لا يمكن تجاهل ما أعلنه نائب رئيس هيئة التفاوض السابق، خالد المحاميد، لقناة الحدث، عن البدء بتشكيل جسم سياسي جديد، على ما يبدو أنه يخطط له أن يكون بديلا عن الائتلاف، لاسيما أن الحديث جاء في سياق إشادته بالاجتماع الرباعي الذي جرى مؤخرا لمناقشة الأزمة السورية، وضم كلا من السعودية ومصر والإمارات والأردن، ما يشير إلى أن هذه الدول الأربع هي صاحبة هذا الجسم الجديد أو على الأقل راعيته.
ومما اتضح من كلام المحاميد كذلك، أن روسيا سوف يكون لها إصبع في تشكيل هذا الجسم السياسي المعارض الجديد، انطلاقا من إشادته بالدور الروسي أيضا، وجهوده في مؤتمرات أستانة وسوتشي، وصولا إلى اللجنة الدستورية، وأخيرا تأكيده بأن هذا الجسم سوف يضم الشباب الثوري في الداخل السوري، وكأنه يشير صراحة إلى الفرقة الخامسة التابعة للقوات الروسية، التي يشغل فيها أخو زوجته، أحمد العودة، دورا قياديا فيها.
وليس ببعيد عن هذا الكلام، فقد كان المعارض هيثم مناع، أحد أبرز عرابي خالد المحاميد، قد تحدث قبل أيام عن مؤتمر وطني للمعارضة ينوي عقده قريبا، له مناصرون كثر في الداخل، وذلك خلال ندوة حوارية جمعته مع رئيس المجلس السوري للتغيير، المحامي حسان الأسود، وتحدث فيها صراحة عن ضرورة تشكيل جسم سياسي جديد للمعارضة، بديلا عما هو قائم حاليا.
كما أشاد مناع في تلك الندوة بـ”أحمد العودة”، وبطولاته في مواجهة قوات النظام وميليشيا حزب الله، في موقف جديد ولافت، على اعتبار أن “مناع” من أنصار ثورة إطلاق البالونات الحمراء في سماء دمشق، احتجاجا على عنف النظام!
على أية حال، يمكن أن نستنتج مما سبق، بأن هناك أيادي جديدة تنوي التدخل في الأزمة السورية، بدعوى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وهي الأيادي العربية الأربع التي أشرنا إليها، بالإضافة إلى روسيا، لكنها على ما يبدو، تنتظر المباركة الأمريكية، إلى حين قدوم الرئيس جو بايدن مطلع العام القادم، والذي من المتوقع أن يشجع أي فعل سياسي يخص سوريا، المهم أن يكون بعيدا عن تركيا، ويسعى لإبعادها عن الملف السوري.
لذلك، فإن المراقب للتطورات الميدانية في الشمال السوري، لا بد أن يلحظ تحركات عسكرية تركية واضحة، يرافقها حديث متصاعد عن نية أنقرة القيام بعمليات عسكرية جديدة، يسيطر فيها الجيش الوطني على المزيد من المناطق التي بحوزة “قسد”، على الحدود مع تركيا، وذلك قبل قدوم بايدن إلى السلطة، أو بالتزامن مع قدومه.
وهذا الموضوع ليس محور حديثنا الآن، لهذا دعونا نعود للجسم السياسي المعارض الجديد الذي تكلم عنه خالد المحاميد، والذي يجب أن لا يمر مرور الكرام، كونه قدم بعض التفاصيل التي نرى أنها مهمة، لمعرفة ماهية هذا الجسم والمراد منه في النهاية.
فهو جسم سوف يكون له شعبية كبيرة في الداخل بحسب ما ذكر المحاميد، قوامه الشباب الثائر، وعموده الفقري المرأة التي سيكون لها تمثيل واضح فيه.. أي إننا أمام جسم رخو منذ البداية، ليس لكون المرأة هي عموده الفقري والشباب هم قوامه، بل لأن المطلوب في المرحلة القادمة، هو تحويل المطالب السياسية للشعب السوري، القائمة على إسقاط النظام وتغييره، إلى مطالب اجتماعية وحياتية يومية، التي باتت اليوم تشكل أغلب مطالب الشباب بالداخل، بعد أن فر قسم كبير منهم إلى الخارج، في السنوات الماضية.
ناهيك عن ذلك، ماذا نتوقع من جسم سياسي جديد، تقف وراءه كل من السعودية والإمارات والأردن ومصر، ومعهم روسيا..؟! هل لازالت هذه الدول تدعو إلى تغيير النظام، أم تعمل على إعادة تأهيله، مقابل إبعاده عن إيران فقط، ونكاية بتركيا من جهة ثانية؟.
إذن، كما هو واضح، فإن المطلوب عربيا وروسياً، من سيناريو إنهاء الأزمة السورية، هو الإبقاء على نظام الأسد دون تغيير يذكر، مع السماح بوجود معارضة شكلية، سوف تنشأ بالاستفادة من حالة الهيجان والغضب الشعبي الحالي، ضد سلوك المعارضة –القائمة- الأرعن، الممثلة بالائتلاف وهيئة التفاوض، وسوف يكون لهذه المعارضة الشكلية شعبية في الداخل، لأنها سوف تدعو لمحاربة الفساد، وترفع صوتها ببعض المطالب السياسية، وسيستجيب لها بشار الأسد، ويحمل معوله معها لمحاربة الفاسدين.. هذا باختصار ما يحاك في الظلام من أجل القضاء على ثورة الشعب السوري ودفنها خارج الحدود.
المصدر: زمان الوصل