العلاقات السورية الصينية في ظل الحكومة السورية الجديدة وآفاقها المستقبلية

عبد المجيد عرفة

تأسّست العلاقات السورية الصينية منذ مؤتمر باندونغ لدول عدم الانحياز، عام 1956، وكانت العلاقات متواضعة اقتصادياً وثقافياً وفي طور النشوء، حيث كانت سوريا منذ قيام سلطة البعث بعد عام 1963، قد انخرطت بعلاقات استراتيجية مع المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي.
ورغم اعتبار الصين دولة اشتراكية، لكنها كانت مختلفة في تعاطيها مع الواقع الاقتصادي والسياسي داخل الصين وفي العالم عن الاتحاد السوفييتي، حيث رفضت سياسة المحاور والتحالفات وشقّت طريقها بنفسها في علاقاتها مع دول العالم، سواء مع المعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة أو المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي. وبقيت ثابتة في موقفها ضد التدخل في شؤون الدول الأخرى، وأن العلاقات الدولية تقوم على المصالح المتبادلة بشكل أساسي.
وعندما اكتشف غورباتشوف -الرئيس السوفييتي- الطريق المسدود في الشيوعية ونظامها عالمياً، وأعلن انتهاء الاتحاد السوفييتي، عام 1991، كان لا بدّ أن تغير الصين من توجهاتها الاقتصادية، بحيث غادرت المسار الاشتراكي وانتقلت من نظام التخطيط الاشتراكي إلى نظام السوق الرأسمالي داخلياً وخارجياً، مع استمرار شكل الحكم الشمولي بقيادة الحزب الشيوعي الصيني.
عندما قامت الثورة السورية، في آذار 2011، كان الموقف المبدئي للصين رفض إسقاط الأنظمة بالقوة وعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، وبهذا الموقف وجدت الصين نفسها في الموقف الداعم للنظام السوري البائد.
واستطاعت بهذه المعادلة أن تدخل سباق التصنيع والتجارة عالمياً، وأصبحت المنافس الأكبر للغرب والولايات المتحدة على رأسه، وبالعودة إلى العلاقات السورية في هذه الفترة، كانت محدودة وهامشية في معظم الأحيان.
العلاقات السورية الصينية منذ الثورة السورية حتى سقوط النظام
عندما قامت الثورة السورية، في آذار 2011، كان الموقف المبدئي للصين رفض إسقاط الأنظمة بالقوة وعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، وبهذا الموقف وجدت الصين نفسها في الموقف الداعم للنظام السوري البائد، رغم تاريخ استبداده وتوحشه بحق شعبه، وكانت أقرب إلى موقف الاتحاد الروسي وإيران الداعمَين مطلقاً للنظام البائد، إلى درجة الإبادة الجماعية للشعب السوري ولتدمير سوريا.
لقد تمّ دعوة النظام السوري إلى مبادرة “الحزام والطريق” التي كانت الصين من رعاتها، وتمّ التوافق على كثير من مشاريع البنى التحتية السورية، لكنها اصطدمت بواقع العقوبات الدولية على النظام السوري، بحيث بقيت هذه المبادرة حبرًا على ورق ومن دون تفعيل.
كذلك، تم إعلان شراكة استراتيجية بين النظام السوري والصين، عام 2023، حين شارك بشار الأسد في قمة “آسيان”، وكانت هذه محاولة صينية-سورية لتفعيل اتفاقيات “الحزام والطريق” والتقدم بها خطوات للأمام، خاصة بعدما ظهرت بوادر توافقات دولية لإعادة شرعنة نظام الأسد البائد، وأن يكون للصين دور في تفعيل مشاريع “اقتصاد ما بعد الحرب” في سوريا.
ويضاف إلى الدور الصيني السلبي تجاه الثورة السورية هو إشهار الفيتو الصيني والروسي لعدد من المرات ضد تمرير أي قرار ضد النظام البائد أو داعم للمطالب والحقوق المشروعة للشعب السوري، خلال سنوات الثورة السورية.
العلاقات السورية الصينية منذ سقوط نظام الأسد
كان سقوط نظام المخلوع بشار الأسد وانتصار الثورة السورية نقطة تحوّل مفصلية، إذ انتقلت القيادة السياسية في الدولة السورية الجديدة من منطق الثورة إلى منطق الدولة.
وتمثّل ذلك في فتح أبواب التواصل مع مختلف دول العالم، ولا سيما الدول الفاعلة، بما في ذلك الأطراف التي كانت داعمة للنظام حتى لحظة سقوطه مثل روسيا، كما عملت السلطة الجديدة على إعادة فتح قنوات العلاقات التي كانت مغلقة مع الغرب منذ عقود، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
كذلك، بادر الرئيس أحمد الشرع، في شباط 2025، إلى لقاء السفير الصيني في دمشق، وذلك بعد شهرين تقريباً من انتصار الثورة، وتناول الحديث بينهما آفاق علاقات واعدة بين سوريا والصين على كل المستويات.
وكان ذلك جزءاً من قدرة الدولة السورية الجديدة والصين وروسيا أيضاً على التصرف وفق المستجدات السياسية في سوريا، والعمل على تفعيل العلاقات المشتركة لآفاق واعدة.
لقد كان تلبية وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني دعوةَ زيارة الصين قبل أسبوع من الآن تعبيراً مباشراً وواضحاً لدى الدولتين السورية والصينية عن تداولهما في موضوعات إعادة الإعمار والمشاركة في بناء سورية اقتصادياً وعلى كل المستويات.
وكان لقاؤهما وما صدر عنه من إشارات إلى دعم الصين للحكم الجديد في سوريا ودعم وحدتها أرضاً وشعباً في مواجهة أي دعوات أو ممارسات تقسيمية.
السلطة السورية الجديدة رسّخت نهجاً سياسياً أصبحت معالمه واضحة مع دول العالم الفاعلة عربياً وعالمياً بشكل كامل، فقد أعادت ترتيب العلاقات السورية-الروسية وتحويل روسيا من عدو إلى شريك في كثير من المصالح الاقتصادية والعسكرية..
كذلك تصريح الشيباني حول “الصين الواحدة” في إشارة إلى تايوان ورفض أي انفصال عن الصين الأم، كما تمّت الإشارة إلى مواجهة أي مساس بالأمن القومي الصيني في إشارة إلى المقاتلين الإيغور الصينيين الذين شاركوا في الثورة السورية، وكأنه تعهّد ضمني بألا يكون لهم أي دور سلبي ضد الصين ومصالحها، وكذلك تأكيد الطرفين على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
في الختام: إن السلطة السورية الجديدة رسّخت نهجاً سياسياً أصبحت معالمه واضحة مع دول العالم الفاعلة عربياً وعالمياً بشكل كامل، فقد أعادت ترتيب العلاقات السورية-الروسية وتحويل روسيا من عدو إلى شريك في كثير من المصالح الاقتصادية والعسكرية وعلى كل المستويات، حيث تُوجت بزيارة الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو ولقائه مع الرئيس الروسي بوتين.
وفي ذات الوقت حصل تقارب سوري-أميركي، وكان قد حصل لقاء مع الرئيس الأميركي ترمب في الرياض بحضور ولي العهد محمد بن سلمان والرئيس رجب طيب أردوغان على الهاتف، ثم ذهاب الرئيس الشرع إلى أميركا واللقاء بالرئيس ترمب وكثير من المسؤولين الأميركيين والعمل لإلغاء قانون قيصر وتبعاته السيئة على سورية وشعبها.
هذا يضاف أصلاً إلى العلاقة الوثيقة بين السلطة السورية الجديدة وتركيا الحليف الأهم ودول الخليج العربي؛ السعودية وقطر… إلخ.
لذلك يكون التوجه إلى الصين ونسج أواصر العلاقات الاقتصادية وعلى كل المستويات ودعوتهم إلى المساهمة في إعادة الإعمار والبناء، حيث رست في ميناء بانياس باخرة صينية تحمل مواد بناء للمساهمة في إعمار سوريا.
كل ذلك خطوة أخرى في طريق تصفير المشكلات بين سوريا ودول العالم، بل أكثر من ذلك: دفع كل الدول ليكون لها دور استثماري في إعادة بناء سوريا وصناعة الحياة الأفضل الواعدة للشعب السوري.
المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى