تحافظ قوات سوريا الديموقراطية “قسد” على تدفق غير منتظم للنفط المتجه نحو مناطق سيطرة النظام عبر الممرات البرية والنهرية المنتشرة بكثرة على طول خط التماس الممتد بين الجانبين شمال وشمال شرقي سوريا، وبهذه الطريقة تحقق عدداً من المكاسب، أهمها، تحاشي الغضب الأميركي الذي يأمرها بوقف الإمدادات للنظام، وأيضاَ يمكنها ذلك من رفع سعر (الفيول الخام/الديزل) في فترات الطلب المتزايد والتي تتركز عموماً في فصل الشتاء. أهداف أخرى تحققها “قسد” من خلال سياسة التوريد المفترضة باعتبارها ورقة ضغط تستخدمها ضد النظام لضمان التدفق العكسي للبضائع والسلع التي تحتاجها في مناطق سيطرتها.
الإمداد المحدود يزعج المليشيات
تبدو السياسة التي تتبعها “قسد” في قطاع الإمدادات النفطية مزعجة للغاية بالنسبة للنظام، وبشكل أكبر للمليشيات الإيرانية التي تحوز على حصة كبيرة من عمليات التهريب بحكم سيطرتها على خطوط تماس طويلة مع “قسد”، وتجني من خلالها أموالاً ضخمة تسخرها عادة لدعم عناصرها (رواتب وإطعام ومصروفات تنقل وانتشار)، كما يؤثر التدفق غير المنتظم على “مجموعة القاطرجي الدولية”، لمالكها عضو برلمان الأسد، حسام قاطرجي وإخوته، وهي الممثل الرسمي للنظام في نقل النفط القادم من مناطق شرقي الفرات.
كميات النفط الخام والمشتقات القادمة من مناطق “قسد”، لا تغطي حاجة مناطق النظام في مثل هذا الوقت من العام، فندرة المشتقات وزيادة الطلب عليها لاستخدامها في التدفئة والمولدات الكهربائية، واحتكارها من قبل التجار المحسوبين على المليشيات، زادت من حدة أزمة الوقود، ووصلت أسعار البنزين والديزل إلى أرقام قياسية (ديزل 2500 ليرة سورية لليتر الواحد/بنزين 3000 ليرة سورية لليتر الواحد).
أزمة الوقود يقابلها حتماً ازدهار كبير في قطاع التهريب، وبدل أن تجني المليشيات الإيرانية عشرات الآلاف من الدولارات شهرياً، في إمكانها أن تجني الملايين إذا ما كان في إمكانها الحفاظ على تدفق أكثر انتظاماً للمحروقات والفيول، وبكميات أكبر.
وفي هذا الاتجاه يمكن إدراج القصف الذي تعرض له سوق المحروقات التابع للمعارضة في بريف حلب الشرقي ليل الجمعة الفائت، في إطار الرسائل الغاضبة التي يريد النظام والمليشيات إرسالها لقسد، فالمنطقة باتت تشكل منافساً حقيقياً من ناحية الاستجرار الكبير للنفط والمشتقات بعد أن شهدت توسعاً أكبر في محطات التكرير، والذي قابله استهلاك متزايد لهذا النوع الرخيص من المحروقات مقارنة بالمحروقات المستوردة عبر تركيا.
سوق المحروقات في جرابلس
تعرض سوق المحروقات القريب من قرية الكوسا جنوبي جرابلس بريف حلب الشمالي الشرقي لـقصف مجهول ليلة 23/24 تشرين الأول/أكتوبر، وتسبب القصف باشتعال النيران في السوق المكتظ بالشاحنات والصهاريج التي تنقل النفط والمحروقات من مناطق سيطرة “قسد” شرقي الفرات إلى مناطق سيطرة المعارضة.
وقال مدير المكتب الإعلامي في الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء”، إبراهيم أبو الليث، لموقع “تلفزيون سوريا”، إن “القصف تسبب بمقتل شخص واحد وأصيب ستة آخرون، وتسببت الانفجارات باحتراق 16 صهريجاً بشكل كامل، وتضرر أربعة صهاريج أخرى” وأوضح أبو الليث، أنهم لم يحددوا الجهة المسؤولة عن القصف بسبب تعذر ذلك.
الناشط الإعلامي، جلال تلاوي، قال لموقع “تلفزيون سوريا”، إن “الناشطين والإعلاميين في مناطق سيطرة الجيش الوطني، رجحوا بأن يكون مصدر القصف قاعدة حميميم الروسية قرب اللاذقية عبر صواريخ أرض أرض متوسطة المدى، واعتمدوا في روايتهم على عدد من التعميمات التي نشرتها مراصد محلية معارضة في إدلب، أكدت انطلاق عدد من الصواريخ نحو الشمال والشمال الشرقي من سوريا مروراً من منطقة إدلب”.
وأضاف تلاوي، أن هناك رواية أخرى تقول “إن القصف تزامن مع وجود طائرات حربية في سماء المنطقة، وهي تشير إلى أن القصف قد يكون مصدره جوي ولم يتم التأكد من تبعية الطائرات”.
وتم تداول رواية أقل رواجاً في أوساط المعارضة تحدثت عن أن قواعد المليشيات الإيرانية في منطقة جبل عزان ومعامل الدفاع جنوبي حلب هي مصدر انطلاق الصواريخ التي استهدفت سوق المحروقات في المنطقة القريبة من معبر (الحمران/أم جلود) في المنطقة الواقعة بين مدينتي الباب وجرابلس بريف حلب.
الناشط الإعلامي أبو العلاء الحلبي قال لموقع “تلفزيون سوريا” إن مصدر القصف هو النظام والمليشيات الإيرانية، وتبدو هذه الرواية أقرب للواقع، فالصواريخ التي أطلقتها القواعد الروسية في منطقة الساحل استهدفت غالباً مواقع “تنظيم الدولة” في باديتي حماة والرقة وهما اللتان تشهدان معارك عنيفة منذ بداية الأسبوع الحالي”.
الآثار المتوقعة
تعتبر تجارة النفط (الفيول الخام/المشتقات) القطاع الأكثر ربحاً في مناطق المعارضة السورية في ريف حلب ووصولاً إلى إدلب، وتشكل مصدر دخل مهم للعديد من الفصائل التي تعوض من خلالها نقص التمويل، وتلعب التجارة المفترضة وما يلحقها من صناعات تحويلية بدائية دوراً مهماً في تنشيط الاقتصاد المحلي، أي تؤثر بشكل مباشر على مختلف القطاعات، كقطاع نقل المحروقات والتكرير وتجارة التجزئة ويعمل في هذا القطاع عدد كبير من الأشخاص.
وبشكل أكثر اتساعاً تؤثر وفرة المحروقات على قطاع المواصلات والزراعة والمشاغل والورش الصناعية الصغيرة ويعمل في هذه القطاعات أعداد أكبر، ولعل المتضرر الأكبر من توقف تدفق المحروقات وارتفاع أسعارها هم عموم الناس في مناطق المعارضة، هنا يوجد قرابة 5 مليون سوري بحاجة للتدفئة في فصل الشتاء الذي بات على الأبواب، والمحروقات الرخيصة هي الحل الأنسب.
الناشط الإعلامي في مدينة الباب بريف حلب، عمار نصار، أكد بأن “الجهات المستفيدة من قصف سوق المحروقات في ريف حلب معروفة، فالنظام والمليشيات الإيرانية لا تريد أن تتواصل عمليات نقل المحروقات الى المنطقة، وقد نشهد تكراراً للقصف على المنطقة خلال الفترة القادمة، النظام وحلفاؤه يريدون كامل الكميات، أي الاستئثار بهذه التجارة”.
وأوضح نصار في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، أن “انعكاسات قصف السوق ستكون كارثية على المنطقة وسترتفع مختلف أنواع المشتقات وبالأخص الديزل المستخدم في التدفئة”.
تجويع مناطق المعارضة
تستمر أزمة المعيشة في مناطق سيطرة النظام، ويبدو أن الوقود بأنواعه وهو مصدر الطاقة المشغلة لمختلف القطاعات يحوز على الحصة الأكبر من الأزمة المفترضة، يلي ذلك أزمات الخبز والغلاء وتعثر قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها من الأنشطة الحيوية التي سخرها النظام خدمة لمليشياته في المقام الأول، وفي الوقت الذي تعاني فيه مناطق النظام من مجموعة الأزمات كانت مناطق المعارضة تنعم بشيء من الاستقرار النسبي، على الأقل من ناحية التدفق المقبول للمحروقات من مناطق “قسد” واستمرار دخول المحروقات القادمة من تركيا، وهذا ما أثر بشكل إيجابي على النواحي الخدمية ومختلف قطاعات الاقتصاد المحلي المحدود أصلاً.
وزير المالية والاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، الدكتور عبد الحكيم المصري، قال لموقع “تلفزيون سوريا” إن “قسد بدأت بتقليل كميات النفط الذي يعبر من مناطقها نحو مناطق النظام بأمر من داعميها شرقي الفرات، ويبدو القصف على سوق المحروقات في المناطق المحررة رسالة احتجاج غير مباشرة، مفادها، لا نقبل باستمرار تدفق المحروقات إلى مناطق المعارضة في حين يتم تخفيض الكميات الواردة لنا”.
وأضاف المصري “يبدو الاستقرار في مناطق المعارضة شمال غربي سوريا مزعجاً جداً للنظام لذلك فهو مستعد لفعل أي شيء لإفقار المنطقة وتجويع سكانها كما يفعل بالسوريين في مناطق سيطرته، وقصف المواقع الحيوية جزء من هذه السياسة”.
وأضاف المصري، أن “النظام يحقق هدفاً كبيراً من خلال إغلاق معبر المحروقات بين قسد والمعارضة، وخلق أزمات مشابهة لتلك التي تجتاح مناطق سيطرته، فأزمات المواصلات والنقل وغلاء أسعار لها علاقة مباشرة بارتفاع وندرة المحروقات في السوق الحكومية والسوداء على حد سواء.. قصف سوق المحروقات وارتفاع أسعار هذه المواد سيؤثر حتماً على مختلف القطاعات التي لها علاقة مباشرة بحياة الناس المعيشية”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا