التحالف مع واشنطن.. المزايا والمخاطر

عدنان علي

رغم أجواء الاحتفاء والتفاؤل التي سادت زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة، والتي توجت باللقاء مع الرئيس دونالد ترمب، إلا أن النتائج العملية لهذه الزيارة قد لا تظهر سريعاً كما توحي التحليلات المتفائلة التي تعتمد على التقاط الصور وتعطي أهمية مبالغ فيها لكلام ترمب، الذي يثرثر كثيراً لكنه بطبعه يحبذ الأخذ أكثر من العطاء.
والزيارة التي تطرقت إلى كل الانشغالات السورية، تركزت بطبيعة الحال على استكمال رفع العقوبات الأميركية المتمثلة خصوصاً بقانون قيصر، لتمكين الدولة السورية من الانخراط مجدداً في المجتمع الدولي سياسياً واقتصادياً ومالياً. لكن مقابل هذا الرفع، تُطرح المقايضات في القضايا الأخرى، خصوصاً توقيع اتفاق أمني مع إسرائيل، إضافة إلى الانخراط في التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”.
الملف الذي يبدو أنه تأثر أكثر من غيره من جراء زيارة الشرع لواشنطن هو العلاقة بين دمشق و”قسد”، والتي سارعت بلسان قائدها مظلوم عبدي إلى الترحيب بانضمام الحكومة السورية إلى التحالف ضد داعش.
وإذا كانت النقطة الأخيرة ليست موضع خلاف، وجرى الإعلان فعلاً عن انضمام سوريا لهذا التحالف لتكون الدولة 90 فيه منذ إنشائه عام 2014، فإن الاتفاق مع إسرائيل لم ينضج بعد، وما زالت إدارة الرئيس ترمب تكيل بمكيالين في هذا المقام. ففي حين تعلن حرصها على وحدة سوريا واستقرارها وتقول إنها تريد إعطاءها فرصة، تعمد في الوقت نفسه إلى إرخاء الحبل لحكومة الاحتلال الإسرائيلي كي تواصل اعتداءاتها وتوغلاتها اليومية في الأراضي السورية، مع إعلانات متكررة من جانب تلك الحكومة بلسان بعض رموز التطرف فيها، عن نيتها مواصلة احتلال بعض المناطق التي سيطرت عليها بعد سقوط النظام السابق، سيما قمة جبل الشيخ، حتى في ظل اتفاق أمني جديد مع الجانب السوري.
وهذه اللعبة المزدوجة من جانب الولايات المتحدة ترمي في النهاية إلى ترويض الموقف السوري لتقبل الطروحات الأميركية الساذجة بشأن ما يسمى بالاتفاقيات الإبراهيمية، وضرورة انضمام سوريا إليها، برغم التوضيحات المتكررة التي قدمها الرئيس الشرع بأن لسوريا وضعاً مختلفاً عن بقية الدول التي انضمت لهذه الاتفاقيات، باعتبار أن لديها أراضٍ محتلة من جانب إسرائيل عام 1967، ولا يمكنها تالياً التطبيع معها ما لم تتم تسوية هذه القضية.
غير أن الملف الذي يبدو أنه تأثر أكثر من غيره من جراء زيارة الشرع لواشنطن هو العلاقة بين دمشق و”قسد”، والتي سارعت بلسان قائدها مظلوم عبدي إلى الترحيب بانضمام الحكومة السورية إلى التحالف ضد داعش، والإعلان عن جولة تفاوض جديدة في دمشق لتسريع اندماج “قسد” ومؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية في الدولة السورية. ومن المتوقع أن يحرز هذا المسار تقدماً حتى نهاية العام الجاري بعد أن أخذت “قسد” وقتها في المماطلة ومحاولة تعديل اتفاق 10 مارس/آذار أو طرح مفاهيم جديدة لعملية الاندماج على نمط اندماج الدولة السورية في “قسد” وليس العكس. وقد اتضح اليوم لأصحاب القرار في شمال شرقي سوريا أن الرياح الدولية، والأميركية تحديداً، تهب في اتجاه مساند للحكم الجديد في دمشق، وأنه لا فائدة من مواصلة المماطلة، خصوصاً أن القيادية في “قسد” إلهام أحمد حاولت الوصول إلى الولايات المتحدة خلال زيارة الشرع، بغية القيام بزيارة موازية أو الانضمام إلى الوفد الحكومي السوري، لكن السلطات الأميركية لم تبت بطلبها طوال فترة الزيارة، بغية عدم التشويش عليها عبر لقاءات تجريها أحمد مع أعضاء في الكونغرس أو مسؤولين آخرين.
إن التحول الاستراتيجي العميق في العلاقة مع الولايات المتحدة يحمل بالطبع مكاسب استراتيجية لسوريا ويضعها في قلب معادلة إقليمية جديدة.
وقد جرى ولا شك التأكيد خلال الزيارة على القضايا الأخرى المثارة على الساحة السورية مثل توسيع المشاركة في الحكم، وإشراك الأقليات، والتحقيق في الانتهاكات.. إلخ. مع ملاحظة أن نجل الشيخ حكمت الهجري، سلمان، سبق الشرع في الوصول إلى الولايات المتحدة، وحاول الاجتماع مع قيادات في الكونغرس الأميركي لإقناعهم بعدم رفع العقوبات عن سوريا وربط ذلك بمسألة السويداء، لكنه لم يحقق نجاحاً يذكر.
ومع هذه العناوين للزيارة وغيرها، يبقى الأهم، ليس كونها أول زيارة لرئيس سوري للعاصمة الأميركية منذ استقلال البلاد عام 1946 فحسب، بل ما بُث خلالها من رسائل تفيد برغبة سورية جامحة بالانتقال إلى “المعسكر الغربي” أو التحالف مع الولايات المتحدة، والقطيعة مع عقود من التحالفات في الجهة المقابلة، أي المعسكر الشرقي. ورغم أن هذه التسميات لم تعد ذات معنى اليوم، بعد انفراط عقد المعسكرين أصلاً، إلا أن العالم ما زال ساحة للاستقطاب السياسي بين محاور عدة، بعضها متبلور مثل الذي تقوده الولايات المتحدة، وإن كان غير متجانس سياسياً تماماً، وأخرى قيد الانفراط مثل محور روسيا وإيران، أو قيد التشكل مثل الصين وباكستان.. إلخ.
فيما يخص التحالف مع الولايات المتحدة، ينبغي الحذر من أن الأمر قد لا يتعلق بمحاربة تنظيم “داعش” فقط، وهذا أمر لا مشكلة فيه لدى الحكم في دمشق، والذي سبق له بالفعل محاربة التنظيم في أوقات مختلفة سابقاً، لكن قد يجري توسيع تفسيره على نحو محرج لدمشق، كأن يُطلب من سوريا الانخراط في حرب أو العمل ضد حزب الله في لبنان، والمجموعات الجهادية في شمالي سوريا، والفصائل الفلسطينية التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة كفصائل إرهابية، إضافة إلى فصائل عراقية رديفة محسوبة على إيران. وهذا بطبيعة الحال لا تتطلع إليه الإدارة في دمشق، أو هي في غنى عنه من دون شك.
إن التحول الاستراتيجي العميق في العلاقة مع الولايات المتحدة يحمل بالطبع مكاسب استراتيجية لسوريا ويضعها في قلب معادلة إقليمية جديدة، لكنه يحمل في الوقت نفسه مخاطر عدة، ويهدد بجعل البلاد رهينة لضغوط خارجية لا تراعي الحساسيات المحلية أو قد تغضب بعض الحلفاء الإقليميين، وكل ذلك يهدد أيضاً بخسارة القرار الوطني المستقل.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى