يعود ملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، إلى الواجهة من جديد، في محاولةٍ لإعادة تعويم نظام بشار الأسد، وتمهيد الطريق أمام فتح ملف الإعمار. وتبرز في هذا السياق مساعي عقد مؤتمر دولي حول اللاجئين، لم تصدر أي مواقف علنية مرحبة به حتى اليوم، مع حديث وسائل إعلام روسية عن توافق بين الدول الضامنة في مسار أستانة (روسيا وتركيا وإيران) على عقده الشهر المقبل، وكشف مصادر من النظام أنه بدأ بتوجيه الدعوات له، والتشديد على أن الدعوة له سورية وليست روسية، في مقابل تحفّظ “الائتلاف الوطني لقوى الثورة” على الدعوة، معبراً عن عدم إيمانه بإيجابية نتائجها، وكذلك عن عدم الثقة بآليات تنفيذ عودة اللاجئين.
وقالت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا أمس الجمعة، إن “السلطات السورية ستعقد مؤتمراً دولياً للترويج لعودة اللاجئين، تشارك في تنظيمه روسيا، في دمشق في 11 و12 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل”، آملة “أن يساهم المجتمع الدولي في حل هذه القضية الإنسانية”. من جهتها، نقلت وكالة “فان” الروسية عن أحد المشاركين في تنظيم المؤتمر حول عودة اللاجئين السوريين والمزمع تنظيمه في 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل أن هناك توافقاً بين الدول الضامنة في أستانة (روسيا وتركيا وإيران) على أهمية عقده في الموعد المحدد، لافتاً إلى أن عقد المؤتمر جاء بمبادرة روسية حظيت بموافقة أنقرة وطهران منذ منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، وأن الأطراف الثلاثة تواصل بحث الموضوع بشكل مكثف للخروج بأفضل النتائج.
من جهته، قال مصدر مطلع على تفاصيل التحضيرات لـ”العربي الجديد”، إن “موسكو تطمح إلى مشاركة ممثلين عن الأمم المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي في المؤتمر المكرس للبحث في مصير السوريين الذين أجبروا على الهرب من البلد إلى تركيا وأوروبا”، موضحاً أن “المهمة الأساسية هي إطلاع الشركاء الأوروبيين بشكل كافٍ وكامل على الوضع الحقيقي في سورية والجهود التي تبذلها السلطات السورية لضمان حياة طبيعية لجميع اللاجئين العائدين”. وزاد أن “موسكو تأمل في أن يشكل المؤتمر دفعة من أجل إعادة إعمار ما دمرته الحرب في سورية منذ 2011”.
في السياق، أكد مصدر مقرب من الخارجية الروسية لـ”العربي الجديد” أن “الإعداد لعقد المؤتمر نوقش أثناء زيارة المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، إلى طهران ولقائه مع مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية علي أصغر حاجي، يوم الأربعاء الماضي، كما بحثه نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف مع نظيره التركي سيدات أونال، الخميس في موسكو”. وأضاف أن “تركيا تقع عليها أعباء كبيرة في موضوع اللاجئين مع استقبالها أكثر من 3.5 ملايين سوري على أراضيها”، معرباً عن ثقته بأن “تركيا ستتعاون بشكل جيد لإنجاح المبادرة الروسية المفيدة للأطراف الإقليمية ولضمان الاستقرار في سورية”.
ومن المنتظر، بحسب المصادر الروسية، أن يكون التحضير للمؤتمر على أجندة اللقاءات المقبلة للمبعوث الدولي غير بيدرسن مع مسؤولي النظام السوري نهاية الأسبوع الحالي في دمشق، إضافة إلى الدفع بمسار اللجنة الدستورية.
وبحسب أكثر من مصدر، من الممكن عقد المؤتمر في قصر المؤتمرات في دمشق، نظراً لأهمية المكان ولبعث رسالة بأن الحياة عادت لطبيعتها في سورية والأمور مؤهلة لعودة اللاجئين، وإضافة إلى محاولة التأكيد أن الملف إنساني ودبلوماسي بمشاركة النظام وليس عبر الروس.
واللافت أنه منذ منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، عاودت وزارة الدفاع الروسية نشر بيانات يومية عن عودة اللاجئين والنازحين إلى قراهم وبلداتهم بعد انقطاع لأشهر، مع التركيز على الجهود الإنسانية الروسية. والخميس الماضي ذكرت وزارة الدفاع أن 520 سورياً عادوا من لبنان في 24 ساعة. ومع توقفها عن نشر أخبار “المصالحات”، ذكرت الوزارة في تقريرها الإخباري أنها أوصلت 1320 سلة غذائية في مناطق في ريف دمشق وحمص وتدمر، كما ذكرت أن الخبراء الروس قاموا بتطهير بعض الأراضي من الألغام في مدينة دوما بريف دمشق ومدينتي جاسم والحارة بريف درعا على مساحة 1.7 هكتار وأن الخبراء اكتشفوا ودمروا 18 عبوة ناسفة.
وتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى وصول عدد اللاجئين السوريين إلى أكثر من 6.5 ملايين لاجئ حول العالم، فيما يساوي عدد النازحين داخلياً هذا الرقم، ما يعني أن نصف السوريين باتوا بعيدين عن منازلهم منذ بداية الحراك عام 2011.
في المقابل، عقد منسقو الدوائر والمكاتب واللجان في “الائتلاف الوطني” يوم الإثنين الماضي اجتماعهم الدوري، الذي حضره نائب الرئيس عقاب يحيى، وركّزوا خلاله على مؤتمر عودة اللاجئين وإعادة الإعمار. وخلال الاجتماع، لفت يحيى إلى أن “الائتلاف الوطني حدّد موقفه سابقاً من تلك المسائل، وشدّد على ضرورة توفير الشروط اللازمة لعودة اللاجئين، وأهمها توفر العامل الأمني”، لافتاً إلى أن “المنظمات الحقوقية المحلية والدولية وثّقت قيام النظام باعتقال القسم الأكبر ممن عاد إلى البلاد، على الرغم من نسبتهم الضئيلة”، بحسب ما نقل الموقع الرسمي لـ”الائتلاف”.
وأشار يحيى إلى أن “الأزمات الكبرى في سورية على الصعد الأمنية والسياسية والإنسانية لا يمكن لروسيا إنكارها، كما لا يمكنها الاستمرار في محاولات فرض أجندتها على الشعب السوري، ومنها محاولة إرغام اللاجئين على العودة القسرية إلى قبضة النظام”، موضحاً أن “الائتلاف الوطني وضع خطة للتحرك لمواجهة هذا الملف، والذي تحاول روسيا أن تربطه بملف إعادة الإعمار، والذي أيضاً يقترن بمجموعة شروط غير متوفرة حتى الآن، وأساسها الشروع بالعملية السياسية لتطبيق كامل القرار 2254”. وشدّد كذلك على أن حلّ الملفات التي يناقشها المؤتمر الروسي، توضحها القرارات الدولية الخاصة بالشأن السوري، وفي مقدمتها بيان جنيف والقرار 2254، مشيراً إلى أن “مواصلة روسيا محاولات الالتفاف على تلك القرارات لا يخدم مصلحة الشعب السوري ولا يعيد الاستقرار إلى سورية والمنطقة”.
وعلم “العربي الجديد” من مصادر في المعارضة السورية أن تجدد الدعوة للمؤتمر جاء بعد زيارة وفد من “جبهة السلام والحرية”، برئاسة أحمد الجربا، رئيس “تيار الغد”، أحد مكونات الجبهة، إلى جانب كل من “المجلس الوطني الكردي” و”المنظمة الآثورية الديمقراطية” و”المجلس العربي في الجزيرة والفرات”، إلى موسكو، والتقوا خلالها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف. وأشار المصدر إلى أن أحد أعضاء “تيار الغد”، طرح مسألة عودة جميع اللاجئين من أبناء ريف حمص الشمالي الموجودين خارج البلاد إلى مدنهم وقراهم في ذلك الريف، بمبادرة مصالحة من وزارة الخارجية الروسية، الأمر الذي دفع وزارة الدفاع لتجديد الدعوة لعقد مؤتمر عام لعودة اللاجئين.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت في بداية مايو/ أيار 2018 عن دعوة لعقد مؤتمر دولي وصفته بالتاريخي للاجئين السوريين، بمشاركة الأمم المتحدة ودول معنية بالأزمة السورية، مشيرةً حينها إلى أن رئيس النظام بشار الأسد تعاطى بإيجابية مع تلك الدعوة، التي لم تنجح في النهاية بعقد المؤتمر.
وتحاول روسيا جاهدةً سحب النظام من عنق الزجاجة، بفعل الأزمات التي يمر بها حالياً نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية بعد توالي حزم العقوبات بموجب “قانون قيصر” الأميركي، إذ إن الحزمة الأولى من عقوبات “قيصر” أشارت صراحة إلى تعمّد النظام إحداث عمليات تغيير ديمغرافي وتهجير المدنيين لتحقيق هذا الهدف. وأوضحت وزارة الخزانة الأميركية حينها أنها استهدفت بالعقوبات شخصيات وكيانات تضطلع بعمليات التغيير الديمغرافي وتهجير المدنيين.
وتدرك روسياً جيداً هذه الناحية، لهذا تحاول سدّ الذرائع الأميركية، على الرغم من أن النظام لا يزال يبدي تحفظات على مسألة عودة النازحين واللاجئين إلى كثير من المناطق، كون الغالبية العظمى منهم من المعارضين له. ويخشى الأسد من تجدد الاحتجاجات عليه في حال عودة اللاجئين، بعدما ارتاح نسبياً من بعض نقاط المواجهة والاحتجاجات، بعد إنجاز الكثير مما عرف باتفاقات المصالحة والتسويات والتي حملت في نهايتها عمليات تهجير كبيرة، سواء في حمص أو حلب أو ريف دمشق أو درعا. ويعتقد الأسد أن لديه الكثير من أوراق الضغط على الغرب والولايات المتحدة بالتحديد، لتحقيق وجهة نظره وتأخير الملفات المطلوب منه إنجازها، لا سيما مع تجدد الحديث عن المفاوضات بشأن الرهائن الأميركيين، الذين يتخذهم الأسد ورقة ضغط على واشنطن.
وحتى عصر أمس، لم تصدر مواقف رسمية من الفاعلين الدوليين حول الحديث عن الدعوة، مع معارضة الكثير من الدول إرسال مندوبيها وممثليها إلى دمشق. كذلك فإن جزءاً واسعاً من أطياف المعارضة السورية لا يزال يرفض عقد أي لقاء أو اجتماع ضمن أي مسار سياسي في دمشق من دون تحقيق انتقال سياسي، وهذا ما كان واضحاً عند رفض فكرة عقد اجتماعات للجنة الدستورية في دمشق بمقترح من موسكو.
ويرى الباحث في الشأن الروسي، باسل حاج جاسم، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “موسكو تريد من هذه الخطوة استكمال خطوات أخرى كثيرة بدأتها منذ تدخلها العسكري المباشر في سورية قبل سنوات، من لقاءات أستانة إلى سوتشي، ومشاركتها في مؤتمر الرياض 2، وانطلاق اللجنة الدستورية، ودائماً كان هناك تأكيد على ضرورة العودة الطوعية للاجئين، لا سيما في بيانات أستانة بتهيئة الظروف لتلك العودة”. وأضاف جاسم أن “عودة اللاجئين تعني أن هناك مرحلة جديدة بدأت، ومن أجل جذب الأطراف الأوروبية للمساهمة في إعادة الإعمار، ولا سيما تلك الدول التي تقلقها قضايا اللجوء، وأيضاً من جهة أننا على أبواب انتخابات رئاسية عام 2021”.
ولفت الخبير في الشأن الروسي إلى أن الدعوة لعودة اللاجئين ليست الأولى من نوعها، لكن الظروف الإقليمية والدولية تغيرت، ومدى نجاحها يعتمد على مدى تعاون الدول الأخرى التي على أراضيها أعداد كبيرة من اللاجئين، وأهداف كل طرف من وراء ذلك.
المصدر: العربي الجديد