
تظهر قوات سوريا الديموقراطية (قسد) في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب قدراً متزايداً من المرونة في تعاملها مع الحكومة السورية، بعد استكمالها مؤخراً إزالة عدد من الحواجز الأمنية عند مداخل الأحياء ومخارجها، في خطوة وُصفت بأنها تأتي ضمن إجراءات تنفيذ بنود الاتفاق المبرم بين الطرفين. كما سمحت “قسد” بعودة بعض العائلات التي كانت قد هجّرت من المنطقة عام 2012، وذلك بوساطات عشائرية.
وبخلاف ما كان معتاداً خلال السنوات الماضية، حين كان الإعلام الرديف لـ”قسد” يتولى التعليق على أوضاع الحيين نيابة عن الجهات الأمنية، خرجت “الأسايش” هذه المرة بموقف علني، عبر تصريح رسمي للمتحدث باسمها، في مؤشر على رغبتها بإظهار التزامها بالاتفاق ومسار التهدئة.
إزالة الحواجز
وقال المتحدث الرسمي باسم قوى الأمن الداخلي (الأسايش)، محمود علي مردلي، إن قواته أزالت الحواجز التابعة لها من مداخل حيي الشيخ مقصود والأشرفية، موضحاً أن الخطوة تأتي ضمن “إجراءات تعزيز الثقة وإنجاح اتفاق نيسان الموقّع مع الحكومة المؤقتة ومجالس الأحياء”.
وأضاف مردلي، في تسجيل مصور نشرته منصات إعلامية مقربة من “قسد”، أن إزالة الحواجز تهدف إلى “إثبات حسن النية ودعم الجهود الرامية لإنجاح الاتفاق”، مؤكداً في الوقت ذاته أن الحصار المفروض على الحيين ما يزال قائماً، لكن “قسد” ملتزمة بتنفيذ ما تم التوصل إليه، وماضية في تطبيق البنود المتفق عليها تدريجياً.
قالت مصادر محلية في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب لموقع تلفزيون سوريا إن “قسد” أزالت بالفعل عدداً من الحواجز الأمنية خلال الأيام الماضية، وفي مقدمتها معبر الجزيرة، ما أدى إلى تسهيل حركة الدخول والخروج من وإلى الحيين، ووفق المصادر، فقد كانت بعض الممرات سابقاً تفرض قيوداً مشددة على الحركة، إذ كان يسمح بالمرور سيراً على الأقدام فقط، في حين باتت الحركة اليوم أكثر سلاسة مع السماح بعبور المركبات ووسائط النقل العامة من دون عراقيل كبيرة.
اتفاق آذار
يشهد محيط حيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب هدوءاً نسبياً، وذلك برغم وقف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) العمل بالاتفاق الذي جرى التوصل إليه في آذار/مارس الماضي، وخلال الأشهر الماضية، شهدت أطراف الحيين جولات متكررة من الاشتباكات وعمليات الخطف وإعادة الانتشار التي نفذتها قسد، وصولاً إلى المواجهات الأخيرة مع الجيش السوري في تشرين الأول/أكتوبر، لكن الهدوء عاد لاحقاً، في ظل مؤشرات على رغبة الطرفين بعدم العودة إلى التصعيد، والعمل تدريجياً على تنفيذ ما تبقى من بنود الاتفاق.
وتتضمن بنود الاتفاق بين قسد والحكومة السورية في حلب ما يلي:
الجانب الأمني:
. تتولى وزارة الداخلية السورية مسؤولية الحماية في الحيين وإدارة المراكز الأمنية الجديدة.
. حظر المظاهر المسلحة داخل الشيخ مقصود والأشرفية، على أن تقتصر الأسلحة على عناصر الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية.
. تشكيل لجنة تنسيقية مشتركة بين الطرفين لتسهيل الحركة المرورية والإشراف على الخدمات داخل الحيين.
الجانب الإداري والتمثيلي:
. إدخال الحيين إداريًا ضمن مجلس مدينة حلب مع الحفاظ على خصوصية السكان المحلية.
. تمثيل سكان الشيخ مقصود والأشرفية بشكل كامل في مجلس محافظة حلب.
التبادل والإفراج:
. إتمام عملية تبادل الأسرى بين قسد ووزارة الداخلية السورية.
. بدء انسحاب جزء من مقاتلي قسد من الحيين باتجاه مناطق نفوذها في شمال شرقي سوريا.
الأهداف:
. إنهاء عزلة الحيين عن باقي مدينة حلب وتعزيز الاستقرار الأمني والمدني.
. تسهيل حركة السكان والتنقل بين الحيين وبقية مناطق المدينة.
. تعزيز التعايش السلمي ودعم الاندماج المجتمعي بين مختلف المكوّنات.
وبالعودة إلى بنود الاتفاق وما نُفِّذ منها بعد أشهر على توقيعه، يتضح أن “قسد” طبّقت جزءاً محدوداً فقط من الالتزامات المترتبة عليها. فقد نفذت انسحاباً جزئياً لبعض قواتها باتجاه مناطق شمال شرقي الفرات، وأجرت عملية تبادل أسرى محدودة لم تشمل جميع المعتقلين لديها. واليوم تعمل على تنفيذ بند آخر يتعلق بإنهاء عزلة الأحياء الواقعة تحت سيطرتها، من خلال فتح الممرات وإزالة عدد من الحواجز الأمنية. ومع ذلك، ما تزال بنود عديدة غير مطبقة، وهي ضرورية لتمكين مؤسسات الحكومة السورية من دخول الحيين واستكمال تنفيذ الاتفاق بشكل كامل.
أكد محمود علي مردلي، المتحدث باسم قوى الأمن الداخلي، في تصريحه الأخير أن تنفيذ الاتفاق يتطلب تنسيقاً متواصلاً لتجاوز العقبات التي قد تعترض طريقه. وأضاف أن هناك جهات — قال إنها مدعومة من الخارج — تعمل على تقويض الاتفاق ودفع الأوضاع نحو مزيد من التوتر، مشدداً على أن قواته متمسكة بالحل السياسي باعتباره السبيل الوحيد لتجنيب المنطقة أي مواجهة جديدة.
وختم مردلي حديثه بالتأكيد على أن حيي الشيخ مقصود والأشرفية جزء لا يتجزأ من مدينة حلب، وأن حماية سكانهما «واجبٌ لا تهاون فيه»، معتبراً أن الحوار هو الطريق الوحيد لترسيخ الاستقرار وبناء سلام شامل في سوريا.
وفي المقابل، ألمح مردلي إلى أن فصائل سورية كانت مدعومة من تركيا سابقاً، وانضمت لاحقاً إلى صفوف الجيش السوري، هي من تقف، بحسب قوله، خلف محاولات إفشال الاتفاق وإثارة الفوضى في محيط الحيين خلال الأشهر الماضية. غير أن مصادر عسكرية في الجيش السوري نفت ذلك بشكل قاطع، وقالت لموقع تلفزيون سوريا إن ادعاءات “قسد” غير دقيقة، ولا توجد أي جهة مدنية أو عسكرية حكومية في حلب تعمل على تعطيل الاتفاق، بل على العكس، هناك جهود مستمرة وإصرار واضح على دمج الحيين ضمن المدينة بطريقة سلمية، تجنباً لأي توترات أو خسائر بشرية ومادية محتملة، و”قسد” هي من كانت تماطل وتتهرب من استكمال تنفذ بنود الاتفاق، وفق المصادر ذاتها.
تطمينات عشائرية
سبقت خطوة إزالة الحواجز التي نفذتها “قسد” في حيي الشيخ مقصود والأشرفية تحركات ميدانية هدفت إلى تبديد مخاوف مجموعات عشائرية ومسلحة كانت تقيم داخل الحيين، وهي مجموعات لعبت دوراً أساسياً — كما يبدو — في تعطيل تنفيذ الاتفاق خلال الأشهر الماضية، فمع انسحاب قوات النظام المخلوع من حلب قبيل سقوطه في نهاية العام الماضي، لجأت شخصيات عشائرية وعناصر موالية للنظام إلى مناطق سيطرة “قسد” طلباً للحماية، وقد انضم بعضهم لاحقاً إلى صفوف “قسد”، في حين بقي آخرون تحت رعايتها، وهؤلاء كانوا يخشون أن يؤدي دمج الحيين إدارياً بباقي المدينة إلى ملاحقتهم أو تعريضهم لخطر الاعتقال، ما جعلهم رأس الحربة في معظم التوترات والاشتباكات الأخيرة.
وجاءت زيارة مستشار الرئيس الشرعي لشؤون العشائر، جهاد عيسى الشيخ، برفقة عدد من شيوخ العشائر والوجهاء، في نهاية تشرين الأول/أكتوبر، لتشكل نقطة تحوّل لافتة، إذ قدم الشيخ خلال الزيارة تطمينات مباشرة للمكون العربي، الذي كان موالياً للنظام سابقاً، بأنهم لن يتعرضوا لأي ملاحقة، هذه الرسائل ساهمت في تهدئة المخاوف، وأرست مناخاً من الهدوء تُرجم لاحقاً بإزالة الحواجز، بالتزامن مع افتتاح مجلس القبائل والعشائر السورية، برئاسة الشيخ عبد المنعم الناصيف، مكتباً له في حي الشيخ مقصود.
ومع كل خطوة تنفذ من بنود الاتفاق، تتصاعد بين سكان الشيخ مقصود والأشرفية آمالٌ طال انتظارها. فالأهالي يترقبون اليوم لحظة اندماج أحيائهم بشكل كامل مع باقي مدينة حلب، بما يتيح لهم الوصول إلى وظائفهم من دون عوائق، ودخول السلع والخدمات بأسعار طبيعية، وعودة المؤسسات العامة إلى أداء دورها في تأمين احتياجاتهم اليومية. وفي الجهة المقابلة، لا يخفي سكان الأحياء الأخرى في حلب تطلعهم هم أيضاً إلى استكمال الاتفاق، آملين أن تُطوى صفحة التوتر الأمني الذي ظل يخيّم على محيط الشيخ مقصود والأشرفية لسنوات، وأن تختفي المخاطر التي كانت تهدد الاستقرار وتعرقل الحركة في تلك المناطق.
وبين رغبة الناس في حياة طبيعية وإصرار الأطراف على تثبيت التهدئة، يبقى نجاح هذا المسار مرهوناً بمدى الالتزام الكامل بالاتفاق من قبل “قسد”، فاستقرار الحيين ليس شأنها فحسب، بل خطوة أساسية نحو استقرار أوسع يشمل مدينة حلب بكاملها، ويسهم إلى حد كبير في نجاح واستمرار جهود الإنعاش التي تقودها المحافظة والتي تشمل مختلف القطاعات، الصناعة والتجارة والإسكان وغيرها.
المصدر: تلفزيون سوريا





