يعود ملف التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الرئاسية الأميركية السابقة إلى الواجهة وبقوة هذه الأيام، مع صدور موجة من الكتب والتسريبات المتتالية التي احتوت على ما يعزز الريبة والظنون حول علاقة ما زالت بمثابة اللغز بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، وفرت للأخير موقعاً ممتازاً ” له لدى البيت الأبيض؛ حسب الاعتقاد الشائع في واشنطن.
أهمية المعلومات والإشارات الجديدة أنها تأتي على لسان مقربين ومسئولين سابقين كبار عملوا مع ترامب أو في إدارته وأنها جاءت في لحظة ضاغطة، بعدما لم يتبقى للانتخابات الرئاسية سوى أقل من شهرين، وتكشفت خلالها سرديات جديدة مؤذية لحملته الانتخابية لو كانت صحيحة، مثل كلام ترامب الجارح بحق جنود بلاده الذي نقلته مجلة “ذا أتلانتيك” قبل أيام وكتاب الصحفي الشهير، بوب وودورد، المتوقع صدوره الأسبوع القادم.
يرجع هذا الموضوع إلى حملة انتخابات 2016، من خلال ما عرف في حينه بالتدخل الروسي المحتمل فيها لصالح ترامب. بدأ المسلسل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي أي)، بعد فتحه ملف تحقيق بالتدخل آنذاك في 2016. بعد فوز ترامب ومع تعاظم الارتياب جرى تعيين المحقق الخاص، روبرت مولر، لنبش خفايا التدخل، لجهة تعاون الحملة مع موسكو وما إذا كان الرئيس قد عمل على عرقلة سير العدالة. بعد حوالي سنتين من التحقيق خرج مولر بخلاصة ملتبسة، حيث جاء في تقريره أنه “لم يعثر على أدلة كافية تؤكد وجود تنسيق بين حملة ترامب والكرملين”، لكنه في الوقت ذاته “لا يقوى على تبرئته من العرقلة”. بذلك بقيت الشبهة معلقة يجري تحريكها كلما تجدد الحديث عن عودة موسكو للتدخل في انتخابات 2020.
وزاد من الشكوك أن ترامب دأب في تعليقاته في هذا الخصوص أو فيما يتعلق بالأمور الروسية عموماً بالحرص على ما يبدو على “مسايرة” بوتين و”التودد” إليه. هذه المداراة أثارت اللغط والتساؤلات حول ما سمي بالعلاقة “غير المفهومة” بين الرئيسين، خاصة وأن البيت الأبيض عزف عن مفاتحة الكرملين بالأمر. ثم جاءت قمة هلسنكي في يوليو/ تموز 2018 بين ترامب وبوتين التي أخذ خلالها ترامب بنفي بوتين لأي تدخل، خلافاً لما أجمعت عليه كافة وكالات الاستخبارات الأميركية. انحيازه لبوتين وليس لاستخباراته أثار نقمة عارمة في واشنطن ما زال على لائحة المآخذ التي يجري تسليط الأضواء عليها هذه الأيام وهي كثيرة ومربكة لحملة الرئيس الانتخابية.
لكن آخر كشف جاء من العيار والوزن الثقيلين. ففي كتابه “غضب” المتوقع صدوره بعد أيام، نسب بوب وودورد إلى مدير “الاستخبارات الوطنية” السابق دانيال كوتس قوله إن “بوتين لديه شيء ما على ترامب”!. وكوتس بحكم موقعه كان يطلع على كافة ما تجمعه وكالات الاستخبارات الأميركية الـ 17 وينسق بينها. وبينما يعترف كوتس بأن تقديره هذا لا يستند إلى معلومات استخباراتية صلبة بل هو تعبير عن “اعتقاده”، لكنه يتساءل عن “كيفية تفسير” هذه العلاقة مع بوتين؟
والمعلوم أن كوتس سيانتور جمهوري سابق وموثوق من الحزبين، وأنه اختلف بالنهاية مع الرئيس لينتهي كغيره من الوزراء والمسؤولين إلى الاستقالة – الإقالة. ويروي كوتس لوودورد أن وزير الدفاع السابق، جيمس ماتيس، الذي اصطدم هو الآخر مع ترامب “ذهب مرة إلى كاتدرائية واشنطن للصلاة من أجل البلاد تحت قيادة ترامب”. ونسب إلى الوزير قوله: “لا بد لنا من القيام بخطوة جماعية لنقول ما لدينا عن الرئيس لأنه غير مؤهل”. كلامه يطرح علامة استفهام عما إذا كان هو مصدر ما نقلته مجلة “ذا أتلانتيك” مؤخراً بأن الرئيس وصف الجنود الذين قضوا في الحرب بأنهم “أغبياء وفاشلون”. توصيف أثار خضة كبيرة من باب أن المساس بالمؤسسة العسكرية مسألة شديدة الحساسية لدى الأميركيين.
وصودف أنه تزامن مع نشر كتب أخرى تضمنت معلومات مثيرة ضد الرئيس، مثل كتاب مراسل نيويورك تايمز مايكل شميدت، ومحامي ترامب السابق ومعاونه مايكل كوهين الذي قال في مقابلة له مساء أمس مع على شبكة “ام اس ان بي سي”، إن ترامب كان يتطلع إلى تعزيز التعامل المالي مع الروس وبناء برج ترامب في موسكو. هذا فضلا عن كتاب ابنة شقيقه ماري ترامب الكاشف وكتاب بيتر ستروك المسؤول السابق في “إف بي أي” الذي طرده الرئيس لاتهامه بالعمل ضده.
بعض هذه الكتب لأصحابها ثأر على الرئيس، لكن معلوماتها تندرج في سياق الروايات المعروفة المتوالية عن الرئيس والتي تساعد في وضع العوائق في طريقه إلى تجديد ولايته الرئاسية.
المصدر: العربي الجديد