سوريا نحو التحالف.. كيف سينعكس المشهد على قسد؟

سامر العاني

يتزايد قلق قيادة قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية مع كل تقارب أميركي تجاه الحكومة السورية بعد إسقاط النظام المخلوع، إذ تخشى أن ينعكس هذا المسار على نفوذها وترتيباتها السياسية والعسكرية في شمال شرقي سوريا.
ومع الإعلان عن لقاء مرتقب بين الرئيسين الشرع وترمب، بدأت المنصات الإعلامية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية بمهاجمة الولايات المتحدة، متهمة إياها بالتخلي عن الأكراد رغم تحالف استمر نحو عقد كامل، ومذكّرة بمحطات سابقة تخلّت فيها واشنطن عنهم في سوريا والعراق.
ففي عام 2019، أعلن الرئيس الأميركي خلال ولايته الأولى سحب قوات بلاده من سوريا، حيث برّر آنذاك هذا الانسحاب بسلسلة تغريدات على تويتر قال فيها إنّ “الأكراد قاتلوا معنا، لكنهم حصلوا على مبالغ طائلة وعتاد هائل لفعل ذلك”ما اعتبرته القيادات الكردية حينئذ مقدّمة للتخلي عنهم.
ومع الإعلان عن لقاء بن الرئيسين الشرع وترمب بدا انزعاج قوّات سوريا الديمقراطيّة واضحاً من خلال التصريحات التي نقلها موقع المونيتور عن مصدر في “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، قوله: “كنا نأمل على الأقل أن يتم ضمّنا إلى وفد الشرع”
وما زاد من قلق قيادة قوّات سوريا الديمقراطيّة هو أنّ مسؤولة الشؤون الخارجية في “الإدارة الذاتية”، إلهام أحمد، طالبت بالسفر إلى الولايات المتحدة منذ فترة، إلا أن طلبها بقي معلقاً.
وفي هذا السياق يرى البرلماني العراقي السابق وخبير العلاقات الدوليّة عمر عبد الستار، خلال حديثه لتلفزيون سوريا، أن المنطقة تشهد تحولاً جذرياً نحو نظام أحادي القطبية تقوده الولايات المتحدة، وأن عصر الميليشيات قد انتهى ليحل محله عصر “الدولة السيادية” المتحالفة مع القوى الكبرى.
ويفسّر عبد الستّار الموقف الأميركي بأنه ليس “غدراً” أو “خيانة”، بل هو تحول في طبيعة المرحلة، فبعد انتهاء مرحلة “مكافحة داعش”، بدأت مرحلة جديدة هي مكافحة القوى المرتبطة بإيران وروسيا والصين)، وبالتالي، فإن أي طرف محلي مثل أذرع حزب العمال الكردستاني يرتبط بهذه القوى سيتم التخلي عنه.
دمج قسد على الطاولة
ذكرت وزارة الخارجية السوريّة، في بيان أصدرته في العاشر من الشهر الجاري، أن كلاً من الجانبين السوري والأميركي اتفقا خلال المباحثات في البيت الأبيض على المضي في تنفيذ اتفاق العاشر من آذار بما يشمل دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن صفوف الجيش العربي السوري، وذلك في إطار عملية توحيد المؤسسات وتعزيز الأمن الوطني.
وفي هذا السياق، يقول الباحث وائل علوان، لموقع تلفزيون سوريا، إنّه لا يوجد الكثير من السيناريوهات أمام قسد، فالسيناريو الوحيد الراجح وفق المعطيات السياسية الحالية إقليميا ودوليا هو أن الولايات المتحدة الأميركية ستكمل جهودها في إدماج قسد ضمن الحكومة السورية وغالبا ستستطيع قسد أن تحافظ نسبيا على تكتلها ضمن الحكومة السورية، وليس كما كانت تتمنى وترغب الحكومة بأن يكون هناك ضم فردي لقسد بشكل كامل
ويضيف أنّه وفقًا للمعطيات السياسية الحالية، يُحتمل أن تستمر الولايات المتحدة في جهودها لإدماج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن الحكومة السورية، إلا أنّه إذا حدثت تغييرات في الظروف السياسية على المستويين الدولي والإقليمي قد تفتح سيناريوهات جديدة.
محاربة الإرهاب
بالتزامن مع زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة أكدت وزارة الداخلية السورية، مواصلة عملياتها الأمنية في مختلف المحافظات في سوريا لملاحقة خلايا تنظيم (الدولة) “داعش”.
كما أعلنت الوزارة أن هذه العمليات جاءت بعد رصد دقيق لأنشطة التنظيم وتحديد مواقع تمركزه، وقد أسفرت حتى الآن عن توقيف عدد من المشتبه بهم وضبط مستودعات أسلحة وذخيرة.
يقول الباحث محمّد سليمان، لموقع تلفزيون سوريا، إنّ العمليات الأمنية التي قامت بها السلطات السورية ضد تنظيم داعش هي رسالة مباشرة إلى قيادة التحالف الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة، تفيد بأن سوريا جادة في ملف مكافحة الإرهاب ومحاربة داعش، وهي خطوات عملية ملموسة في ظل مخاوف من عودة التنظيم إلى الانتعاش بعد سقوط نظام الأسد المخلوع، ومع وجود آلاف المقاتلين المحتجزين في سجون الشمال الشرقي، فإن مثل هذه الحملات تعزز الثقة المتبادلة وتفتح أبواب التعاون العسكري والاستخباري.
ويضيف أنّ المداهمات جاءت يوم السبت 8 نوفمبر 2025، ضمن توقيت حاسم، مباشرة بعد وصول الشرع إلى واشنطن في اليوم نفسه وقبل لقائه الرئيس دونالد ترامب يوم الاثنين للانضمام الرسمي إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وهذا التزامن ليس مصادفة بل هو جزء من استراتيجية مدروسة تبدو كأنها مصممة لتعزيز صدقيّة سوريا أمام الشركاء الدوليين، خاصة أن الولايات المتحدة كانت قد أزالت اسم الرئيس الشرع من قوائم الإرهابيين يوم الجمعة الماضي ممهدة الطريق لهذه الزيارة الأولى لرئيس سوري في البيت الأبيض.

التحول الجيوسياسي
أصبح من الواضح، بحسب عبد الستار، أن الملف السوري، ومنطقة غرب آسيا بكاملها (منطقة سايكس بيكو)، قد أصبحت تحت السيطرة الكاملة للولايات المتحدة الأميركية، وهذا التحول بدأ يتضح بعد الحرب الروسيّة في أوكرانيا
يقول الدكتور عمر عبد الستّار، إن التحول في المنطقة يعني خروج أو تراجع نفوذ قوى دولية وإقليمية رئيسية من المعادلة السورية، وهي روسيا والصين وإيران، مشدّدا على أن النظام العالمي يتجه نحو نظام أحادي القطبية، وأن هذا القرار “دولي” و”نافذ”، ومشبّهاً إعادة تشكيل المنطقة بما حدث قبل الحرب العالمية الثانية.
ويرى أنّ المرحلة المقبلة ستشهد صعوداً لـ “الدولة السيادية” التي تتعامل وتتحالف مباشرة مع المجتمع الدولي والقوى العظمى، بما في ذلك دول مثل السعودية وإسرائيل وتركيا، وبالتالي فإنّ الاعتماد على الميليشيات والأذرع غير الحكومية -ومنها قسد- قد انتهى، إلا أتّه يتوقع أن تتشكل تحالفات محلية جديدة (مثل تحالف بين العرب السنة والأكراد) لتكون حلفاء محليين ضمن تحالف دولي أوسع تقوده الولايات المتحدة.
الإطار الزمني
وفي حين يتوقع عمر عبد الستّار أن ينعكس هذا التحول على دول الجوار، يشير إلى أن لبنان والعراق سيضطران للانضمام إلى هذا التحالف الدولي الجديد الذي يتجه نحو سوريا، يربط بين التطورات في العراق “مثل التحرش بمسعود بارزاني” وبين انعكاساتها المحتملة على الساحة السورية.
كما يحدد إطاراً زمنياً تقريبياً يمتد لعشر سنوات (من 2023 إلى 2033) لإعادة تشكيل المنطقة، مشيراً إلى أن كل مرحلة سابقة (القاعدة، داعش، الميليشيات) استغرقت من الولايات المتّحدة الأميركيّة نحو عشر سنوات.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى