هآرتس”: عمليات إسرائيل في لبنان وسوريا تخدم طموحات نتنياهو

رأت صحيفة “هآرتس العبرية إن العمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في سوريا، تهدف إلى إبقاء إسرائيل في حالة حرب دائمة، خدمةً للطموحات السياسية للحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو، وتوفير الغطاء الأمني اللازم لطلب العفو الذي يطالب فيه.

الأهداف الإسرائيلية
وقالت الصحيفة إن اغتيال رئيس هيئة أركان حزب الله هيثم علي طبطبائي، والضربات اليومية على “أهداف” في لبنان، والاستعداد لحملة برية ضده، إلى جانب اعتقال ناشطين سوريين في الجولان السوري، وتطوره إلى اشتباكات فعلية، يُظهِر رغبة ظاهرية لدى تل أبيب في إظهار الحزم لإزالة التهديدات على أمن إسرائيل.
لكنها اعتبرت أنه بوجود صعوبة في اكتشاف سياسة منسقة أو استراتيجية واضحة حول العمليات الإسرائيلية، يُمكن استنتاج أن لهذه الخطوات هدفاً خطِراً واحداً هو إبقاء إسرائيل في حالة حرب دائمة تخدم الطموحات السياسية للحكومة ورئيسها، وتوفر الغطاء الأمني اللازم لطلب العفو الذي يمكن أن يؤدي إلى المصادقة عليه.
ولفتت إلى أن إسرائيل تتمتع على حدودها الشمالية بامتيازات استراتيجية غير موجودة في قطاع غزة، إذ توجد في سوريا ولبنان، أنظمة حكم تُعلن علناً وباستمرار عدم رغبتها في حرب مع إسرائيل، معتبرةً أنها ليست مجرد تصريحات تهدف إلى طمأنة إسرائيل والولايات المتحدة.

جمع السلاح في لبنان
وقالت إن لبنان وقّع مع إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار، بينما رئيسه جوزاف عون رسّخ مبدأً تاريخياً يدعو إلى توحيد السلاح الموجود داخل البلد تحت السيطرة الحصرية للدولة، كما أن الحكومة في بيروت اتخذت قراراً يقضي بتكليف الجيش اللبناني، لأول مرة في تاريخه، بجمع الأسلحة من المنظمات غير الحكومية، وعلى رأسها حزب الله والتنظيمات الفلسطينية.
وأضافت أن الجيش اللبناني يقوم فعلاً بجمع هذا السلاح في جنوب لبنان، لكن الوتيرة بعيدة عن تلبية تطلعات إسرائيل، وأن هناك شكاً كبيراً في قدرته على إكمال المهمة ضمن المهلة المتفَق عليها في نهاية العام الجاري.
وذكرت الصحيفة العبرية أن الرئيس اللبناني يُرجع البطء إلى رغبته في منع صدامات عنيفة بين الجيش، المحدود القدرات، وبين “حزب الله”، بينما ما زال الحزب يحتفظ بكمية كبيرة من السلاح، والتي يمكنه توجيهها، ليس فقط ضد إسرائيل.
في مقابل ذلك، ترى إسرائيل والولايات المتحدة أن الضغط العسكري والتهديدات بالحرب سيدفعان الرئيس اللبناني إلى التخلي عن نهج الحوار السياسي مع حزب الله وإجباره، على مواجهة مباشرة معه، وفق “هآرتس”.

الضغط الإسرائيلي
واعتبرت “هآرتس” أن الضغط العسكري مليء بالتناقضات العملياتية والسياسية إذ أن معظم نشاط إسرائيل في لبنان يتم عبر ضربات جوية، في حين تُسيطر في الوقت ذاته على 5 مواقع في جنوب لبنان، قيمتها محدودة، بينما تُستخدم بين أمور أُخرى كورقة تفاوض مع بيروت.
وعلى الرغم من ذلك، فإن إسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة، لا تكتفي بالمحادثات حول الترتيبات الأمنية وترسيم الحدود البرية وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين المحتجَزين في إسرائيل، إنما تطالبان بإجراء مفاوضات مباشرة، وإعادة تشكيل لجنة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، بحيث تشمل سياسيين لبنانيين، وليس فقط عسكريين وخبراء، وانضمام لبنان إلى اتفاقات “أبراهام”، مشيرةً إلى أن هذه الطموحات تستند إلى ورقة العمل التي قدمها توم باراك، المبعوث الخاص السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب لشؤون سوريا ولبنان.
وينص اقتراح باراك على أن توقف إسرائيل هجماتها على لبنان لمدة شهرين، يجري خلالهما التفاوض حول هذه النقاط، إلى جانب إقامة “منطقة منزوعة السلاح” بين لبنان وإسرائيل، فيما رفضت إسرائيل مقترح الانسحاب بالتدريج من النقاط الخمس، وعودة السكان اللبنانيين إلى منازلهم.
بالنسبة لحزب الله، فإنه يرفض التخلي عن سلاحه بالكامل، بينما أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، يؤكد مراراً أن الاتفاق ينصّ على أن “الجيش اللبناني وقوى الأمن اللبنانية هما الجهتان المسلحتان الوحيدتان المصرح لهما بالعمل في جنوب لبنان”.
ووفق “هآرتس”، فإن قاسم يُفسّر أن الاتفاق لا يُلزمه بالتخلي عن سلاحه في الشمال، أو الموافقة على إقامة منطقة منزوعة السلاح في الجنوب.
وقالت الصحيفة العبرية إن الحكومة اللبنانية تبنت مهمة تتجاوز نص الاتفاق كثيراً، إذ تبنت مبدأ “وحدة السلاح” تحت سيادة الدولة، وهو ما يعني التزامها، ليس فقط بتدمير منشآت تصنيع السلاح التابعة لحزب الله، بل أيضاً جمع سلاحه في جميع أنحاء البلد.
وكان الرئيس عون قد أوضح بصورة صريحة للأمين العام للمجلس القومي للأمن الإيراني علي لاريجاني، أنه لا ينوي التراجع عن هذا المبدأ، وأنه يتوقع من إيران مساعدته في تنفيذه، وحث حزب الله على التعاون مع الحكومة.

التهديد الإسرائيلي
وقالت الصحيفة إن لبنان يُدرك جيداً معنى التهديد الإسرائيلي بتوسيع القتال، كما يدرك تبعات صدام عنيف مع حزب الله
والذي يُمكن أن ينحدر نحو حرب أهلية، لكنها رأت أن السؤال هو ما إذا كانت إسرائيل تدرك تلك التبعات.
وأضافت أنه في حال كانت العمليات الهجومية تهدف إلى تسريع تنفيذ الاتفاق، فهذا يعني أن إسرائيل تؤمن بقدرة الجيش اللبناني على إنجاز المهمة، وأن المطلوب فقط قرار سياسي، وهو قرار تبنته الحكومة فعلاً، ويحظى بدعم الرأي العام.
كما يُثير التهديد الإسرائيلي بتوسيع الحرب تساؤلات بشأن ما إذا كانت إسرائيل قادرة على نزع سلاح حزب الله بنفسها، لكن حروب إسرائيل في لبنان وغزة والضفة أثبتت أن النزع الكامل للسلاح هدف شبه مستحيل من دون اتفاق سياسي، بحسب “هآرتس”.

جمود مع دمشق
بالنسبة لسوريا، فإن الوضع مشابه للبنان، إذ لا تسمح إسرائيل للجيش السوري بالانتشار في جنوب الجولان، بينما تقوم هي هناك بعمليات ضد تنظيمات تسعى للتمركز، فيما المفاوضات حول الترتيبات الأمنية مع دمشق مجمدة، كما دخلت السلطة في سوريا في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وكذلك أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع أنه سيكون مستعداً للانضمام إلى اتفاقات “أبراهام”، “في الأوضاع المناسبة” التي لم يحددها.
وقالت الصحيفة إن الجيش السوري لايزال ضعيفاً، وإن هناك عشرات الميليشيات لم تنضم إليه بعد، فيما داخل المناطق التي “تُهم” إسرائيل جنوب سوريا، ما زالت تعمل قوى انفصالية كالميليشيات الدرزية والقبائل البدوية المسلحة وفصائل إسلامية متعددة.
وأضافت أن الوجود العسكري الإسرائيلي في الجولان السوري يساعد تلك التنظيمات لأنه يُثير انطباعاً بالاحتلال المباشر، وقد يشجع على اندلاع انتفاضة، وهو مصطلح بدأ يترسخ في الخطاب المحلي في تلك البلدات.
وأكدت “هآرتس” أن مصلحة إسرائيل الحيوية هي السماح للجيش السوري بالانتشار في المنطقة كشريك في منع ترسّخ تلك التنظيمات المعادية، لكن سلطة الشرع تُعتبر في إسرائيل جهة مشبوهة.
وفيما تطالب إسرائيل، سوريا، بالعمل ضد تلك التنظيمات في جنوب الجولان، ونزع السلاح من المنطقة جنوب دمشق، لا تسمح لها في الوقت عينه، بإدخال قوات، ولا تشرح من سيكون مسؤولاً عن مواجهة التنظيمات التي قد تنشأ هناك.
وبينما سيطرة إسرائيل على الأراضي تعطي انطباعاً بوجود “حزام أمني” فعّال، رأت “هآرتس” أنه من الأفضل استخلاص العبر من الأحزمة الأمنية السابقة التي أقامتها إسرائيل في لبنان وغزة.

المصدر: المدن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى