يزيد على كل آلامنا نحن السوريين اليوم رحيل رجل من كبارنا. رحل رياض نجيب الريس، باسمه الثلاثي الشاهد على مائة عام من التاريخ السوري من حلم كيان لمع نجمه مع تحرير سوريا، وتأسيس الحكومة العربية الاولى 1920 الى الكارثة التي اوقعنا بها نظام الاسد الاب وأكملها خليفته بشار، والتي تهدد اليوم سوريا وشعبها بما هو اسوأ مما جرى كله.
كان نجيب الريس الصحافي والسياسي الوالد فاعلاً وشاهداً لوقت، ثم ورث رياض الدور، وفي الحالتين، كانا صوت السوريين ومثالين لحضورهم في المشهد وتحولاته.
اذكر والذكريات مع رحيله، تصير اشد الماً، انه ما من مرة التقيت رياض الريس، الا وكانت سوريا الحاضر الاهم في اللقاءات، بل كانت بدايتها ونهايتها، وبينهما كان الحديث في الشؤون الاخرى كلها.
عندما لمعت في سوريا فكرة حرية الاعلام، واصدار صحف اهلية ابان ربيع دمشق بعد العام 2000، فاجأنا رياض بطبعة بوستر لجريدة القبس التي كان يرغب في اعادة اصدارها في دمشق، وعندما انطلقت ثورة السوريين عام 2011، تفتح ذهنه عن كثير من مشاريع، تخدم هبة السوريين وحلمهم من اجل حياة وبلد افضل، وقبل الحالتين وبعدهما لم يكن بعيداً عن الاهتمام بالعمق السوري، كما في مثال المجلدات المهمة، التي اصدرها عن نجيب الريس الذي ما كان والده فقط، بل كان معلماً من تاريخ كتب فيه الرجل، ماردده السوريون على مدار عقود، ويرددونه في مواجهة العسف والاضطهاد قائلين: ياظلام السجن خيم اننا نهوى الظلاما، ليسَ بعدَ الليل إلا فجـرُ مجـدٍ يتَسَامى.
لعلى اقول أكثر عن السورية العميقة عند رياض الريس على نحو ما جسدته تجربته الفذة ناشراً صحفياً لجريدة المنار في لندن عام 1977، التي كانت اول جريدة عربية، تصدر في اوروبا، وقد الحقها بتجربتين مميزتين في الصحافة: الناقد والنقاد الخارجتين عن مسار الاعلام العربي السائد محملتين بقيم حرية الفكر والقول.
كان رياض وكما يقول الصديق العزيز د.فواز طرابلسي يعرف نفسه بالقول انه صحافي يتعاطى النشر، وفي تجربة نشره في مجال الاعلام وفي مجال الكتب، كان السوريون والهم السوري حاضرين بكل قوة، كثير من الاسماء السورية وكثير من العناويين المهمة ظهرت في قوائم نشر شركة رياض الريس للكتب والنشر، التي اسسها في لندن سنة 1986، وشكلت معلماً مهماً في تجربة النشر العربية على مدار عقود تالية.
رياض الريس اذ يغادرنا، لايترك لنا كتابته الصحافية، التي اثار كثير منها اسئلة وعواصف عندما كتب، بل يضيف اليها كتباً، تناولت الاحوال العربية على مدار عقود، واضاف اليها ديوانا في الشعر، قبل ان يتركه الى الصحافة التي لاتقبل شراكة عميقة مع اهتمام آخر.
رياض الريس اذا يغادرنا، فان يترك لنا حماسه وضحكاته المجلجلة في مكتبه ببيروت وهو يحادث الاصدقاء والزوار والعاملين معه، وهو سلوك يتكرر في مقر دار نجيب الريس في معارض الكتب التي كان يحضرها وخاصة في دمشق وبيروت معطياً جناح شركة رياض الريس للكتب والنشر ملمحاً، لا يمكن ان يرسمه احد آخر.
رياض الريس سلاماً لروحك لأحبابك ومحبيك. جعلتنا المحنة مقصرين في تقدير ما كنته في حياتك.