نداء الى أهلنا المعذبين في الداخل

رأي الملتقى

كلما قلنا إن الأزمات الاقتصادية والمعيشية في سورية بلغت حدودها القصوى، وشارفت حافة الانفجار الشعبي، يتبين أن هناك مزيدًا من الأزمات، وأن هناك حدودًا أقصى مما توقعنا. واكتشفنا أن عدّاد الأزمات لا يتوقف عن الدوران صعودًا. واكتشفنا أن احتمال شعبنا لا حدود له، وطاقة الصبر لديه لا تنفد، دون أن يعلم أحد هل هذه الميزة نعمة، أم نقمة؟ ولماذا لا ينتفض ويثور الشعب الذي يموت يوميًا وفعليًا جوعًا وظمأً وبردًا وحرمانًا وذلًا وقهرًا …؟! وماذا ينتظر لكي يثور …؟

مرت على شعبنا خلال السنوات القليلة الماضية في كل مناطق سكناه، ولجوئه، بما فيها مناطق الداخل الخاضعة للنظام أزمات خانقة وحادة لا تعد ولا تحصى، أزمة كهرباء، وأزمة مياه الشرب، وأزمة غاز، وأزمة وقود، وأزمة انهيار الليرة، وانعدام العناية الطبية في ظل الجائحة العالمية للكورونا، وغياب أو غلاء الأدوية، فضلًا عن ارتفاع أسعار المواد الأساسية باستمرار، من الخبز إلى الخضار واللحوم. وقد أصبح الحصول على معظم هذه المواد أشبه بالخوارق لغالبية شعبنا.

مشاهد طوابير المركبات المصطفة أمام محطات الوقود لكيلومترات عديدة، ومشاهد أصحابها المنتظرين لساعات طويلة قد تتجاوز اليوم واليومين للحصول على ليترات من الوقود، أصبحت مشاهد مذهلة وغرائبية كعجائب الدنيا السبع، تثير دهشة كاميرات الفضائيات العالمية، ونشرات الأخبار، لأنها غير مألوفة حتى في أفقر بلاد الدنيا في زمن الوفرة هذا، ناهيكم عن بلد ينتج النفط والغاز ويصدر اللحوم والحبوب والفواكه.

وإذا كانت تلك المشاهد تثير الدهشة والاستغراب، فإن مشاهد المصطفين أمام الأفران للحصول على ربطة خبز إنما هي مشاهد تثير الشفقة والكآبة، وتنتهك كرامة شعب عزيز أذله الفقر والجوع والخوف بسبب همجية السلطة التي أنشأتها العائلة المتوحشة.

للأسف هناك مزيد من هذه المشاهد الكارثية الفاجعة التي تجاوزت كل حدود المعقول، ولكنها مخفية ومستورة تحت ساتر الحياء والخجل وبقايا الكرامة الجريحة، مثل مشاهد الموت السري بسبب تفشي الكورونا في كل مكان من سورية، وغياب العناية ووسائلها الضرورية. وكذلك مشاهد الحرمان والجوع في تسعين بالمائة من بيوت الناس، بما فيهم الفئات التي كانت ميسورة، وأصبحت مستورة. وهناك تقارير ومعلومات كثيرة عن أسر لا تجد ما تقتات به، ولا يتوفر لها الحد الأدنى من الدخل للبقاء على قيد الحياة.

هذه هي (سورية الأسد) في آخر تجلياتها المأساوية، حيث لا طبقة فقيرة، ولا طبقة وسطى. بل طبقة طفيلية صغيرة من اللصوص والأثرياء والمجرمين، وغالبية عريضة جدًا تحت خط الفقر بدرجات، تعاني نقص التغذية والقهر والموت البطيء لألف سبب وسبب.

ومع ذلك تنقلب المأساة مهزلة، وتثير الغثيان والقرف، إذ يدعو عبيد الأسد إلى تحويل المصطفين أمام محطات الوقود والأفران إلى طوابير من المتظاهرين يجددون ولاءهم لربهم الأعلى، ويرفعون صوره شاكرين حامدين أفضاله عليهم، ويتهمون قانون ترامب – سيزر بالمسؤولية عن تجويعهم وإذلالهم وقتلهم لإحباط صمود ولي نعمتهم على عرش من الجماجم كعرش الخمير الحمر في كمبوديا سابقًا.

سورية تنزلق أكثر فأكثر كشقيقتها الصغرى لبنان إلى قعر (الجحيم) كما اعترف ميشيل عون وهو يكاد يبكي. هذا الخائن الصغير رغم مساوئه ورزاياه الكثيرة، إلا أنه لا يكابر كبشار الأسد، ولا ينكر الواقع الذي بلغه البلدان، بفضل ارتباطهما الفولاذي بمحور إيران – إمبراطورية الشر في العالم وتبعيتهما لوكلائها.

 يا حيف على سورية، سلة غذاء الامبراطورية الرومانية، تعاني الجوع والظمأ والمرض والذل والخوف.

يا حيف على شعب سورية العملاق الخلاق يصل إلى هذا الحد من الانسحاق والعجز، ولا يثور من بقي منه تحت سلطة النظام في دمشق، واللاذقية وطرطوس وحمص وبانياس والحفة وجبلة وحماة وحلب.

أيها السوريون في الداخل وفي مناطق النظام كلها، يا أهلنا الأعزاء، ويا أخوتنا في الوطن، ويا أحباءنا الصابرين على المحن: نحن ننتظر انتفاضتكم وثورتكم على السفاح وزمرته وأعوانه الذين قتلوا أبناءكم بالنار مرة، وبالتعذيب مرة، وبالتجويع مرات ومرات.

أيها السوريون الأبطال يا أحفاد حسن الخراط وصالح العلي وابراهيم هنانو وسلطان باشا الاطرش ثوروا وانتفضوا على زمر اللصوصية والمافيا والخيانة قبل أن تموتوا جوعًا ومرضًا وعطشًا وذلًا.

إن كان لا بد من الموت فمن العجز والجبن والعار أن تموتوا خانعين راضخين صاغرين. موتوا واقفين، وجباهكم مرفوعة، فجدكم أبو ذر الغفاري قالها منذ ألف وأربعمائة سنة: عجبت لمن لا يجد قوت يومه فلا يخرج على الناس شاهرًا سيفه.

أيها السوريون في دمشق، لقد تجرعتم من الذل والهوان على أيدي شبيحة الأسد وعصاباته أضعاف ما ذاقه الذين ثاروا وقاوموا وانتفضوا منذ عام 2011، وها إن الأيام والتجارب تثبت أن استراتيجيتكم قد فشلت، ولم تنجكم من العذابات والآلام والمحن، بل كانت النتيجة أن الذين ثاروا واعتقلوا وتشردوا وتهجروا أصبحوا في المحصلة النهائية أفضل حالًا منكم، وأقل معاناة ومأساوية!

يا أبناء دمشق وحمص وحماة وحلب هل ما زال شيء لم تخسروه …؟ هل بقي لكم أمل في حياة كريمة في ظل الطاغية الحقير …؟

 يا أحفاد بني أمية، ثوروا كما يثور إخوانكم في الجنوب الأشم، في مدينة البويضاء (السويداء سابقًا!)

ثوروا مثلهم دفاعًا عن حق أطفالكم في الحياة، قبل أن تموتوا ويموتوا بالجوع وبالكورونا.

ثورة السويداء – البويضاء المستمرة منذ شهور مرغت أنف الأسد وأنف ميليشياته، وفضحت إفلاسه السياسي والأخلاقي، وأثبتت فعالية الثورة والتمرد المتأصل في المعدن الوطني الأصيل.

أيها السوريون في الداخل تحت سلطة السفاحين واللصوص ثوروا اليوم، ولا تؤجلوا عمل اليوم إلى الغد، فالله عز وجل لا يرضى لكم الهوان، ولا يقبل منكم طاعة المخلوق في معصية الخالق، وهو الذي كرمكم وفضلكم على كثير ممن خلق تكريمًا وتفضيلًا.

كل الشعب السوري في المهاجر ومعسكرات اللجوء ينتظر عودتكم إلى الساحات والميادين والشوارع لترفعوا آذان الثورة والغضب والتمرد، كما تفعل كل الشعوب الحية.

الثورة هي الطريق الوحيد لا من أجل الحرية فقط، بل هي الوسيلة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة!

الثورة حياة.. والخنوع هلاك وهوان، فاختاروا الحياة مع العزة، ولا تختاروا الموت مع الذل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى