دفاعاً عن سوريا

علي حميدي

يأتي تحقيق صحيفة واشنطن بوست الذي يتحدث عن دعم عسكري ومالي إسرائيلي للهجري في السويداء، في توقيت حساس عموما، ويتزامن مع مجاهرة غريبة تبديها بعض القوى في السويداء بعلاقاتها وتحالفها مع إسرائيل، بوصفها النصير والظهير الوحيد في معركة ضد سوريا، أو ما تسميه تلك القوى “معركة الانفصال” هذه المجاهرة لم تقف عند حدود الاعتراف بالدعم، بل وصلت إلى حد الفخر بالعلاقة مع إسرائيل، والترويج لها بوصفها مدخلًا لإقامة ما يُسمّى “دولة جبل الباشان”.
من موقعنا كسوريين، يحق لنا، بل من واجبنا التوقف عند المشهد برمته إضافة إلى ما ورد في التحقيق من معطيات، لم تنفها، أي جهة وازنة من الأطراف المعنية. وليس هذا من باب الدفاع عن الحكومة السورية أو الخصومة معها، بل من باب الحرص على سوريا والدفاع عنها بوصفها وطنًا. لهذا السبب ولخطورة التحالف مع من يحتل أرضنا الآن ويومياً، ينبغي التوقف طويلًا عند ما كشفه التحقيق عن جوانب من الدعم الإسرائيلي لقوى في الجنوب السوري، منذ الأيام العشرة الأولى التي تلت إسقاط نظام الأسد، أي قبل أي تطورات عسكرية أو سياسية لاحقة.
التحقيق ليس مجموعة أخبار وتصريحات عابرة عن علاقة تحالف أصبحت علنية، ولا فضيحة سياسية تُستثمر في السجالات الداخلية أو الخارجية، بل وثيقة تحذير من مسار خطير لا يليق بالوطنية السورية التي رفضت، تاريخيًا، الاحتلال الإسرائيلي بلا تردد، بغضّ النظر عن هوية الحكّام أو طبيعة الأنظمة. فكيف يصبح الاحتلال حليفًا؟ وكيف يُقدَّم كضامن لمستقبل أي فئة أو منطقة؟
إن ما نشهده اليوم يعيد إلى الأذهان مسار التحالف مع هذا الكيان الاستعماري التوسّعي وهو مسار لم يؤدِ يومًا إلا إلى نهايات مكلفة، ليست بعيدة، فإسرائيل هي نفسها التي نعرفها لم تتغير، بل ازدادت غلوًّا. هي تقوم على نظام فصل عنصري، وتطوّر هذا النظام ليغدو أداة دائمة في التعامل مع محيطها. ففي العقلية الإسرائيلية، يتحول التنوع الديني والمذهبي والقومي الذي تتميز به بلادنا إلى أوراق ضغط علينا، وتُختزل الهويات الفرعية في كونها وسائل نفوذ، لا قضايا عادلة تستحق الدفاع.
من هنا، فإن أي رهان على إسرائيل (عدوة السوريين جميعاً) هو رهان على قراءة خاطئة للتاريخ وللحاضر معًا. إسرائيل لا تبني سياساتها على حماية أحد، ولن تكون يومًا معنية بإعادة رسم الخرائط بدافع أخلاقي، بل وفق معادلة واحدة: أمنها، ومصالحها فوق كل اعتبار وهذه ضد أمننا ومصالحنا.
من هذا المنطلق، فإن رفض أي شكل من أشكال التحالف مع إسرائيل ليس موقفًا سياسيًا مع حكومة بعينها، أو ضدها ولا اصطفافًا مع سلطة مركزية أو مشروع سلطوي، بل موقف وطني خالص، نابع من تجربة السوريين أنفسهم، الذين دفعوا أثمانًا باهظة لكل تدخل خارجي، ولكل رهان قُدِّم يومًا بوصفه حلًا
وبعد قراءة التحقيق، لا تعود التفاصيل المتعلقة بالسلاح أو الأموال أو الأسماء مهمة، فهذه لم تعد خافية. الأهم هو منطق التدخل والدعم. إسرائيل تتحرك منذ وقت مبكر وفق عقيدة أمنية ترى في أي سوريا موحّدة وقوية خطرًا يجب تطويقه وإضعافه أو تفكيكه. وهذا ما ينبغي الوقوف ضده، صفا واحدا بصرف النظر عن انتماءاتنا أو اصطفافاتنا السياسية.
والوقوف ضد هذا المسار لا يتناقض، بأي حال، مع السعي إلى وطن واحد مستقر، يحمي أبناءه جميعًا، ويصون حيواتهم وكرامتهم، ويلبّي تطلعاتهم في الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية. ولهذا يجب أن تعمل الحكومة وتتحرك وكذلك الشخصيات السورية التي يهمها أمر الوطن، تحركا جديا لا تخالطه الشبهة في الموقف الواضح ضد أي عمل ينال من العدالة الحقيقية للسوريين جميعا، ويحميهم جميعا، وتعمل على تعزيز الثقة بالدولة ومؤسساتها من خلال مشروع وطني جامع يشعر الجميع أنهم جزء منه لا فراغ فيه تنفذ منه إسرائيل أو غيرها، ولنرفض رسميا وشعبيا رفضًا قاطعًا أي تواصل أو تحالف أو حماية إسرائيلية.
كما أن هذا الموقف يفرض علينا الوقوف ضد أي مشروع تقسيم تفضّله إسرائيل، أو أي مشروع فوضى ترغب به. فهذه المشاريع لا تتحقق إلا عبر كيانات وأدوات مرحلية تُستخدم كورقة ضغط في لحظة تفاوضية، ثم يُتخلّى عنها بلا تردّد. وعندها، سيجد من راهن على هذا الدعم نفسه وحيدًا في مواجهة نتائج خياراته.
ولعلّ من المفيد هنا التفكير في التحقيق، الذي قد يخدم نشره بحد ذاته هدفًا تفاوضيًا لطرف ما. في سياق دولي يبدو يدفع، ظاهريا على الأقل، نحو وحدة البلاد واستقرارها، لا نحو تفكيكها.
من هذا المنطلق، فإن رفض أي شكل من أشكال التحالف مع إسرائيل ليس موقفًا سياسيًا مع حكومة بعينها، أو ضدها ولا اصطفافًا مع سلطة مركزية أو مشروع سلطوي، بل موقف وطني خالص، نابع من تجربة السوريين أنفسهم، الذين دفعوا أثمانًا باهظة لكل تدخل خارجي، ولكل رهان قُدِّم يومًا بوصفه حلًا.
سوريا، بتنوعها الديني والقومي، لا تحتاج إلا إلى عقد وطني عادل، ودولة قانون، ومواطنة متساوية، تُغلق الأبواب أمام تحويل الهويات إلى أدوات صراع.
التحقيق خطير، نعم، لكنه لا يقدّم جديدًا بالكامل، لأن الكثير مما ورد فيه بات يُقال ويُصرَّح به علنًا. لكنه يذكّرنا، بوضوح لا لبس فيه، بأن الخارج لا يمنح دعمًا مجانيًا، وأن إسرائيل بوصفها قوة احتلال ليست طرفًا، وأن أثمان الرهانات الخاطئة لا تُدفع دفعة واحدة، بل تُورَّث، وتتحول عبئًا على الأجيال القادمة.
أيًا كانت الخلافات أو التوافقات مع الحكومة أو مع أي سلطة، فالواجب هو رفض التحالف مع إسرائيل، والدفاع عن سوريا وطنًا واحدًا، لا ساحة تجارب أو تحارب، ولا رقعة شطرنج تُلعب عليها مصالح الآخرين.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى