب الأول للرئيس الإيراني، وأسفر حينها عن توقيع خمسة عقود للتعاون الاقتصادي بين دمشق وطهران، شملت مجالات إعادة الإعمار وحقول النفط وشبكات الهاتف المحمول والمجالات الزراعية.
وقال الباحث في الشأن الاقتصادي يونس الكريم لموقع “تلفزيون سوريا” إنه “كان من المقرر تنفيذ اتفاقية التبادل التجاري في المجال الزراعي منذ عام 2017، حيث تم حينها الاتفاق على تصدير زيت الزيتون الى إيران، ولكن النظام السوري لم يُنفّذ الاتفاق نتيجة حاجة السوق المحلية لذلك المنتج، في ظل خروج مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الغنية بالزيتون في تلك الفترة عن سيطرة النظام”.
وأضاف كريم أن “الأسد كان يحتاج للقطع الأجنبي كثمن تصدير زيت الزيتون، لكن إيران رفضت ذلك حينها لحاجتها هي أيضاً للعملة الأجنبية، بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليها”.
وبعد أربع سنوات من تعليق تنفيذ الاتفاق، توصل الطرفان لصيغة توافقية تضمنت تفعيل التبادل التجاري بينهما، لكن عن طريق المقايضة، لعدم امتلاكهما قطعا أجنبيا يتيح لهما الاستيراد،
وفي نفس الوقت بغية التهرّب من العقوبات المفروضة عليهما، حيث ستتم عمليات تبادل البضائع بينهما عبر الطرق البرية، من إيران إلى العراق مروراً بالبوكمال وتدمر وثم دمشق وبالعكس.
ويعرف “نظام المقايضة” بأنه تبادل السلع والمواد الفائضة لدى دولة ما، مع سلع ومواد دولة أخرى دون استعمالِ وسيلة تبادل نقدية كالمال، ويكون بين دولتين أو أكثر، واشتهر هذا النظام في العصور الوسطى، عندما لم يكن هناك حاجة للنقود، وإنما من يمتلك شيئاً لا يحتاج إليه ويريد شيئاً بحوزة شخص آخر، يقوم بمقايضة هذا الشخص على ما يمتلك.
لا فائض في المنتجات
بدوره قال المحلل الاقتصادي محمد بكور: إن “اتفاق المقايضة يحقق منافع، في حال تم بين دولتين تمتلك كل منهما فائضا في منتج معين، تكون الأخرى بحاجة له، لكن هذا الأمر لا ينطبق على الاتفاق بين دمشق وطهران”.
وأشار إلى أن “الأسد لا يملك فائضا من زيت الزيتون والعدس، وليس بحاجةٍ لزيت عبّاد الشمس، وإنما يحتاج إلى المحروقات، والتي لا تستطيع إيران تصديرها، في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليها، والتي تمنع نقل أي شحنة محروقات للأسد”.
وأضاف بكور لموقع “تلفزيون سوريا”، “يمكن وصف هذا الاتفاق بتجارة المفلسين، حيث إن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا وإيران، وانهيار الوضع الاقتصادي فيهما، جعلهما عاجزتين عن تسديد فاتورة الاستيراد نقداً، لذلك لجأتا إلى المقايضة”.
وأوضح “اتفق الطرفان على تبادل عدة سلع تكون قيمتها النقدية متساوية، لكن مهما حاول الطرفان أن تكون عملية التبادل عادلة، فسيكون هناك طرف رابح أكثر من الآخر، من حيث اختلاف التكلفة وجودة المنتج وحاجة السوق له، وطبعاً إيران ستكون هي الرابحة باعتبارها الطرف الأقوى الذي يفرض شروطه”.
صفقة خاسرة للأسد والسوريين
وسعى الأسد للترويج الاعلامي لاتفاق المقايضة مع إيران، على أنه سيعود بالنفع والفائدة على الاقتصاد والشعب السوري، لكن الواقع مختلف تماماً، فتلك الصفقة ستكون خاسرة للنظام ورابحة لايران، وهناك عدة دلائل على ذلك.
فوفق أرقام “المجلس الدولي للزيتون”، احتلت سوريا المرتبة الثانية بقائمة الدول العربية والسابعة عالمياً من حيث الأكثر استهلاكاً لزيت الزيتون، حيث بلغ استهلاكها الإجمالي 75 ألفًا طن في الموسم الماضي، مع توقعات بارتفاع حجم الاستهلاك هذا العام الى 100 ألف طن، وبنفس الوقت فإن حجم الإنتاج يتراوح بين 100-120 ألف طن، وبالتالي فالسوق المحلية بحاجة إلى زيت الزيتون وليس هناك فائض للتصدير.
وأشار يونس الكريم إلى أنه “بمجرد إعلان الأسد عن توقيعه اتفاق لتصدير زيت الزيتون إلى إيران الشهر القادم، ارتفعت أسعاره بشكلٍ كبير، ووصل سعر صفيحة الزيت (وزن 16 كيلو غرام) الى 100 ألف ليرة سورية، بعدما كان سعرها العام الماضي 30 ألف ليرة، حيث قام التجار مع سماع الخبر باحتكار كميات كبيرة من الزيت، وبنفس الوقت سارع المواطنون لشراء كميات زائدة عن حاجتهم للمؤونة خوفاً من غلاء سعره، وبالتالي زاد الطلب مقابل تراجع العرض”.
وتوقع الكريم “ارتفاع أسعار الزيت أكثر مع بدء النظام بالتصدير الشهر القادم، ولاسيما أن الأسد يعاني أصلاً من تراجع في إنتاج الزيتون، نتيجة خروج مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون عن سيطرته، ولاسيما مناطق إدلب وريف حلب الشمالي، إضافةً إلى تضاؤل اليد العاملة في هذا المجال، ما يعني أن السوريين كانوا الخاسر الأول من هذه الصفقة”.
وتابع قائلاً: “لاشك أن الأسد سلّم إيران قطاعا هاما للتصدير غير خاضع للعقوبات (زيت الزيتون)، وكان يمكن للنظام أن يستفيد منه بالحصول على القطع الأجنبي في حال تصديره لدولٍ أخرى، أما الآن فلن يحصل على أي دولار، كون التصدير سيكون بالمقايضة، بمعنى أن دمشق ستُصدّر منتجا هاما محلياً واقتصادياً، وستستورد من طهران منتجات رديئة وغير هامة للسوق المحلية كزيت عبّاد الشمس”.
مكاسب بالجملة لإيران
في المقابل تعتبر إيران الطرف الرابح في هذه الصفقة لعدة أسباب، فزيت الزيتون الذي ستحصل عليه من النظام السوري دون أن تدفع مقابله أي دولار، تستطيع إعادة تصديره إلى دولٍ أخرى كونه غير مدرج ضمن قائمة العقوبات الدولية، وبالتالي يمكنها أن تحصل على القطع الأجنبي الذي يدعم اقتصادها المتدهور، أو تستطيع سد حاجة السوق لديها في حال قررت عدم تصديره، وبالتالي تخفيف حالة الاحتقان الشعبي ضدها.
كذلك استطاعت إيران أن تفرض على الأسد طبيعة المواد التي ستصدّرها إليه، حيث أدرجت ضمن اتفاق المقايضة تصدير زيت عبّاد الشمس، الذي يعتبر ذا مواصفات رديئة للغاية، وبالتالي استطاعت طهران من خلال هذه الصفقة تسويق منتجاتها غير المرغوبة في الأسواق الخارجية.
ففي عام 2009 استورد العراق الزيت الإيراني، لكن المنتج لاقى استياءً شعبياً بين العراقيين، نتيجة رداءته وتأثيره صحياً عليهم، وقاموا حينها بإتلاف كميات كبيرة منه إضافةً إلى سلع غذائية أخرى، وقرروا الاعتماد على منتجات دولية كـ “أونا” و “مازولا”، ما ألحق خسائر كبيرة بإيران.
ويرى يونس الكريم أن “النظام السوري يدرك أن سبب اهتمام الإيرانيين بزيت الزيتون السوري ليس لجودته، وإنما السبب يعود إلى أنه يُزرع في أماكن استراتيجية لإيران سواءً بحلب أو ريف دمشق أو الساحل السوري”.
وأوضح أن “هذا يساعد طهران في تكوين طبقة موالية لها من الفقراء وصغار التجار والعاملين في هذا المجال، عبر الاستحواذ على أراضي الزيتون والصناعات الصغيرة المرتبطة بها، وهذا يجعل كثيرا من الأسر السورية تربط مصيرها بالنظام الإيراني، كونه هو من سيتولّى تصريف إنتاجها”.
إيران تعزز قبضتها على الاقتصاد السوري
ولكن لماذا قرر الأسد تصدير زيت الزيتون ولاحقاً الحمضيات ومواد غذائية أخرى لإيران بدلاً من روسيا؟ أجاب الكريم على ذلك قائلاً: إن “اتفاق المقايضة هو بمثابة ترضية من الأسد لإيران التي تطالبه مراراً وتكراراً بتسديد فاتورة دعمها العسكري له، كما أن المنتجات السورية المصدّرة لروسيا تعاني من منافسة شديدة من دول أوروبية وكذلك من تركيا ومصر والمغرب، إضافةً إلى مشاكل تتعلق بعمليات الشحن والتي تتم على عدة مراحل مما يُغيّر بمواصفاتها”.
وأشار إلى أن “المشكلة زادت تعقيداً عقب تفجير ميناء بيروت الذي كان يعتمد عليه النظام لتصدير منتجاته إلى أوروبا، إضافةً إلى عامل بالغ الخطورة وهو امتناع المستوردين الروس عن دفع مستحقاتهم للتجار السوريين، كل ذلك جعل المُصدّر السوري يعزف عن إرسال الشحنات المتفق عليها إلى موسكو ويتجه نحو طهران”.
وبات لافتاً أن إيران تسعى من وراء تلك الاتفاقات، إلى تعزيز قبضتها على الاقتصاد السوري، عبر فرض منتجاتها على الأسد، وإجباره على تصدير ما تحتاجه.
ويُستدل على ذلك من خلال قراءة قيمة الصادرات والواردات بين البلدين خلال السنوات الماضية، إذ بلغت قيمة الصادرات الايرانية إلى سوريا بين عامي 2012 و2017 حوالي مليار و313 مليون دولار، أما واردات إيران من سوريا خلال نفس الفترة فلم تتجاوز 91 مليون دولار.
ويعني هذا أن الميزان التجاري بين الطرفين يميل لصالح طهران إلى حدٍ كبير، وفق إحصائية أجراها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا