
تحدّثت هيئة البثّ العبرية، الاثنين الماضي (10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025)، عن سعي إسرائيل لإسقاط النظام في إيران قبل نهاية ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في يناير/ كانون الثاني 2029. كما نشرت تصريحاتٍ لأكثر من مسؤول أمني إسرائيلي، أن “إيران بدأت إعادة بناء قوّتها العسكرية واستأنفت إنتاج صواريخ باليستية متطوّرة”. وإزاء النيات الإسرائيلية لاستهداف نظام المرشد الأعلى في إيران، لم يعد مُستغرَباً أن يستفيق المتابع على مشهدية استحضرت فيها طهران التاريخ، وأقامت نصباً تذكارياً وسط العاصمة، وسط حضور جماهيري واحتفاء بانتصار تاريخي لملكٍ فارسي على أعداء خارجيين، ضمن خطواتٍ اتّخذتها السلطات الإيرانية في أعقاب العدوان الإسرائيلي أخيراً، الذي استمرّ 12 يوماً. ويجسّد النصب التذكاري، وسط العاصمة، الملك الساساني شابور الأول على صهوة جواده، وبجانبه يركع الإمبراطور الروماني فاليريان الذي أسره الحاكم الفارسي في القرن الثالث الميلادي. ورُفعت صورةٌ ضخمةٌ في مكان الاحتفال، تُجسِّد محارباً فارسياً قديماً، وجندياً إيرانياً بزّي عسكري حديث، يمسكان الرمح ذاته، رُسمت عليه خريطة الجمهورية الإيرانية، وكُتب شعار: “ستركعون أمام إيران مجدداً”.
في ردّة فعلٍ أولية، يجد المتابع في إصرار طهران على نشر هذه الصورة، في هذا الوقت تحديداً، ربطاً للصراع الإيراني الدائر مع إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة، على اعتبار أن الحرب لم تنتهِ بحسب ما زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فالصورة التي تجسّد عظمة الإمبراطورية الفارسية ألهمت مخيّلات كثيرين مِمَّن أعادوا الرسم، ولكن بنموذجٍ آخر يتمثّل في أن شابور اليوم هو المرشد الأعلى، بينما الإمبراطور فاليريان يتمثّل اليوم في الرئيس الأميركي ترامب، فالرسالة من النصب واضحة، ولكن السؤال: من هم الذين سيركعون؟
من الطبيعي أن تكون الرسالة موجّهة إلى أعداء إيران، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وإسرائيل، وبعضهم يجد في خلفية المشهد السعودية، التي رغم التقارب الحاصل مع إيران، فإن الأمور ليست على ما يرام معها. هناك قضايا كثيرة شائكة بين البلدَين، وتتمظهر في حالة التباعد الحاصل بين السعودية وجماعة الحوثي في اليمن، التي اتهمت أخيراً الرياض بالشراكة مع واشنطن وتل أبيب في بناء شبكة تجسّس داخل صنعاء.
تشهد إيران اليوم صراعاً داخلياً على السلطة
الصورة ضبابية فوق النُصب؛ فإيران اليوم تشهد صراعاً داخلياً على السلطة، ومرحلة ما بعد المرشد الأعلى زادتها تعقيداً. فقد نقلت صحيفة كيهان الإيرانية عن مراقبين قولهم إن روسيا تنشئ حالياً تحالفات بين كبار قادة الحرس الثوري الإسلامي والأجهزة الأمنية، للتحضير لما بعد المرشد علي خامنئي، ويشيرون إلى أن الهدف هو خلق نموذج في إيران كالذي مكّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأجهزة الأمن الروسية من الاستيلاء على السلطة بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي. وبحسب الصحيفة، لقد تشكّل ما يُسمّى “التعاون الاستراتيجي” الذي يروّج له محبّو روسيا في يناير/ كانون الثاني 2025، عندما تسرّبت تفاصيل زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى موسكو ولقائه مع بوتين. وكان الموقع الإلكتروني لوزارة الخزانة الأميركية قد أكّد (في وقت سابق) أن خامنئي فوّض بعض مسؤولياته إلى مجتبى. ويُعتبر نجل خامنئي من المُرشَّحين المحتملين لخلافة والده، لكنّه ليس المُرشَّح الوحيد، ويواجه منافسةً من شخصيات أخرى. فعلى الرغم من أن منصبه الرسمي يقتصر على العمل في مكتب والده، تشير تقارير إلى أنه يمثّل والده بصفةٍ رسميةٍ في بعض الجوانب، ويمتلك نفوذاً وقدرات مالية ضخمة.
هناك جدّية في الذهاب نحو نقل السلطة في إيران، لا سيّما بعدما لمس النظام الإيراني القائم في حرب الـ12 يوماً مع إسرائيل أن الروسي لم يكن حليفاً يُستنَد إليه، وهذا ما عبّر عنه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من امتعاضٍ إيراني من الموقف الروسي الذي لم يكن على مستوى الحرب. هذا ما دفع النظام الديني في إيران إلى إعادة تمتين الحضور في المنطقة من خلال إعادة ترتيب أوراقه، من حزب الله في لبنان إلى “الحوثيين” في اليمن، وصولاً إلى المليشيات الشيعية في العراق، التي كرّست حضورها في الانتخابات العراقية التي أُقفلت صناديقها الثلاثاء الماضي.
لمس النظام الإيراني القائم في حرب الـ12 يوماً مع إسرائيل أن الروسي لم يكن حليفاً يُستنَد إليه
واضح أن الطريق ستكون مقطوعة أمام التعاون الروسي في الفترة ما بعد المرشد الأعلى، في حال وصل مجتبى، الذي يعمل في تمتين الحضور من خلال الدولة العميقة التي يشكّل هو أحد أركانها، الأمر الذي قد يضعه في مواجهة جدّية مع موسكو. فأمام هذا السيناريو المحتمل، وفي ظلّ التصعيد الغربي تجاه روسيا من خلال رفع مستوى العقوبات عليها، يسعى النظام الحالي إلى تهدئة الجبهة مع واشنطن من خلال العودة إلى طاولة المفاوضات.
وفي ظلّ حاجة روسيا إلى الاقتصاد الإيراني لتمويل حربها، هل سيكون الرئيس الروسي بوتين هو الإمبراطور فاليريان؟ أم ستنزلق الأمور بعد رحيل خامنئي نحو صراع على السلطة، ما يُعزِّز من رفع نصب الإمبراطور داريوس الثالث، الذي شهدت إمبراطوريته فوضى وسقوطاً؟
المصدر: العربي الجديد


