
بين لبنان وسوريا، هناك فرصة جدية للدخول في علاقة تكاملية على أسس ندية. تضج دمشق بالحديث عن التحولات في المنطقة، وبأنها تريد أن تكون جزءًا منها، كما تريد للبنان أن يسير على الطريق عينه. يريد لبنان تجاوز الماضي، وهو ما تريده سوريا بقوة، معتبرة أنه لا بد من تجاوز كل الالتباسات والمساوئ التي اعترت العلاقة في الماضي، وإزالة كل التجاوزات السابقة، للبدء بنمط جديد من العلاقة السليمة، على قاعدة المصالح والهموم المشتركة، من دون أي تأثير من قبل إحدى الدولتين على الأخرى.
من يزر سوريا في هذه الأيام، يسمع مقاربة مختلفة كلياً عن ما كان سائداً أيام نظام الأسد. إن لجهة الانفتاح على الدول العربية أو على الغرب والعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية. هذه العلاقة هي التي ستكون سارية على لبنان أيضاً، في ظل التقدم الأميركي والرؤية التي تطرحها إدارة الرئيس دونالد ترامب. تعتمد الإدارة الأميركية أسلوباً واضحاً، وهو يصل إلى حد ممارسة الضغوط القصوى، للدفع باتجاه تقديم التنازلات والارتضاء بالشروط المفروضة، وبعدها تترك هامشاً للنقاش أو تفتح الباب أمام المفاوضات والمشاورات. هذا ما اعتمدته مع سوريا، وتعتمده مع لبنان أيضاً. ففي سوريا تحققت بعض النقاط، فيما رفض الرئيس السوري أحمد الشرع سابقاً اللقاء برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في ظل مواصلة الحرب على غزة، وفي ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا واحتلال عدد من النقاط.
لبنان أيضاً، يجد نفسه في مواجهة الضغوط عينها. والمطلوب منه هو التنازل عن كل شيء. فإلى جانب مسار سحب سلاح حزب الله، برزت دعوات أميركية لعقد مشاورات مباشرة مع إسرائيل أو لإجراء اتصال من رئيس الجمهورية جوزاف عون برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو ما يرفضه لبنان. وتواصلت الضغوط الأميركية إلى حد إلغاء مواعيد لقائد الجيش رودولف هيكل، الذي اندفع إلى إلغاء زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية.
الضغوط على لبنان بلغت حدها الأقصى، بينما تبرز مساع إقليمية ودولية مع الأميركيين في محاولة لمساعدة لبنان على تجاوز الضغوط، وإجراء زيارة لرئيس الجمهورية جوزاف عون إلى واشنطن ولقائه بالرئيس دونالد ترامب، تماماً كما زار أحمد الشرع واشنطن والتقى ترامب. في هذا الإطار، يسمع زائر دمشق أن لبنان لديه فرصة جدية للالتحاق بهذا المشروع الجديد في المنطقة، وتجاوز الحروب والصراعات، والأهم إعادة الاعتبار لمفهوم الدولة لديه، من دون تبعيات خارجية، والأهم عدم العودة إلى الاقتتال الداخلي أو استمرار الأزمات السياسية الداخلية التي تعيق عمل الدولة ومؤسساتها.
وبحسب ما ينقل زوار دمشق عن الشرع فإن سوريا ليست في وارد التدخل بلبنان، وهي مستعدة للمساعدة في التكامل الاقتصادي والاستثماري، ومنفتحة على كل أشكال التعاون. تنظر إلى الضغوط التي تُمارس على الدولة اللبنانية والمسؤولين والجيش، لكنها تعتبر أن هذه الضغوط ستؤدي إلى مشكلة كبرى، وقد تؤدي إلى تفجير البلد داخلياً. وهذا لن يكون في مصلحة لبنان ولا بمصلحة الدول التي تمارس كل هذه الضغوط. بالنسبة إلى دمشق، فإن لبنان يحتاج إلى مقاربة مختلفة، لا تقوم على منطق القوة أو المكاسرة لأن هذه ستؤدي إلى انفجار الحرب الأهلية فيه. بعض من التقوا الشرع سمعوا منه بأنه لا يمكن تحميل لبنان ما لا طاقة له به.
ينقل مسؤولون عن الشرع إن السوريين تجاوزوا كل جروح الماضي، ولا يريدون العودة إليها. وهو ما يريدون من اللبنانيين أن يعملوا عليه أيضاً، ولا سيما حزب الله. فسوريا لا تشكل تهديداً لأحد. ويشددون على القول إن هناك متغيرات حصلت على مستوى المنطقة، وعلى الجميع تلقفها والتعامل معها بواقعية، وحزب الله كما الطائفة الشيعية هم لبنانيون أصلاء، ويجب التعامل معهم على هذا الأساس، فهم جزء من الشعب اللبناني والمجتمع والدولة. من هنا يركز المسؤولون في سوريا على ضرورة النظر من الدائرة الأوسع وليس من الزوايا الضيقة. فليس من مصلحة سوريا أن تنظر إلى لبنان أو حزب الله بعين الماضي، ولا من مصلحة لبنان أو الحزب النظر إلى سوريا الجديدة بعين ماضية، أو وفق توصيفات كانوا قد أطلقوها عند تبرير تدخلهم ضد الثورة السورية. فالبقاء في الزوايا الضيقة وحالة الأسر ضمن دائرة المواقف القديمة، حوّل جميع أهل المنطقة إلى ضحايا، فكان حزب الله ضحية مشاريع كبرى، كما سوريا وشعبها وثوارها كانوا ضحايا لمشاريع وتقاطعات دولية. الخلاص اليوم هو في الخروج من هذه الدائرة الضيقة والنظر بمنظار أوسع على قاعدة الاحترام المتبادل وحماية كل دولة لحدودها.
المصدر: المدن




