مع نهاية أيلول/سبتمبر تنتهي السنة الخامسة لانخراط روسيا العسكري في المقتلة السورية، دون أن يلوح في الأفق ما يشير إلى نهاية قريبة لهذه المأساة. وكان لافتاً النص، الذي نشرته كبرى الأسبوعيات الروسية “AiF” في هذه المناسبة بعنوان “النصر أُحرز، لكن الحرب مستمرة”، قالت فيه، بأن بلاغات وزارة الدفاع الروسية من سوريا، ومنذ أشهر، لا تتميز بالتنوع، بل لا تحمل سوى الوصف المضجر لأطنان المساعدات الإنسانية، التي يتم توزيعها على السكان. فالعملية الروسية في سوريا تحولت، على صعيد الأنباء، إلى شأن إعتيادي، حتى أنه ليس الجميع تذكر أنها قد بدأت منذ خمس سنوات تماماُ، في 30 ايلول /سبتمبر العام 2015.
صحيفة “النجم الأحمر”، الناطقة باسم الجيش الروسي، نشرت، بهذه المناسبة، مقابلة مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قال فيها، بأن “الإرهابيين” كانوا يريدون إقامة دولة إسلامية في العراق وسوريا، ليبرهنوا أن مثل هذه الفكرة، ليست فقط ممكنة، بل هي في طور التحقق. وفي لحظة من اللحظات، أصبح واضحاً، أن هذه القوة لا تهدد المنطقة فحسب، بل والعالم أجمع، بما فيه روسيا، إذ أن حوالي 3000 مواطن روسي قرروا ربط مصيرهم بمصير “الدولة الإسلامية”. وكان هؤلاء يزمعون العودة إلى روسيا مع خبرتهم القتالية لتنفيذ الأفكار التي تلقنوها: إختطاف الناس وزجهم في العبودية، تنظيم إعدامات جماعية، تفجير المدارس وحرق “الكفار”.
ويمضي شويغو في مرافعته التبريرية للإنخراط الروسي في الحرب على الشعب السوري، فيقول بان السؤال في بداية العملية الروسية، كان يتركز حول استمرار وجود سوريا كدولة. وكان معظم الخبراء يتوقعون تطور الوضع وفق السيناريو الليبي، أي أنهم كانوا يتوقعون، عملياً، إنهيار البلد الموحد، وسقوط الدولة السورية. في ظل هذه الظروف، توجه بشار الأسد إلى القيادة الروسية، بطلب المساعدة العسكرية في الصراع مع الإرهاب الدولي، و”تم اتخاذ القرار بتقديم مثل هذه المساعدة”.
وبعد أن يستفيض شويغو في إيراد الأرقام التقنية المتعلقة بالعملية الروسية، يعترف بأن النقاش حول صحة القرار بالإنخراط في المقتلة السورية لا يزال يدور حتى الساعة، لكنه يسارع إلى التأكيد بأن المهمة في سوريا كانت ضرورية، وبأن القرار، الذي اتخذ بشأنها “كان صحيحاً، إن لم يكن القرار الوحيد الممكن”، برأيه.
صحيفة الكرملين “vz”، من جهتها، قررت الرد على الذين كانوا يتوقعون (في الخارج وداخل روسيا) أن تتحول سوريا أفغانستان ثانية بالنسبة لروسيا. ورأت في مقالة بعنوان “العسكريون الروس في سوريا حلوا المهمات الخمس الرئيسية”، وقالت بأن المهمات، التي كانت تواجه روسيا وقواتها المسلحة في سوريا، كانت أكثر شمولية من الإنتصار على مجموعة إرهابية في بلد منفرد. وقالت بأن الكثيرين في الغرب (والبعض في روسيا نفسها) كانوا يتنبأون بأن تصبح العملية في سوريا “أفغانستان ثانية”، حيث سيحترق الناس وستحترق الأموال، إلى أن يحل الوقت، الذي تصبح معه التكاليف أكبر من أيه حدود معقولة، ويعود الجيش الروسي من سوريا مكللاً بالعار. هذا “العار” كانت تعد به صعوبة المهمات، التي كانت تواجه القوات المسلحة الروسية، وكثرة الراغبين في وضع العصي في عجلات هذه القوات. وعلى الرغم من أنه لم يجر كل شيئ بسهولة، وكانت هناك أخطاء وخسائر، وطرأت أزمات خطرة وتناقضات شديدة مع بشار الأسد، إلا أن مثل هذا العار لم يحدث، بل حدث عكسه، وعادت روسيا بالنصر، إذ حلت جميع المهمات الرئيسية، التي واجهتها في سوريا، برأي الصحيفة.
وتقول الصحيفة، بأن قيادة “الدولة الإسلامية” أقامت مدرسة للإرهاب الدولي، حيث كانوا يعلمون القتال والتفجير والقتل ونشر الأفكار المتطرفة. وكان قسم من المتخرجين سيعود من حيث أتى، بما في ذلك إلى روسيا وبلدان الإتحاد الأوروبي، لتطبيق ما تعلموه في الواقع، مما كان يهدد بوقوع كارثة عالمية حقيقية، لكن الفصائل الكردية المسلحة من جهة، والقوات الموالية للأسد تولت، بمساعدة القوات الجوية الروسية، تأمين نهاية مخزية “للخلافة”. وتنقل الصحيفة عن مقابلة وزير الدفاع سيرغي شويغو المذكورة أعلاه، قوله بأن المنظمة الإرهابية الدولية “الدولة الإسلامية” قد كفت عن الوجود، وبأن إرهابياً واحداً لم يتسلل إلى روسيا.
وكما سائر المواقع الإعلامية الروسية، التي تحدثت عن السنوية الخامسة للعملية الروسية في سوريا، لا تنسى الصحيفة الإشادة بسوريا كحقل اختبار للسلاح، وتدريب للجيش الروسي. فالعملية في سوريا وفرت الأمرين، وعلى أرفع المستويات التكنولوجية للحرب في القرن الحادي والعشرين. فالقوات الجوية الروسية قبل العملية وفي الوقت الراهن، قوتان مختلفتان على صعيد مختلف المهارات، بدءاً من تخطيط العمليات وانتهاءً بالطلعات القتالية.
وترى الصحيفة أن العملية الروسية لقنت الغرب درساً، بأن حقه كقوي يفرض إرادته، لم يعد موجوداً، وأن الآخرين لن يعدموا إمكانية توفير القوة لردعه. وتعتبر أن نفوذ روسيا في الشرق الأوسط سوف يتعزز أكثر، كلما أمكن تقريب مشروع إعادة توحيد سوريا من النهاية. لكن عملية إعادة التوحيد سوف تكون طويلة، معقدة ومؤلمة، غير أنها قد بدأت، ولم تعد تبدو مهمة غير قابلة للتحقيق.
وتعتبر الصحيفة، أن سوريا كانت قبل ثلاث سنوات، مع مهجريها ونزوح المقاتلين منها، منطقة عدم استقرار، تشبه القرحة غير القابلة للشفاء، بل والمعدية لجميع البلدان المجاورة. لكن عودة معظم الأراضي السورية إلى سلطة دمشق، ونشوء منطقة الأمن الكردية، تمنح الأمل بأن هذا الرعب ليس أبدياً، وأن الأزمة السورية لن تتوسع، وأن الحرب سوف تنتهي يوماً ما، مع أنها كانت تشي من قبل بأنها سوف تتواصل لعقود.
لكن متى تنتهي الحرب السورية بالتحديد، لا أحد يعرف حتى الآن، كما ترى صحيفة الكرملين. وتعتبر أن فضل الجيش الروسي سوف يكون مقرراً، حتى لو لم يحرك أي جندي روسي حتى ذلك الحين إصبعه في سوريا.
صحيفة “NG”، التي تقول بأنها مستقلة، وفي مقالة لهيئة التحرير بالمناسبة بعنوان “لدى موسكو تبقى تحديات في المجال السوري” تقول، بأن عملية روسيا في سنويتها الخامسة خرجت عن إطار الصراع مع الإرهاب. وترى بأن الوضع في سوريا تغير جذرياً خلال خمس سنوات، حيث تمكنت القيادة السورية، بمساعدة الجانب الروسي، ليس فقط من استعادة القسم الأعظم من الأراضي، بل وأن تحصل على تبدل في مواقف منتقديها الإقليميين. لكن تدخل روسيا لم يؤد، مطلقاً، إلى حل جميع مسائل الملف السوري، إذ وعلى الرغم من تسليم منتقدي الأسد ببقائه في الرئاسة، إلا أن مشكلة إنتقال السلطة في سوريا، تبقى كما في السابق، إحدى العقبات البارزة، ليس فقط في طريق الإصلاحات السياسية، بل وفي سبيل الحصول على المساعدات الدولية الضرورية لإعادة إعمار البلاد.
وترى الصحيفة، أنه على الرغم من أن جميع اللاعبين الدوليين متفقون على ضرورة تنظيف سوريا من القوى الأجنبية في المستقبل، إلا أن المستوى الرفيع لأممية الصراع، يقول بأن معالم مناطق النفوذ، ستبقى على حالها، على الأرجح، ومن المستبعد أن يكون بوسع الأسد إستعادة مستوى السيطرة على البلاد الذي كان له قبل الحرب.
المصدر: المدن