حليف منذ 2016… الشرع قاتل “داعش” مع الأميركيين سراً

في تحول لافت في السياسة السورية الجديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد، أعلنت حكومة الرئيس أحمد الشرع التزامها الرسمي بالانضمام إلى الجهود الدولية لمحاربة تنظيم “داعش”، في خطوة وصفتها صحيفة “نيويورك تايمز” بأنها “تتويج لتعاون سري بدأ منذ عام 2016 بين الشرع والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة”.
وجاء الإعلان عقب زيارة الشرع الأولى إلى البيت الأبيض الاثنين، ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث بحث الطرفان “تعزيز التعاون السياسي والأمني في مكافحة الإرهاب”، وفق ما أعلن وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى في مؤتمر صحفي بدمشق.
وقال المصطفى إن الرئيس الشرع وقع إعلان تعاون سياسي مع التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، مشيراً إلى أن “سوريا الجديدة، بعد طي صفحة الاستبداد والحرب، تنضم رسمياً إلى الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب العابر للحدود”.

من “قائمة الإرهاب” إلى الشراكة
يُعدّ هذا الإعلان مفصلاً تاريخياً في مسيرة الشرع، الذي كان حتى عام 2023 موضوعاً على قائمة المطلوبين للولايات المتحدة، مع مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله. فالشرع، الذي اعتقلته القوات الأميركية في العراق قبل أكثر من عقد، أسس لاحقاً فرع تنظيم القاعدة في سوريا قبل أن يفك ارتباطه بالقاعدة ويقود فصائل المعارضة المسلحة التي أطاحت ببشار الأسد أواخر عام 2024، وفق الصحيفة الأميركية.
ونقلت “نيويورك تايمز” عن دبلوماسيين غربيين أن الشرع “بدأ تعاوناً استخباراتياً غير معلن مع التحالف الدولي منذ عام 2016، حين كان يسيطر على مناطق في شمال غرب سوريا ضمن هيئة تحرير الشام -جبهة النصرة سابقاً-“.
وقال معاذ مصطفى، رئيس “فريق الطوارئ السوري” في واشنطن، إن الأجهزة الأمنية السورية بدأت منذ تشرين الثاني/ديسمبر الماضي التعاون الميداني مع التحالف الدولي في عمليات ضد خلايا “داعش”، مضيفاً أن هذا التعاون شمل تبادل المعلومات وتنفيذ مداهمات في دير الزور والبادية.

جذور التنظيم وصعوده
وتعود جذور تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى ما بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حين تشكل كفرع لتنظيم القاعدة قبل أن يتمدد إلى سوريا عام 2013، وفي عام 2014، أعلن زعيمه أبو بكر البغدادي “الخلافة الإسلامية” من الموصل، وجعل من مدينة الرقة السورية عاصمة لدولته.
وبلغ التنظيم أوج قوته بين عامي 2015 و2016، حيث سيطر على مساحات واسعة، وأدار نظاماً دموياً اعتمد على الإعدامات الميدانية والاستعباد، ونفذ هجمات في الشرق الأوسط وأوروبا.
لكن التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وبالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، شن حملة عسكرية واسعة انتهت باستعادة الرقة في أكتوبر 2017، ثم سقوط آخر معاقل التنظيم في بلدة الباغوز شرق سوريا في مارس 2019.

خطر مستمر رغم الانهيار
ورغم هزيمة التنظيم عسكرياً، ظلت خلاياه النائمة تنشط في البادية السورية ومناطق الشرق، ونفذت خلال السنوات الماضية عمليات ضد قوات النظام و”قسد” على حد سواء.
وقال العقيد ضرار الشملان، رئيس قوى الأمن الداخلي في محافظة دير الزور، إن “قواتنا ألقت القبض على العديد من خلايا داعش خلال الأشهر الأخيرة، ونحن نعرفهم أكثر من أي أحد”.
وهزّ تفجير انتحاري كنيسة مار إلياس في دمشق أثناء قداس، في حزيران/ يونيو الماضي، ما أدى إلى مقتل أكثر من 25 شخصاً. وأعلنت الحكومة اعتقال الخلية المنفذة، فيما تبنت مجموعة تُسمى “أنصار السنة” الهجوم، في ما اعتبره محللون انشقاقاً جديداً عن تنظيم “داعش”.
وقال ناطق باسم “أنصار السنة” للصحيفة الأميركية إن مجموعته “لا تبايع داعش حالياً، لكنها قد تفعل إذا توافرت الظروف”، وهو ما أثار قلقاً لدى أجهزة الأمن السورية التي تراقب تصاعد نشاط هذه الجماعات في المناطق الريفية.

تعاون استخباراتي مستمر
تقول “نيويورك تايمز” إن القوات الأميركية تواصل تنفيذ عمليات دقيقة ضد قيادات “داعش” في سوريا بالتنسيق مع أجهزة الأمن التابعة لحكومة الشرع، مشيرة إلى أن هذا التعاون يمتد من شرق الفرات إلى أطراف البادية.
وكان أبو بكر البغدادي قد قُتل في أكتوبر 2019 خلال عملية أميركية شمال غرب سوريا، داخل منطقة كانت تسيطر عليها فصائل بقيادة الشرع نفسه، الذي كان قد قطع صلاته بتنظيم القاعدة وشن حرباً على “داعش” في إدلب وحماة.
وبحسب الصحيفة، فإن التقارب الأميركي–السوري الأخير يعكس تحولاً في مقاربة واشنطن تجاه دمشق بعد سقوط نظام الأسد، إذ تراهن الإدارة الأميركية على حكومة الشرع “كشريك واقعي” في محاربة التنظيمات المتشددة ومنع عودتها إلى الساحة.
خطوة نحو إعادة التأهيل الدولي
ويرى تقرير أن إعلان الشرع التعاون مع التحالف الدولي يشكل جزءاً من استراتيجية لإعادة تأهيل حكومته سياسياً على الساحة الدولية، بعد سنوات من العزلة التي رافقت الحرب السورية.
ويقول باحثون غربيون إن الشرع يسعى إلى تقديم نفسه كزعيم براغماتي قادر على استقرار البلاد وتحييد التهديد الجهادي، خصوصاً بعد نجاحه في توسيع سيطرته نحو وسط سوريا وبناء مؤسسات أمنية موحدة، كما أن زيارة الشرع لواشنطن “قد تمهد لمرحلة جديدة من التعاون العسكري والسياسي بين الطرفين”، بعد عقد من القطيعة والصراع، مضيفاً أن “الولايات المتحدة باتت ترى في دمشق الجديدة شريكاً ضرورياً في الحرب الطويلة على الإرهاب”.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى