ظهر التناقض الروسي المقصود مجدداً بين التصريحات والأفعال، في إعلان المندوب الروسي في الأمم المتحدة، غينادي غاتيلوف، بأن الجولة القادمة من اللجنة الدستورية ستتم قريباً، في حين أكدت مصادر خاصة لتلفزيون سوريا بأن الجولة المرتقبة الشهر القادم لن تُعقد وأن موسكو تعطل مسار اللجنة عبر وفد النظام الذي أضاع الجولة الأخيرة في مناقشة “المبادئ الوطنية”.
وأشارت المصادر إلى الرغبة الروسية في تعطيل مسارات الحل السياسي حالياً، لعدم تمكنها من التملص من المرجعية الصلبة للمفاوضات بهذا الشأن وهو قرار مجلس الأمن 2254 الذي ينص على انتقال سياسي شامل في سوريا تديره “هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية”. ورغم استياء وفد المعارضة في اللجنة الدستورية من فشل الجولة الأخيرة الثالثة للجنة الشهر الفائت، إلا أن غاتيلوف اعتبرها ” ناجحة جداً”.
وكان من المقرر أن تُعقد الجولة القادمة للجنة الدستورية في الخامس من كانون الأول المقبل، إلا أن مصادر قالت لتلفزيون سوريا إنها لن تُعقد لعدم توصل وفدي المعارضة والنظام على جدول أعمال حتى الآن، حيث يستمر النظام بسياسة تضييع الوقت وعدم الجدية في طرح المسائل ذات الأولوية.
وأكد المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون الأسبوع الفائت، أثناء مشاركته في جلسة لمجلس الأمن، على أن المفاوضات الأخيرة للجنة الدستورية، لم تسفر عن اتفاق بشأن جدول أعمال الجولة المقبلة.
وأضاف حينها بيدرسون “كانت هناك اختلافات حقيقية للغاية من حيث الجوهر.. نحن بحاجة إلى جدول أعمال مقترح إذا كنا سنجتمع مرة أخرى”.
وأشار بيدرسون إلى أن “وضع جداول زمنية مفروضة من الخارج من المحتمل أن يعرقل التقدم في وضع الدستور”، وحثّ في الوقت نفسه كلاً من روسيا والولايات المتحدة على تشجيع الحوار بين الأطراف المشاركة في اجتماعات جنيف. وقد يبدو في هذا التصريح إشارة إلى الجهود الروسية لعرقلة مسارات الحل السياسي، حيث كشفت مصادر خاصة لتلفزيون سوريا بأن الروس أبلغوا المعارضة السورية بأنهم لن يتنازلوا عن بقاء بشار الأسد في السلطة، ومستعدون للتفاوض على ما دون ذلك، وهو ما رفضته المعارضة مباشرة بالمطلق.
ولمست المعارضة -بحسب المصادر- تخوفاً روسياً حقيقياً من أن تصل جهود الحل السياسي إلى تطبيق القرار الأممي 2254، وما زالت تسعى لأن يكون مسار اللجنة الدستورية منبثقا عن سوتشي وليس عن مسار جنيف التي تحتضن جولات اللجنة الدستورية. ويهدد القرار 2254 كثيرا من المكاسب السياسية والعسكرية والاقتصادية الروسية في سوريا، في حين ترى موسكو أن حليفها في دمشق “انتصر في المعركة”، مغفلة الأوضاع المأساوية التي يعجز النظام عن توفير أدنى مقومات الحياة للسوريين من المحروقات والخبز.
ويرى مراقبون أن أزمة النفط الموجودة في مناطق سيطرة النظام وما تلاها من أزمة في الخبز نتيجة توقف صادرات القمح الطري، يشير ذلك كله إلى أن الأسد في هذه الفترة يتعرض لأقصى درجات الابتزاز من روسيا وإيران، وتفاقمت الأزمة الاقتصادية بعد زيارة لافروف الأخيرة إلى دمشق.
هذا التخوف يبدو أنه ظهر بشكل جلي في تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عقب محادثات مع نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، بأن “منصة أستانا مهمة لتسوية الأزمة السورية، ولفت إلى أنها صاحبة مبادرة مؤتمر “الحوار الوطني السوري” في مدينة سوتشي، الذي توّج ببيانات أعرب فيها النظام والمعارضة عن التزامهما بتشكيل اللجنة الدستورية وإصلاح دستوري في سوريا.
وأشار لافروف إلى أن مسار أستانا ظهر “للخروج من الطريق المسدود الذي وصلت إليه محاولات الأمم المتحدة لإطلاق حوار بين النظام والمعارضة في جنيف”.
وفي هذا السياق لا يمكن إغفال الزيارة الأخيرة للمبعوث الأميركي الخاص بالملف السوري جيمس جيفري إلى الحسكة ولقائه مع قادة الأحزاب الكردية وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي، وكشف حينها مصدر قيادي من الإدارة الذاتية لموقع تلفزيون سوريا، أن جيفري حثّ الأطراف الكردية المتفاوضة على التوصل لرؤية سياسية موحدة، وأن بلاده تدعم الحل السياسي في سوريا حسب القرار الدولي 2254 وتؤكد على ضرورة التنسيق بين الأكراد والمعارضة السورية لتدعيم وتقوية جبهة المعارضة ضد النظام في سوريا”.
وتجدد واشنطن عبر مسؤوليها تشديدها على أن حملة الضغط على نظام الأسد ستستمر، لإيجاد حل سياسي في البلاد، يعالج الأسباب الجذرية للمأساة السورية، ويغير سلوك نظام الأسد بشكل جذري، وأن الولايات المتحدة لن تقدم أي تمويل لعملية إعادة الإعمار، ولا اعتراف دبلوماسي أو تخفيف للعقوبات، حتى يتم التنفيذ الكامل للعملية السياسية المحددة في القرار “2254”.
تطورات شهر أيلول من زيارة لافروف الغامضة لدمشق وزيادة الضغوطات الأميركية على إيران وزيارة جيفري لقسد والإدارة الذاتية وتفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرة النظام وتماسك وقف إطلاق النار في إدلب؛ كلها تشي بمرحلة قادمة عنوانها ترتيب البيوت الداخلية ومن ثم خلق مسار حل سياسي جدّي وشامل، قد تتبلور ملامحها بشكل كاف قبل بدء الانتخابات الرئاسية العام القادم، والتي تقع خارج إطار القرار 2254، الذي يفرض تسلسلاً زمنياً من اللجنة الدستورية بالموافقة على مشروع دستور ثم استفتاء عام وبعد ذلك بدء انتخابات رئاسية تحت إشراف الأمم المتحدة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا