ارتفعت وتيرة الهجمات التي تشنها خلايا نشطة تابعة لتنظيم “داعش” على قوات النظام السوري ومليشيات تساندها في البادية السورية مترامية الأطراف، ما يشير إلى أنّ التنظيم، الذي يتّخذ من هذه البادية ميدان تحرك رئيسيا، تجاوز مرحلة الكمون التي مرّ بها منذ بدايات عام 2019، عندما سقط آخر معقل له في سورية.
وأكدت مصادر محلية وشبكات إخبارية مقتل قائد “الفوج 137” في قوات النظام، العميد بشير سليم إسماعيل، مع مجموعة من عناصره، نتيجة اشتباكات مع عناصر من تنظيم “داعش” أول من أمس الأربعاء، في بادية دير الزور، مشيرةً إلى أنّ الضابط القتيل كان يلقّب بـ”أسد الصحراء”، وكان يقوم بعملية تمشيط جنوب مدينة الميادين جنوب شرقي مدينة دير الزور، فوقع في كمين أعده التنظيم. ويعدّ إسماعيل الشخصية الأبرز في قوات النظام وحلفائها التي تلقى مصرعها على يد تنظيم “داعش” منذ مقتل الجنرال الروسي فياتشيسلاف جلادكيخ الذي شغل قيادة “الفرقة 36” في الجيش الروسي، وقائد قوات الدفاع الوطني في الميادين، محمد تيسير الظاهر، مع أربعة من عناصره، في انفجار عبوة ناسفة قرب حقل “التيم” النفطي شرقي دير الزور في أغسطس/آب الماضي.
وازداد نشاط خلايا “داعش” المتنقلة في البادية السورية في الآونة الأخيرة، ما يشي بأنّ التنظيم تجاوز مرحلة كمون مرّ بها منذ بداية عام 2019 عندما سقط آخر معقل له في سورية وهو بلدة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي، ليس بعيداً عن الحدود السورية العراقية، على يد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بدعم جوي من التحالف الدولي بقيادة واشنطن. ونحرت أخيراً مجموعة من “داعش” خمسة من عناصر مليشيا “القاطرجي” التابعة للنظام السوري، كانوا يقودون صهاريج محملة بالنفط آتية من مناطق سيطرة “قسد”، شمال شرقي البلاد، باتجاه منطقة خاضعة لسيطرة النظام. ووفق مصادر محلية، نصب التنظيم كميناً على الطريق الذي يصل الرقة بحماة على أطراف البادية السورية، واحتجز عدداً من السائقين ذبح بعضهم، بينما لا يزال مصير البعض الآخر مجهولاً.
وكان التنظيم شنّ منذ أكثر من أسبوع هجوماً مباغتاً على منطقة سدّ أبو فياض شرقي مدينة سلمية بريف حماة الشرقي، ما أدى وفق “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إلى مقتل 21 من قوات النظام والمليشيات الموالية لها. وبحسب المصدر ذاته، بلغت حصيلة القتلى على يد التنظيم منذ أواخر مارس/آذار من العام الماضي وحتى الأربعاء الفائت، 986 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، من بينهم اثنان من الروس على الأقل، بالإضافة لـ140 من المليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية. وأشار إلى أنّ التنظيم شنّ هجمات وكان مسؤولاً عن تفجيرات وكمائن في غرب الفرات وبادية دير الزور والرقة وحمص والسويداء. كما وثّق “المرصد السوري” مقتل 4 مدنيين عاملين في حقول الغاز و11 من رعاة الأغنام وامرأة، في هجمات “داعش”، بينما وثّق مقتل 532 من عناصر التنظيم خلال الفترة ذاتها.
ويتحرك “داعش” في منطقة جغرافية واسعة تمتدّ من ريف حماة الشرقي غرباً إلى بادية محافظة الرقة؛ بدءاً من منطقة أثريا وصولاً إلى منطقة الرصافة. كما ينشط التنظيم في قلب البادية السورية في محيط بلدة السخنة إلى الشمال الشرقي من مدينة تدمر وصولاً إلى بادية دير الزور الواسعة. ولا توجد إحصائيات يمكن الركون إليها لعدد عناصر التنظيم في البادية، ولكن المعطيات تشير إلى أنهم ربما عدة آلاف يتخذون من جبال متوسطة الارتفاع أماكن اختفاء وتمركز وانطلاق لتنفيذ هجمات أو نصب كمائن لأرتال قوات النظام والمليشيات المساندة التي تعبر هذه البادية التي تعادل نحو نصف مساحة سورية، أي أكثر من 80 ألف كيلو متر مربع، وموزعة إداريا بين محافظات الرقة ودير الزور وحماة وحمص وريف دمشق، والسويداء في جنوب سورية.
في السياق، أشار مدير مركز “الشرق نيوز” فراس علاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ تنظيم “داعش” في سورية “لم ينته بعد، على الرغم من إعلان أطراف عدة أنه لم يعد له وجود حقيقي في البلاد”. وأوضح “غيّر التنظيم استراتيجية القتال من حرب صدامية إلى حرب عصابات وخلايا نائمة، وقد دعا زعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي قبيل مقتله، إلى ما يسمّى الولايات الأمنية”. وأشار علاوي إلى أنّ التنظيم “لا يزال يحتفظ بفاعلية حقيقية على جانبي الحدود السورية العراقية”، مضيفاً: “هناك طرق إمداد تربط العراق مع سورية لا تزال تحت سيطرة داعش، وخصوصاً ما بين غربي العراق والبادية السورية”.
ورأى علاوي أنّ “هناك منفعة للإيرانيين من نشاط تنظيم داعش في منطقة سيطرة قوات قسد في شرقي نهر الفرات، لإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار”، مضيفاً: “وفي المقابل، هناك منفعة للتحالف الدولي من عودة نشاط التنظيم في البادية السورية لخلق حالة من الخوف وعدم ترسيخ السيطرة الروسية والإيرانية على المنطقة”. وأعرب علاوي عن اعتقاده بأن “من الصعوبة بمكان، القضاء على خلايا تنظيم داعش في البادية”، مشيراً إلى أن “الأمر ربما يحتاج إلى سنوات”. وأوضح: “لدينا بادية واسعة ومفتوحة من الصعب السيطرة عليها بالطيران والأسلحة الثقيلة”. ولفت إلى أنّ “خلايا داعش تملك أسلحة خفيفة ومتوسطة”، مشيراً إلى أنّ التنظيم قبيل انسحابه من عمق الجغرافيا السورية وخصوصاً من شرق سورية، “جهّز مستودعات أسلحة في البادية، وخطوط إمداد بين سورية والعراق، وهي ما تساعده على الحركة والنشاط”.
ورأى علاوي أنّ “قطع الطرق، والسيطرة على مستودعات أسلحة لقوات النظام، والسطو على القوافل التجارية كما شهدنا منذ أيام من خلال قتل واختطاف عناصر من مليشيا القاطرجي التي تنقل النفط والحبوب من مناطق قسد إلى مناطق النظام، من وسائل إنعاش التنظيم، وربما نشهد عمليات أوسع نطاقاً في الأيام المقبلة، غايتها ابتزاز هذه المليشيا لتمويل التنظيم مادياً”.
المصدر: العربي الجديد