ارتفعت أصوات نشاز في الحقبة الأخيرة من تاريخ سورية السياسية بمقولة أن المسيحيين عامة والسريان والأشوريين بشكل خاص لا علاقة لهم بالعروبة، وهذا مخالف لمنطق التاريخ الديني والوضعي والحراك السياسي القومي في سورية…فالعرب هم ليسوا المسلمين فقط كما يعتقد البعض ويحلو له أن يعزز هذه النظرية ويكرس مفهوماً غريباً في إذهان الآخرين، وهنا مكمن الخطورة والتعدي على التاريخ، علماً أن هناك عرب مسلمين وعرب مسيحيين وعرب يهود أيضاً…وحتى نثبت حقيقة مقولتنا دعونا نستعرض التاريخ في منطقتنا لنتعرف على الحقيقة دون لبس أو إنحياز.
دخلت المسيحية الى مناطق العرب التاريخية قي شبه الجزيرة حوالي القرن الثاني الميلادي وبحسب العديد من المؤرخين القدماء العرب أمثال الطبري وابي الفدا والمقريزي وابن خلدون والمسعودي أن بضعاُ من تلاميذ السيد المسيح هم من نشروا في اصقاع الجزيرة العربية الدين المسيحي، وتقوت العربية المسيحية فيها بعد تنصر قبائل كثيرة وكبيرة كليا أو جزئيا أمثال تغلب وطي وكلاب وقضاعة وتنوخ فضلا عن المناذرة مؤسسي الدولة والمملكة العربية جنوب العراق وديانتها المسيحية والغساسنة مؤسسي المملكة العربية في الأردن وجنوب سورية سيما بلاد حوران وديانتها المسيحية وعدد لا يحصى من القبائل الصغيرة التي لا مجال لذكرها هنا.
وعقب ظهور الإسلام في القرن السابع تعاون أغلب المسيحيون المشرقيون من عرب وغيرهم مع الفاتحين العرب أولاد عمومتهم وتمازجوا مع الثقافة الجديدة فضلا عن اعتناق قسم منهم الديانة الجديده وهذا التعاون وتطابق الافكار القيمة ما حفظ جميع الكنائس والاديرة لحركة ممارسة الشعائر الدينيه الى اليوم.
هذا ومن الجدير بالذكر وأساس الايضاح أن سكان سورية من أوائل الشعوب التي اعتنقت الديانة المسيحية حيث اعتنق الآراميون{ السوريون القدماء} الديانة المسيحية حيث كانت الآرامية هي لغة السيد المسيح، وكما اسلفنا فقد اعتنقت بعض القبايل العربية التي موطنها سورية الديانة المسيحية مثل الغساسنة في الاردن جنوب سورية وبني تغلب في حلب ومنطقة الجزيرة الفراتيه…حيث تحول القسم الاكبر منهم إلى الإسلام في قرون متاخرة القرن الثاني عشر والثالث عشر الميلادي في حين بقي الكثير منهم على ديانته ولغته الآرامية التي تحولت إلى السريانيه لتميزهم عن غير المؤمنين برسالة المسيح وكذلك جرت الأمور في جنوب سورية بحوران وفي الأردن.
وإذا ما دققنا في الجغرافية نجد أن عدد المدن السورية الكبيرة التاريخيه والمدن متوسطة الحجم في العصور المسيحية الاولى هي موطن للكنائس ومقار ومراكز مقدسة للحج، حيث تعد سورية منطلق لعدد من الطوائف المسيحية والكنائس الشرقيه وموطن لكثير من رجال الدين والرسل والقديسين والرهبان ويوجد على امتداد الارض السورية في المدن والبلدات واعالي الجبال العشرات من الاديرة والمئات من الكنائس والمقدسات الهامة في التاريخ المسيحي والحضارة الانسانية يديرها رهبان وقساوسة أغلبهم ذوي أصول عربية ينتموا إلى قبائل عربيه بعينها.
وإذا تحدثنا عن القرن العشرين الفائت ففي مطلعه كان العرب المسيحيون في سورية يشكلون نحو33% من تعداد السكان موزعين بين دمشق وحمص واللاذقيه والجزيرة الفراتيه وحماه وحلب وإدلب حيث لعبوا دورا ثقافيا هاما واغنوا الفكر العربي عموما ونشطوا في العمل السياسي والنضال ضد الانتداب الفرنسي ولعل من اهم مفكريهم القوميين العرب هم ميشيل عفلق والياس مرقص وانطوان سعادة الذي دعا الى القوميه السورية التي تضم وفقا لرؤيته 90% من البلاد العربية…وفارس الخوري السياسي المخضرم الذي مثل الراسماليه السورية المعتدلة والموازنه بين الرابط القومي العربي وبين الرابط الوطني السوري وشكل عدة حكومات برئاسة هاشم الاتاسي وشكري القوتلي، ومع كل ما تقدم هناك من يصر على فصل نفسه عن العروبة كما لو أنها تهمة، في وقت باتت فيه أغلب الهويات في العالم في وقت ما بعد القومية هي هويات ثقافية وحضارية وليست مجرد هويات قومية ضيقة، ففي أكثر من دولة من دول العالم نلاحظ تعدد لقوميات مختلفة باتت اليوم تحمل هوية البلد الثقافية والحضارية ولدينا أمثلة متعددة ومختلفة .
المصدر: سوريتنا