في 13 أيلول/سبتمبر، أصدر المرجع الديني الشيعي الأعلى في العراق آية الله العظمى علي السيستاني بياناً دعا فيه الحكومة إلى ضمان قيام انتخابات نزيهة في عام 2021، وتأمين حدود البلاد، وفَرْض سيطرة الدولة على جميع القوات المسلحة، واعتقال الأفراد المشتبه بهم في الفساد، ومحاكمة كافة أعضاء الميليشيات الذين قتلوا المحتجّين ونشطاء المجتمع المدني. وصدر هذا البيان عن طريق الممثلة الخاصة للأمم المتحدة جينين هينيس-بلاسخارت وكرره رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وكذلك رئيسي الجمهورية ومجلس النواب.
واستكمالاً لهذا الإعلان، أمضت حكومة الكاظمي الأشهر القليلة الماضية وهي تبني بهدوء مجموعة قادرةً على تنفيذ هذه الأعمال، بناءً على المفهوم المثبَت بأن تقديم أمثلة على حسن السلوك والمهنية بين القيادة المدنية والعسكرية هو أسرع وسيلة لتسهيل الإصلاحات العاجلة. ويمنح ملخص التغييرات الأخيرة في البنية العسكرية العراقية سبباً للتفاؤل بشأن قدرة بغداد على تحقيق الجزء الأمني من هذه المطالب (سيركز الجزء الثاني من هذا المرصد السياسي على التعيينات الجديدة المتعلقة بالحدود والفساد والقضايا الاقتصادية).
تعيينات القيادة العليا
في الشهر الأول بعد تشكيل حكومة الكاظمي في 6 أيار/مايو، شغلت هذه الحكومة العديد من المناصب الأمنية الرفيعة بتعيينها قادة يتمتعون بقدرات عالية، من بينهم الفريق الركن عثمان الغانمي، الرئيس المتقاعد السابق لأركان الجيش كوزير للداخلية، والفريق الركن (المتقاعد) جمعة سعدون الجبوري كوزير للدفاع، والفريق الركن عبد الوهاب الساعدي كرئيس “جهاز مكافحة الإرهاب”، والفريق الركن عبد الأمير يار الله، الضابط الأعلى رتبة في البلاد، كرئيس جديد لأركان الجيش. ومنذ ذلك الحين، استمرت التغييرات على النحو التالي:
مستشار الأمن الوطني. في 4 تموز/يوليو، حلّ وزير الداخلية السابق قاسم الأعرجي محل زعيم الميليشيا فالح الفياض كمستشار للأمن الوطني. وقد لا يبدو تعيين الأعرجي بمثابة تحسن كبير نظراً إلى عضويته في «منظمة بدر» المتحالفة مع إيران، وبسبب العاميْن اللّذيْن أمضاهما في الحجز الأمريكي بسبب نشاطه القتالي السابق. ومع ذلك، فقد عمل بشكل فعال للغاية مع المسؤولين الأمريكيين كوزير للداخلية وأشار إلى استعداده لمواصلة التعاون. علاوة على ذلك، لم يكن المرشح المفضل لـ «منظمة بدر» لهذا المنصب، لذا أدى تعيينه إلى تفاقم التوترات داخل الكتلة الموالية لإيران.
جهاز الأمن الوطني. في 4 تموز/يوليو أيضاً، حلّ الفريق الركن (المتقاعد) عبد الغني الأسدي – الرئيس السابق لـ “قيادة مكافحة الإرهاب” التابعة لـ”جهاز مكافحة الإرهاب” – محل الفياض كمدير لـ “جهاز الأمن الوطني”. وكونه حرباء سياسية، كان الأسدي أقرب إلى الميليشيات من أي قائد آخر لـ “جهاز مكافحة الارهاب”، لكن العراقيين ينظرون إليه أيضاً على أنه شخص دعم المتظاهرين والتمس التأييد من الزعيم الشيعي مقتدى الصدر. ولم يقتصر تعيينه على عزل فياض فحسب، بل منع «منظمة بدر» أيضاً من السيطرة على “جهاز الأمن الوطني”، الذي أصبح بهدوء أحد أكبر وكالات الاستخبارات في العراق. وسيكون نائبه فلاح يونس العيساوي، مسؤول مخابرات سنّي تم تعيينه في 14 أيلول/سبتمبر.
قيادة العمليات الوطنية. أعاد الكاظمي تنشيط هذا المحور القيادي على المستوى الوطني، والذي لم يتم استخدامه كثيراً في السنوات الأخيرة. وبموجب “الأمر التنفيذي 328” لعام 2019، يمكن لرئيس الوزراء استخدام “قيادة العمليات الوطنية” لتولي السيطرة العملياتية على أي وحدة. وإذا تم تطوير “قيادة العمليات الوطنية”، فقد تسمح للكاظمي بتنسيق إجراءات أمنية معينة في مقرٍّ يقع مباشرةً تحت سيطرته، ويتمتع بدرجة عالية من الأمن العملياتي والسرية العملياتية. وحالياً، يتزعم “قيادة العمليات الوطنية” ضياء الموسوي، مسؤول استخباراتي بارز عمل مع الكاظمي منذ عام 2016.
جهاز المخابرات الوطني العراقي. في 14 أيلول/سبتمبر، عُيِّن وزير الدفاع السابق والسياسي السنّي البارز خالد العبيدي وكيلاً لشؤون العمليات (وبالتالي القائد اليومي الجديد) لـ “جهاز المخابرات الوطني العراقي”، الذي ترأسه الكاظمي قبل أن يصبح رئيساً للوزراء وما زال يتولى زمام قيادته رسمياً.
قيادة الدفاع الجوي العراقي. من الناحية التاريخية شكّلت “قيادة الدفاع الجوي العراقي” معقلاً للنفوذ من جانب موسكو، حيث أدارت مجمعها الخاص الذي يتلقى المشورة الروسية في معسكر التاجي وغالباً ما يزوّد الميليشيات بالتحذير من العمليات الجوية بالقرب من مواقعها. وتم استبدال القائد السابق، الفريق الركن جبار عبيد كاظم، بضابط “جهاز مكافحة الإرهاب” اللواء الركن معن السعدي، أحد أبطال معركة تحرير الموصل الأكثر شهرة. (ومن قبيل الصدفة، جاء العديد من كبار ضباط “جهاز مكافحة الإرهاب” في الأصل من قوات الدفاع الجوي العراقية من الفترة ما قبل عام 2003).
فرقة القوات الخاصة للمنطقة الدولية. في الشهر الماضي، تمّ تعيين اللواء الركن حامد عبد العزيز الزهيري لتشديد حماية المركز الحكومي بعد توغل شاحنات ميليشيا «كتائب حزب الله» في 25 حزيران/يونيو. والزهيري قائد مقاتل خدم في “الفرقة الثانية”، و”الفرقة الثانية عشرة”، و”الفرقة الرابعة عشرة” في الجيش العراقي، كما هو العميد السابق للكلية العسكرية، وسيشرف على المزيد من التحصين للمنطقة وإعداد قوات الرد السريع الجديدة. وفي 3 آب/أغسطس، تمّ حلّ “قوة إنفاذ القانون”، وهي وحدة شرطة شبه عسكرية تم اختراقها من قبل الميليشيات وكان قد تم تفعيلها في تشرين الأول/أكتوبر 2019 لقمع المحتجين حول المنطقة، وأعيد توزيع قواتها على وحدات شرطة أخرى.
وزارة الداخلية. [تم تعيين] حسين عبد الحسين ضايف وكيل جديد لوزير الداخلية للشؤون الإدارية والمالية، وهو سياسي من التيار الصدري وأحد المُعيّنين السياسيين القلائل الذين سُمح بتعيينهم في إعادة توزيع المناصب الأخيرة.
قيادات العمليات العسكرية
منذ أيار/مايو، أُعيد توزيع الأركان في كل مقر مسؤول عن ممارسة السيطرة على العمليات لقوات الأمن العراقية على مستوى المحافظات، ومن بينها:
قيادة عمليات البصرة. نُقل القائد القتالي في الجيش اللواء الركن أكرم صدّام من ديالى للإشراف على كافة قوات الأمن في البصرة. بعد ذلك، قام الكاظمي بزيارته على الفور وخصص “لواء المغاوير الثالث في الجيش العراقي” لدعم عملياته. بالإضافة إلى ذلك، تم تعيين اللواء عباس ناجي آدم كقائد جديد لشرطة محافظة البصرة، ليحل محل قائدها السابق اللواء رشيد فليح.
قيادة عمليات ديالى. يرأس الآن القائد القتالي المخضرم اللواء الركن رعد محمود الجبوري “قيادة عمليات ديالى”. وقد خدم في “الفرقة السابعة” و”الفرقة الرابعة عشرة” في الجيش العراقي وأصبح مقره مؤخراً في كركوك.
قيادة عمليات الأنبار. تولّى هذه القيادة اللواء الركن حمد نامس الجبوري، قائد الشرطة السابق في صلاح الدين ونينوى.
قيادة عمليات سامراء. سيقود اللواء الركن جبار حاتم الدراجي “قيادة عمليات سامراء” في مناطق بلد وبيجي وتكريت وطوز خورماتو. وقد أكمل مؤخراً قيادة “الفرقة السادسة عشرة” في الجيش العراقي المدربة من قبل التحالف بالقرب من الموصل.
قيادة عمليات نينوى. نُقل اللواء الركن اسماعيل شهاب المحلاوي إلى نينوى بعد عشر سنوات من القيادة القتالية في الأنبار (“الفرقة السابعة” و”قيادة عمليات الأنبار”).
قيادة عمليات غرب نينوى. نُقلت “قيادة عمليات الرافدين” القديمة من جنوب العراق إلى الحدود السورية لتحل محل المقر المحلي لـ «قوّات الحشد الشعبي». وأعيدت تسميتها بـ “قيادة عمليات غرب نينوى”، ويترأسها الآن اللواء الركن جبار نعيمه الطائي، الذي قاد في السابق وحدة قتالية (“الفرقة السابعة عشرة”) بالإضافة إلى مقر قيادة العمليات في بغداد وجنوب العراق.
قيادة عمليات سومر. تحلّ هذه الهيئة الجديدة محل “قيادة عمليات الرافدين” التي تم نقلها إلى الحدود السورية. وهي تغطي مناطق ذي قار وميسان والمثنى، ويقودها اللواء الركن عماد السيلاوي القائد الإداري لـ “الفرقة الخامسة عشرة في الجيش العراقي” المدرّبة من قبل التحالف. ونائبه هو اللواء الركن جواد عباس عبدالله، القائد الأول القدير لـ “فرقة المغاوير التاسعة عشرة” التي تم حلها مؤخراً.
إعادة دمج عناصر الميليشيات
تخلق هذه التغييرات المذكورة أعلاه متنفّساً للدولة لاستعادة سلطتها من الميليشيات المزعزعة للاستقرار المدعومة من إيران. كما تعمل بشكلٍ وثيقٍ مع جهود الإصلاح داخل «قوّات الحشد الشعبي»، والتي سيستمر الفياض في قيادتها إلى أن يشير السيستاني خلاف ذلك.
في الوقت الحالي، تعطي عناصر «قوّات الحشد الشعبي» التي تعتمد على السيستاني لتلقي التوجيهات، انطباعاً متزايداً بحدوث إصلاح كبير في القوة وفي «هيئة الحشد الشعبي» المدنية. وسبق لهذه العناصر أن منعت أبو فدك (المعروف أيضاً باسم عبد الكريم الزيرجاوي) من الحلول محل أبو مهدي المهندس الذي تمّ اغتياله كقائد عمليات «قوّات الحشد الشعبي». ومؤخراً، قام ميثم الزيدي – وهو كبير قادة وحدات الأضرحة (العتبات)، التي انفصلت عن «قوّات الحشد الشعبي» في وقت سابق من هذا العام – بتسريع جدول اجتماعاته مع القادة العسكريين خارج هيكلية «هيئة الحشد الشعبي» (على سبيل المثال، الرئيس الجديد لأركان الجيش الفريق الركن يار الله؛ ونائبه الفريق الركن عبد الأمير الشمري؛ ومدير “جهاز الأمن الوطني” الأسدي).
التداعيات على السياسة الأمريكية
في الوقت الذي تُقلّص فيه الولايات المتحدة قواتها وتُكرّسها لمهمة دعم أكثر “ملاءمةً للغاية التي خُصصت لها” وجعل عددها حوالى 3500 جنديٍّ، تشكّل التحسينات الميكانيكية وعلى صعيد الأفراد، الجارية في هيكل القيادة والسيطرة في العراق علامةً مشجعةً تدلّ على إمكانية حدوث تغيير إيجابي. وأحد العوامل التي تقوم عليها هذه التحسينات هي مواصلة الولايات المتحدة تعاملها مع جيلٍ جديدٍ من الضباط العسكريين والمحترفين المهنيين في مجال الأمن المدرَّبين والمدعومين من قبل الولايات المتحدة؛ لذلك يجب توسيع هذه المشاركة وإضفاء الطابع المؤسسي عليها على المدى الطويل من خلال الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق.
الكاظمي يواصل إعادة توزيع المناصب (الجزء الثاني): حماية المؤسسات الاقتصادية والحدود في العراق
في 14 أيلول/سبتمبر، أعلنت بغداد عن مجموعة من التعيينات القيادية الاستراتيجية للمؤسسات المكلفة بالإشراف على اقتصاد العراق، وحدوده، وجهوده لمكافحة الفساد – وهي قائمة تشمل البنوك وسلطات الجمارك والمطارات والموانئ والمعابر البرية والهيئات البلدية ولجان التحقيق، وأكثر وأكثر. إن النطاق الطموح للتعيينات والطريقة المركزية التي جرت فيها هي دلالة كبيرة على التزام رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بتغيير الوضع الراهن المتآكل في بغداد. والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت حكومته قادرة على الصمود أمام محاولة الصدّ القادمة من العناصر الميليشياوية والسياسية التي تستفيد من الوضع الراهن. فيما يلي ملخص للتعيينات التكنوقراطية الجديدة وتبعاتها؛ انظر الجزء الأول من هذا المرصد السياسي لمناقشة إعادة توزيع المناصب العسكرية الأخيرة التي قام بها الكاظمي.
حماية النظم الوطنية
كان أحد الدوافع الرئيسية وراء الازدياد الذي بدأ ينشأ منذ فترة طويلة في نفوذ الميليشيات والفساد في العراق هو استيلاء الكتل السياسية التي توجه عملية اختيار المسؤولين المهمين وقراراتهم، على الأنظمة الاقتصادية الاستراتيجية. وتهدف التغييرات القيادية التي بدأت منذ قدوم الكاظمي إلى السلطة في أيار/مايو إلى تحرير العديد من هذه الأنظمة وتقليص فرص قيام الجهات الفاعلة السلبية باستغلالها. وكانت الغاية الرسمية من تعيينات 14 أيلول/سبتمبر هي استبدال شاغلي المناصب الذين انتهت ولاياتهم في تموز/يوليو، لكنّ الأهم من ذلك، أنّ الخيارات لم تكن موجهة بالحصص النموذدية المستخدَمة لتَقاسُم المناصب بين الأحزاب.
- البنك المركزي العراقي. تم تعيين مصطفى غالب محافظاً جديداً لـ “البنك المركزي العراقي” بعد أن خدَمَ لفترة طويلة كرئيس لشؤونه القانونية. وبصفته شخصية غير حزبية لها تاريخ في مقاومة الضغوط السياسية، سيتولى الآن زمام المبادرة في تنفيذ الإصلاحات المصرفية وحماية عملية المزايدة بالدولار من تدخل إيران والميليشيات والجهات الفاعلة الفاسدة الأخرى.
- المصرف العراقي للتجارة. سالم الجلبي، الذي كان سابقاً مستشاراً لرئيس الوزراء، هو الرئيس الجديد “للمصرف العراقي للتجارة”. يضع هذا التعيين شخصية مالية وقانونية دولية معروفة في قلب وكالة تحتكر عمليّاً السوق العراقي الذي تبلغ قيمته عدة مليارات من الدولارات لإصدار خطابات الاعتماد.
- الهيئة الوطنية للاستثمار. الرئيسة الجديدة للهيئة سهى داود الياس النجّار هي عالمة اقتصاد ومديرة أصول تلقّت تعليمها في بريطانيا وتتمتع بخبرة واسعة في الأعمال المصرفية وتمويل الشركات.
- مدينة بغداد. منهل الحبوبي هو أمين بغداد الجديد، مما يضعه على رأس الجهاز البلدي المعروف بالأمانة. وسبق أن خطط الكاظمي بأن يتولّى هذا الدور بنفسه، لكن المدينة ستصبح اليوم في يديْ مهندس معماري مشهور عالمياً ومهندس مدني مستقل – وبالتالي خارج أيدي الأحزاب السياسية التي كانت ستستخدمه لرعاية شبكات المحسوبية والفساد قبل الانتخابات الوطنية القادمة.
- هيئة الأوراق المالية. تم تعيين الرئيس السابق “للمصرف العراقي للتجارة” فيصل الهيمص رئيساً لهيئة الأوراق المالية (بورصة بغداد). (كانت التقارير السابقة التي أشارت إلى أنّ حسن حلبوص حمزة الشمري المعيّن سياسيّاً سيحصل على هذا المنصب غير صحيحة).
- هيئة النزاهة. كان القاضي علاء جواد حميد يرأس في الأصل هذه الهيئة حتى عام 2014 وتم تعيينه الآن للإشراف عليها مجدداً. لكن كما يوضح القسم التالي، قد لا يكون هذا المركز مكاناً للمضي قدماً في العمل الحقيقي لمكافحة الفساد.
- نواب وزراء. تم تعيين نواب جدد في الوزارات الاقتصادية الأساسية بما فيها النفط والنقل والكهرباء والزراعة والعمل (نائبان). وتمّ التركيز على ترقية التكنوقراطيين إلى المناصب من داخل كل وزارة.
- اللجنة الفنّيّة العليا لأمن الاتصالات والمعلومات. أعاد الكاظمي إحياء هذا الجهاز في 23 حزيران/يونيو بعد أن توقّف عن أعماله لمدة خمس سنوات. وكان قادة الميليشيات والسياسيون المتحالفون معهم قد تواطؤا لإيقاف نشاطه في عام 2015، مما مهد الطريق أمام شركة يسيطر عليها «حزب الله» اللبناني لتولي زمام الأمور في توفير أمن الشبكة الوطنية في العراق.
مكافحة الفساد بقبضة من حديد
في 27 آب/أغسطس، تم إنشاء لجنة جديدة لردع الفساد برئاسة الفريق المتقاعد أحمد طه هاشم (المعروف أيضاً باسم أبو رغيف)، وهو شخص يتمتع بصرامة أسطورية (وإن كان مثيراً للجدل)، وكان قد ترأس الشؤون الداخلية في وزارة الداخلية خلال فترة عنيفة من من الاقتتال الداخلي بين الفصائل في عاميْ 2004-2005. وتتمتع هذه اللجنة، التي تتألف من قضاة داخليين وممثلين عن “جهاز المخابرات الوطني العراقي” (الذي لا يزال يرأسه الكاظمي رسمياً)، و”جهاز الأمن الوطني”، و”جهاز مكافحة الإرهاب”، بسلطة ضبط الأدلة والقيام باعتقالات. ونُفِّذ أول اعتقال من هذا النوع في بغداد في 15 أيلول/سبتمبر: فقد أُلقي القبض على أحمد الساعدي، المدير السابق لهيئة التقاعد الوطنية.
وفي الفترة القادمة، من المرجح أنّ تركز هذه الخلية على الحالات الاستراتيجية ذات الأهمية الوطنية بتوجيه من رئيس الوزراء. ولتحديد قدرتها على تولّي التحقيقات الشديدة الأثر من النوع الذي دعا إليه آية الله العظمى علي السيستاني في 13 أيلول/سبتمبر، من المرجح أن يستعين الكاظمي بالدعم من مصادر شرعية أخرى – والتي تشمل السيستاني نفسه وكذلك الرئيس العراقي برهم صالح، والمتظاهرين العراقيين، والمجتمع المدني والمنظمات الدولية.
حماية الحدود والمطارات والجمارك
انتقل فريق الكاظمي بهدوء إلى تعزيز سيطرة الحكومة على مصادر الدخل الهامة، وبالتالي تأمين الأموال للحكومة التي تعاني من ضائقة مالية، وفي الوقت نفسه حرمان هذه الأموال من الميليشيات.
- سلطة الطيران المدني العراقي. في 25 حزيران/يونيو، تم تعيين الطيّار المدني المعروف نائل سعد عبد الهادي رئيساً جديداً لـ “سلطة الطيران المدني العراقي”، مما سمح بتقاعد المدير السابق بسلامة بعد أن حذّرته الميليشيات من الاستقالة بموافقته الخاصة. ثم بدأت القيادة الجديدة بعملية منع الشركات التي تسيطر عليها ميليشيا «كتائب حزب الله» المدعومة من إيران من المزايدة على تقديم خدمات أرضية وتوفير الأمن في المطارات.
- ميناء أم قصر. في 16 تموز/يوليو، أُقيل جميع المدراء الأربعة لمراكز جمارك الميناء في الشمال والوسط والجنوب والبصرة بالإضافة إلى نوّابهم. وبعد تعيين البدلاء، نشرت الحكومة قوات الجيش لحماية الميناء والمدراء الجدد، مع تناوب الوحدات كل أسبوعين لتقليص خطر عودة الفساد مجدداً.
- المعابر البرّيّة. في تموز/يوليو، نشرت الحكومة قوات مراقبة جديدة في بعض المعابر الحدودية الأكثر خضوعاً لهيمنة الميليشيات في البلاد – أي المنذرية (على الطريق السريع ديالى – إيران)، والقائم (على الحدود بين الأنبار وسوريا)، والشلامجة (على الطريق التجاري البصرة – إيران). وأُنشئت تحصينات مادية على المعبر الأخير لتوجيه حركة المركبات بشكلٍ أفضل عبر الجمارك، وهي خطوة أولى جيدة نحو تضييق الحدود.
- رقمنة الإيرادات الحدودية. يجري تسريع العقد الذي يرمي إلى رقمنة تحصيل الجمارك والذي تأخّر كثيراً من خلال عملية الشراء التي لا تزال معقدة في العراق.
التداعيات على السياسة الأمريكية
حاولت حكومة الكاظمي تطبيق خطوة تجريبية طموحة وخطيرة عبر إعادة توزيع المناصب الاقتصادية، من خلال تركيز عملية اختيار المرشحين لتولي الأدوار الاستراتيجية دون مساهمة كبيرة من الكتل السياسية. ويخرق ذلك قاعدةً ذهبيةً في السياسة العراقية، وهي مراعاة المحاصصة (نظام الرعاية الحزبية والعرقية الراسخة). وبناءً على ذلك، ستتطلّب التعيينات الأخيرة قيام الكاظمي بالتعامل مع رد فعل قاسي من الطبقة السياسية الغاضبة، لا سيّما “ائتلاف الفتح” المدعوم من إيران.
وفي الأوساط العامة، على واشنطن أن تقر بهذه التعيينات وترحّب بها بهدوء. لكن وراء الكواليس، يمكن للمسؤولين الأمريكيين والشركاء الدوليين الآخرين الإحتفال بها بثقة كإشارة إلى أن فريق الكاظمي يسير على المسار الصحيح وعلى استعداد لخوض (بعض) المجازفات الكبيرة.
بالإضافة إلى ذلك، على واشنطن أن تسعى بشكل عاجل إلى تنمية دعم عراقي صريح للتعيينات من خلال إشراك أهم السياسيين والفصائل بهدوء – وفي المقام الأول رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، الذي غالباً ما يميل في مثل هذه اللحظات نحو الكتلة المدعومة من إيران ويمكن أن يوجّه المجلس التشريعي نحو الموافقة على المسؤولين الجدد. على واشنطن أيضاً إشراك الأحزاب الكردية، وائتلاف “عراقيون” بزعامة عمار الحكيم، وشخصيات بارزة مثل إياد علاوي وحيدر العبادي. وفي غياب التشجيع الأمريكي، قد تميل هذه الجهات الفاعلة إلى انتقاد عملية إعادة توزيع المناصب لتحقيق مصالحها الخاصة الضيقة، لا سيّما إذا شكّت بأنّ بعض التعيينات التكنوقراطية تخدم أجندات حزبية خفيّة. ففي الأشهر الأربعة الماضية، اتّهمت كافة الأطراف تقريباً الفصائل الأخرى بتوجيه مثل هذه التعيينات سرّاً، رغم اتّباع الكاظمي الخيارات الأقل تسييساً المتوافرة أمامه لاختيار العديد من التكنوقراطيين.
ومهما كانت الاتهامات الجديدة التي قد تبرز، لا ينبغي على الولايات المتحدة الانجرار إلى التفاصيل الدقيقة للاقتتال الداخلي العراقي. وبدلاً من ذلك، عليها أن تساند بحزمٍ التعيينات التكنوقراطية التي قام بها الكاظمي، وأن ترحّب بها كخطوة مهمة إلى الأمام. ولا شكّ في أنّ “ائتلاف الفتح” والعناصر الأخرى الخاضعة للتأثير الإيراني ستسرّع من جهودها لإسقاط الحكومة الحاليّة، لذلك يجب على واشنطن أن تشير بوضوح إلى الحلبوسي والقادة الأكراد والسياسيين المعتدلين بأن عليهم ألّا يعززوا هذه الحملة المثيرة للانقسام.
مايكل نايتس هو زميل أقدم في معهد واشنطن، وقد أجرى أبحاثاً مكثفة على أرض الواقع في العراق إلى جانب قوات الأمن والوزارات. أليكس الميدا هو محلل الأمن الرئيسي في شركة استشارية رائدة في مجال المخاطر.
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى