الإمارات العربية المتحدة و(إسرائيل): سقوط القناع… وضوح الدور

أحمد العربي

بداية هل كان يلزمنا هذا الإخراج المسرحي لإعلان اعتراف علني من الامارات بالكيان الصهيوني، من خلال حديث تلفوني بين الرئيس الأمريكي ترامب ونتنياهو ومحمد بن زايد الحاكم الفعلي للإمارات العربية. وكأن الموضوع نكتة تبادلها الاصدقاء الثلاث على الهاتف واحبوا ان يسمعونها للعالم أجمع. وزاد الإخراج ادعاء اسباب موجبة لهذا العمل الذي وجده أصحابه تاريخيّا؛ لقد أشاعت الإمارات أنها أخذت تعهدا من الصهاينة بتجميد ضم أراضي الضفة الغربية الفلسطينية الى دولة (إسرائيل)، وكأن الفلسطينيين لا ينتظرون غير ذلك، ومن سخريات الحالة أن نتنياهو قال ردا على المزاودة الاماراتية، أنهم مازالوا ماضين في الضم للأراضي الفلسطينية الى الدولة الصهيونية. أما البشارة التي اضافها كوشنير صهر ترامب أن المسلمين لم يعد أمامهم مشكلة في الصلاة في القدس ؟!!. فقد أصبح الطريق بين أبو ظبي وتل أبيب مفتوحا، يا فرحة المسلمين في العالم بهذا الفتح الكبير؟!!.

أولا: الإمارات الوجود والدور.

حتى سبعينيات القرن العشرين كانت الإمارات عبارة عن مجموعة مشيخات وإمارات تحكم مناطق ساحلية في الخليج العربي، تحت الاحتلال الإنكليزي الذي امتد لزمن طويل، حيث كانت هامة بالنسبة إلى الإنكليز في طريق تجارتهم الدولية من الهند إلى بريطانيا. وما أن استقلت هذه الإمارات وظهر في بعضها النفط والغاز، واستمر البعض وخاصة امارة دبي في ذات الدور التجاري، ثم اتحدت الإمارات فيما بينها بمسمى الإمارات العربية المتحدة الذي نعرفه الآن. وسرعان ما دخلت الإمارات مع دول الخليج الاخرى في تحالف أوسع سمي مجلس التعاون الخليجي، كان ضروريا أن يظهر لتوحيد إمكانات ومواقف السعودية والكويت والامارات وقطر والبحرين مواقفها من كل المتغيرات في المنطقة وخاصة الصراع العراقي الإيراني ودور دول مجلس التعاون في دعم العراق، ومن ثم الموقف المتغير من العراق ذاتها، وتورط العراق في احتلال الكويت، وتشكل التحالف الدولي بقيادة أمريكا الذي حرر الكويت وحاصر العراق واحتله أخيرا، ثم تركه نهبا للصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية، و ظروف حياتية قاسية. كما حصل انقلاب داخل العائلة الحاكمة في قطر إحدى دول مجلس التعاون، واختلاف الحاكم الجديد مع النهج الخليجي عموما، واطلاقه لقناة الجزيرة التي شكلت نمطا إعلاميا مختلفا، وضع الحالة العربية والعالمية تحت الضوء، وأصبح الإنسان العربي يعرف بعض حقائق أنظمة بلاده وعصره، كان يعيش في ظلمة وظلام الدول الاستبدادية وأجهزتها الأمنية والإعلامية المغلقة على عبادة وتأليه الحكّام . كل ذلك جعل قطر خارج السرب السياسي لدول مجلس التعاون، وبدأ العمل لمواجهة إعلامها ومحاولة إسقاط الحكم فيها وحصارها على كل المستويات.

كان للإمارات وخاصة محمد بن زايد ولي عهدها دور ريادي في هذا الصراع المستمر.

ثانيا: الإمارات والربيع العربي.

كان الربيع العربي الذي بدأ بتونس واسقط زين العابدين بن علي ومعه الحكم الاستبدادي، وكذلك في مصر واسقط مبارك وعهده الاستبدادي المديد، وامتداد الربيع العربي إلى  ليبيا واليمن وسورية، حيث شكّل ذلك خطرا استراتيجيا على دول الاستبداد العربي جميعها، واندفعت الدول العربية والخليجية منها لدعم الانظمة التي ثار شعبها عليها، لكنها لم تستطع منع إسقاطها، لكنها ألزمت نفسها بالعمل لإسقاط هذا الربيع ونتائجه الثورية الوليدة والعمل لعودة دول الاستبداد السابق فيها. لقد نجح المال الخليجي والدعم السياسي في إسقاط الثورة المصرية، وإسقاط الرئيس المنتخب في مصر محمد مرسي وزجه بالسجن وقتله بعد ذلك، وعودة العسكر لحكم مصر في نظام قمعي قهري اسوأ من عهد مبارك، الامارات كانت اكبر الداعمين، وكذلك في ليبيا، لقد صمتوا عن إسقاط القذافي وقتله، لكنهم لم يصمتوا عن الدولة الوليدة، بل دعموا حفتر ومرتزقته وادى لخلق حرب أهلية، يمدونها بالمال والسلاح  لتستمر حربا تبيد أهلنا في ليبيا. للإمارات دور أساسي في ذلك. وكذلك في اليمن الذي وضعت دول الخليج يدها على الثورة فيها وحاولت أن تصنع نظاما هجينا، فشلت في جعله يستمر، وتدخّلت إيران كطرف له مصالحه هناك، ودعمت حرب اخرى يمنية يمنية، دعمت بالمال والعتاد والمرتزقة، وادت لمقتلة دائمة للشعب اليمني، الذي يعيش في الأصل ظروف حياة قاسية جدا. وهنا ايضا كان للإمارات دورا اساسيا. وكذلك في سورية التي كان للصمت الدولي والعربي عن جرائم النظام الاستبدادي وقتله للشعب وتشريده وتدمير البلاد، ومنع سقوط النظام، واعادة تعويمه ودعمه ماديا وعلى كل المستويات، دور مباشر في قتل وتشريد الشعب السوري. وهنا كانت الإمارات سباقة في إعادة شرعنة النظام وتعويمه وامداده بالمال والسلاح.

ثانيا: الإمارات ومشغليها.

لم تكن الانظمة العربية كلها خارج سيطرة الدول الغربية، في مرحلة الاستعمار وقبلها وبعدها، حيث أصبحت هذه الدول تحت مظلة التبعية سواء للغرب الرأسمالي  او الشرق الشيوعي، وبعد ذلك كانت تمثل النظم الوكيلة لمصالح هذا الغرب، الذي أطلق يد الانظمة على شعوبها بالاستبداد والقمع ونهب البلاد ومنع تقدمها وتطورها. كانت سياسة الغرب قائمة على مصالح استراتيجية محددة، وهي استمرار الحصول على ثروات البلاد العربية وخاصة النفط ومشتقاته، ووجود الكيان الصهيوني في فلسطين ودعمه وتقويته وتحويله إلى القوة العظمى في المنطقة، ولأجل ذلك كان هناك حلف مباشر بين أمريكا و الغرب والكيان الصهيوني والانظمة العربية. كان ذلك بالعمق وسري، وتطورت مواقف الدول أول بأول من التقارب العلني من الكيان الصهيوني، ابتدأها السادات منذ ١٩٧٩م عبر اتفاقية كامب ديفيد. وبعدها الأردن في ١٩٩٤م، وكانت أغلب الدول العربية تغازل الكيان الصهيوني بشكل سري وبعضها علني. ولا يغيب دور سلطنة عمان بالعلاقة العلنية بينها وبين الكيان الصهيوني، وكذلك تم التسريب عن زيارات متبادلة بين مسؤولين عرب عموما و خليجيين بشكل أساسي يؤسسون لعلاقات توّجت بما فعلته الإمارات. ولذلك كله كانت الإمارات تقف على رأس الفاعلين الخليجيين في تنفيذ المخطط الغربي الصهيوني لإسقاط الربيع العربي وعودة الاستبداد، وتفجير الدول العربية وتحويلها إلى دول فاشلة .

رابعا: الإمارات وفلسطين وإسرائيل.

لقد كان من تبعات اجهاض وإسقاط الربيع العربي، الظهور العلني للحلف الغربي مع الكيان الصهيوني مع الانظمة المطبعة معه، فبالاضافة للدور المركزي لامريكا ودول الخليج والكيان الصهيوني في إسقاط الثورة المصرية والحكم الشرعي فيها، ودعم حكم السيسي بالمال وخلق الشرعية الدولية له، ومن ثم تأكيد على دوره المنفذ لمصالح الغرب والصهانة وداعميه الخليجيين سواء بالنسبة لقضية فلسطين وغزة ودعم النظام السوري وحفتر والاستعداد للتدخل في اليمن مع الحلف الخليجي. وكذلك الصمت عن الصلف الصهيوني في عدم تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين السلطة الوطنية الفلسطينية والكيان الصهيوني، منذ إتفاقيات كامب ديفيد بين ياسر عرفات واسحاق رابين. التي كان اساسها قيام كيان فلسطيني على ارض فلسطين المحتلة عام ١٩٦٧م، لكن الصهاينة لم يلتزموا بذلك، وتركوا السلطة الفلسطينية اداة امنية أنهت عمليا المقاومة الفلسطينية في الضفة، وزادت البلية في استمرار الخلاف بين حماس في غزة والسلطة الفلسطينية  في الضفة الغربية، واعتماد الكيان الصهيوني على التهويد اليومي للقدس، وعلى التنكيل على فلسطيني الضفة و مصادرة الأراضي وتهجير الناس وتهديم المنازل بحجج واهية، وضم أحياء ومناطق للكيان الصهيوني داخل الضفة الغربي، بحيث لم يتبق من أرض الضفة خارج سيطرة الكيان الفلسطيني لا يتجاوز الخمسة عشر بالمئة من حق الفلسطينيين في أرض ١٩٦٧م. وفوق ذلك جاء صفقة القرن لتمنع وجود كيان فلسطيني وخلق حالة سلام بين الانظمة العربية و الكيان الصهيوني، وهكذا وجد الفلسطينيين انفسهم بين مطرقة الكيان الصهيوني الذي يقضم الارض ويمنع تشكيل كيان فلسطيني وينهي للأبد حق العودة، وبرعاية دولية و صمت عربي مريب. في هذه الأجواء تأتي مبادرة الإمارات لتصنع علاقة دبلوماسية واعتراف علني متبادل مع الكيان الصهيوني، وكأنها تقدم هدية لترامب لدعمه في انتخابات امريكية قادمة، كبطل جعل العرب يركضون للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتنقذ نتنياهو من مأزقه الداخلي و احتمال محاكمته، وتحوّله لنبي جديد لبني إسرائيل يعطيهم بلاد العرب وخيراتها على طبق من ذهب. والاخطر من كل ذلك أن ما تفعله الإمارات له ما قبله من تطبيع علني من سلطنة عمان، والمغرب العربي، وكذلك ترويج لعلاقات استراتيجية مع دول خليجية أخرى، ترى أن بوابة دخولها في عصر الشرعية وقبول متغيرات الحكم القادم في بعضها، يمر عبر بوابة القبول الصهيوني بهم، وركضهم للتطبيع مع الكيان الصهيوني. هناك مشاريع اقتصادية يُعمل عليها، وهناك تقاسم أدوار ومصالح. هناك البعبع الإيراني الذي ترى الامارات وغيرها من دول الخليج أن الكيان الصهيوني مع أمريكا سيكونان الحلف الداعم والحامي لهم منها.

أخيرا: وماذا عن سورية وسلطتها وثورتها وشعبها في معادلة تطبيع العلاقة بين الإمارات والكيان الصهيوني.  إننا نرى أن ما فعلته الإمارات لإعادة شرعنة النظام السوري ودعمه بالمال والتمثيل الدبلوماسي، قبل أن يطبق القرار الدولي ٢٢٥٤ وأن يدخل في حراك حل القضية السورية، أو يحصل الشعب السوري على مطالبه كلها بإسقاط النظام المستبد ومحاسبته وبناء العدالة الانتقالية والدولة المدنية الديمقراطية السورية، او الحد الادنى منها في الدخول في مسار الحل المقر دوليا. وأن يترك النظام السوري على أنه شرعي رغم كل مافعله بالشعب السوري، مسيطرا على ما تبقى من أراض ومدن وما تبقى من شعبنا في الداخل السوري، ضحية الاستبداد والجوع والمرض والموت البطيء. وأن تترك سورية تحت احتلال ايراني وروسي وامريكي، وأن تدعم الامارات بالمال والسلاح قوات قسد وال ب ك ك في منطقة الجزيرة والفرات وبدعم امريكي. وأن تقدم الدعم المالى للنظام تحت دعوى مكافحة وباء كورونا، وأن تكون خنجرا في خاصرة سورية الارض والشعب، وخاصرة تركيا التي حضنت الشعب السوري الذي لجأ اليها.

 في هذا التوقيت تتوجه الإمارات لتبني علاقة دبلوماسية مع الكيان الصهيوني ضاربة عرض الحائط بالحقوق الفلسطينية المهدورة، وبحق الشعب السوري بالجولان المحتل، والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني بفلسطين كل فلسطين. أليس فعل الامارات وقبلها النظام المصري والحكم الأردني، ومن سيأتي بعدها المعترفين بالعدو الصهيوني، هو تأكيد لما قلناه بداية الحديث أن الانظمة العربية والغرب على رأسه أمريكا والكيان الصهيوني،  أنهم يتقاسمون الأدوار والأفعال لظلم الشعوب العربية وهدر وجودها وحقوقها، كل الوقت وبكل الوسائل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى