على الرغم من تفاقم الجوانب الانسانية للمسألة السورية، وتعاظم الإجرام الروسي الذي دخل عامه السادس في بلدنا المنكوب، واستمرار جزار الشام في التفنن بتعذيب شعبنا، بلا رقيب ولا حسيب، وإجرام إيران وعصاباتها في عموم المنطقة، فإن القضية بقضها وقضيضها تبدو خارج اهتمام المرشحين الاثنين الديمقراطي والجمهوري للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، باستثناء بعض الزوايا الثانوية. وهذا مؤشر مقلق، يثير مخاوفنا الجدية، لا سيما إذا فاز جوزيف بايدن الذي شغل منصب نائب باراك أوباما في سنواته الثماني العجاف، ويتحمل مسؤولية سياسية واخلاقية عن سياسة الادارة التي منحت الايرانيين الضوء الأخضر للتوسع في سورية، وسلمتهم أطنانا من الدولارات مكنتها من تمويل عصاباتها الارهابية في المنطقة، ولحسن الخط الأحمر الذي رسمه اوباما إزاء استعمال السلاح الكيماوي بعد مجزرة الغوطة عام 2013 رغم التهديدات الطنانة المسبقة.
تفيد التقارير الأولية أن فريق المرشح الديمقراطي بايدن يتبنى فلسفة رئيسه السابق باراك أوباما الذي كان يؤمن بأن “الدبلوماسية” يمكن أن تكون أداة فاعلة في السياسة الخارجية تحل محل القوة العسكرية في الأزمات المعقدة. وهذا القول يشي بالانقلاب على سياسة استعمال العصا الغليظة، والحد الاقصى من الضغوط على إيران والأسد وعصاباتهما التي سار عليها ترامب بثبات.
لا نقول إن سياسة ترامب كانت كافية لردع المجرمين الثلاثة، ولكنها كانت حتما أفضل من سياسة أوباما. فالرئيس الذي وصفه خصومه الاميركيون بالجنون منذ اليوم الأول بعد فوزه عام 2016، وحاولوا عزله من خلال القضاء، كان في نظرنا نحن السوريين، وبكل أسف، أكثر عقلا وحكمة من ذلك المثقف والخطيب المفوه القادم من أرقى جامعات أميركا وحامل أعلى درجة في القانون!
حتى الآن لم تحظ القضية السورية بكل ملفاتها الانسانية والاستراتيجية سوى بثلاث اشارات عرضية في تصريحات بايدن وفريقه. الأولى اشارة غير مباشرة الى أنهم سيحتفظون بالقوة العسكرية الصغيرة في الشمال السوري لحماية الأكراد، ما يعني أن المهم لهم حماية ” قسد ” وحسب. والثانية أن بعض المسؤولين البارزين في ادارة أوباما موجودون ضمن فريق بايدن، وأحدهما (ستيفن سايمون) كان قد عارض فرض عقوبات على نظام الأسد في السابق، وزار الاسد في دمشق بعد مغادرته الحكم. وأحدهما (توني بلينكن) كان نائبا لوزير الخارجية كيري ومؤثرا في السياسة الخارجية تجاه الملف السوري، حتى مطلع عام 2017.
والثالثة أن فريق بايدن رغم اشادته بقانون قيصر، إلا أنه عبر عن عزمه على حشد دول العالم لإعادة بناء سورية، أي تحقيق أكبر ما يتمناه الطغاة الثلاثة!
وفي ضوء هذه الاشارات الثلاث يتضح لنا لماذا تراهن إيران وحلفاؤها وبعض الدول الغربية على فوز بايدن، وهزيمة ترامب.
وفي ضوء هذه الحقائق أيضا نرى نحن السوريون أن قضيتنا، ومعها قضايا وملفات المنطقة التي عانت وتعاني من الاحتلال والتوسع الاسرائيلي أولا، ثم الغزو والارهاب الايراني، للعراق ولبنان واليمن مهددة بنكسة كبيرة، وتهميش، لا يستفيد منه غير هؤلاء الثلاثة المجرمين بوتين وخامنئي والأسد. ولذلك يمكننا فهم لماذا يحبسون أنفاسهم بانتظار الثالث من نوفمبر بفارغ الصبر، ويحلمون بخروج ترامب من البيت الابيض، ودخول بايدن الذي يتكتم على موقفه الحقيقي من الاتفاق النووي الذي كان عرابه اوباما ووزير خارجيته كيري المحسوبين على اللوبي الايراني، ويمثل الآن العنصر الجوهري في لائحة الخلافات بين ترامب وفريق بايدن المليء بمسؤولين سابقين من رجال اوباما.
وعلينا ألا ننسى أن هناك دولا باتت قادرة ومعتادة على التلاعب بالانتخابات الاميركية، وعلى رأسها روسيا حليفة إيران، وهي متمسكة بقوة بالاتفاق النووي المشؤوم، ولها مصلحة أن تتعاون حتى مع غالبية الدول الأوروبية كفرنسا والمانيا وبريطانيا لكي يخسر ترامب ويخرج من البيت الابيض، وتعود المياه الى مجاريها مع إيران!
وفي الواقع إن الشعوب العربية كلها لا السوري فقط باتت ضحية تقلبات الأمزجة الشعبوية الاميركية ومصالح ساستها المنقسمين بين الولاء الأعمى للوبي الصهيوني من ناحية أولى، والرغبة الجامحة لاستعادة إيران الى حظيرة الحلفاء، ولو بالاستجابة لسياسة الابتزاز والارهاب التي تمارسها إيران من ناحية ثانية. بدون حساب لمصالح العرب ومصالح الشعوب الايرانية المحتلة.
في عصر أوباما بلغ التغول الايراني مداه الاقصى، وفي عهد ترامب بلغ التغول الصهيوني مداه الاقصى، وفي الحالتين، أثبتت الولايات المتحدة أنها لا حليفة ولا صديقة للعرب، بل صديقة وحليفة لأعدائهم. وعليه فإن عودة (الديمقراطيين) بقيادة بايدن هي أسوأ تطور يمكن أن يحل بالسوريين، وبالعرب كلهم. وعودة (الجمهوريين) بقيادة ترامب وفريقه هي اسوأ ما يمكن أن يحل بالفلسطينيين وبالعرب كلهم. وهكذا فكل العرب متضررون من الساسة الأميركيين جمهوريين وديمقراطيين.