معضلة المقاتلين الأجانب في سورية

عمار ديوب

لا تؤمن الجماعات الأجنبية الجهادية بمفهوم الدولة الوطنية؛ فهي جاءت إلى سورية لمحاربة “نظام الكفر” وللوصول إلى دولة الخلافة، وقد وجدت نفسها أمام معضلة كبيرة مع رحيل سلطة بشار الأسد، فهيئة تحرير الشام، والرئيس أحمد الشرع بالتحديد، لم يتكلما عن دولة الخلافة منذ 8 ديسمبر (2024)، وأكد الشرع أن مرحلة الثورة، انتهت، وبالتالي، يجب أن تتفكّك تلك الجماعات، وتنضوي في مشروع بناء الدولة. وافقت بعض تلك الجماعات، وإن لم تغيّر قناعاتها، وأُشركت بالجيش، وأخرى رفضت ذلك، كمجموعة الغرباء، بقيادة عمر ديابي.
قبل الوصول إلى دمشق، اعتُقل الرجل، في 2021 أكثر من عام، ومنذ 2013، لحظة وصوله إلى إدلب، أقام مخيّماً خاصاً به، وهو حال أغلبية الجماعات الجهادية. وتفيد تقارير صحافية بأنّه جنّد أكثر من ألفَي مقاتل من فرنسا، للقتال إلى جانب جبهة النصرة. ولكنّه، ومع تحولاتها نحو فتح الشام، ولاحقاً هيئة تحرير الشام، وانفصالها عن تنظيم القاعدة، يبدو أن هذا كلّه لم يرق للقيادي الجهادي الفرنسي. مع وصول أحمد الشرع إلى السلطة، ومباشرته بإقامة علاقات قوية مع الدول، ومنها فرنسا، وأخيراً روسيا، وبدء التنسيق الأمني مع التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، فإنّ جماعات جهادية أجنبية كثيرة، ومنها جماعة عمر ديابي، شعرت بالخطر، واحتمال استهدافها وبالشراكة مع سلطة دمشق الجديدة.
كان واضحاً، وبغضّ النظر عن الجانب المتعلّق بالموضوع الجنائي واختطاف فتاة من مجموعةٍ تابعة لديابي، أن المسألة أعقد من ذلك، وهو ما استغله الأخير ليدعو الفصائل الأجنبية إلى مناصرته، وقد أعلن بعضها التضامن معه، ويشار هنا إلى أن المجموعة الفرنسية تراجع عددها ولا تزيد عن 75 شخصاً، ومعهم عائلاتهم. وبالتالي؛ هناك تفكيك واسع لها، وبَدأ منذ سنوات، وقبل سقوط النظام.
تواجه السلطة مشكلات تتعلّق بكيفية ضبط السلاح
تدخلت قيادات أوزبكية، وتركستانية، قائد الفرقة 84 التركستاني، وقيادات من طاجيكستان، وممثلٌ عن وزارة الدفاع هو أبو عبدو طعوم، وتوقفت العملية العسكرية ضدّ المخيم، وكانت نتائجها لصالح السلطة. ويؤشر الاجتماع بوساطة “أجنبية” إلى أن السلطة لم تحسم أمرها، وهي في كل الأحوال تعتمد منهجية التدرّج بذلك، بإنهاء ظاهرة الفصائل الأجنبية، بل واستعانت بها، كما ذكرنا. وانبرى إعلاميو السلطة للتأكيد أن القضية جنائية، وأن المقاتلين الأجانب جزءٌ من الجيش، وليس لهم مشاريع خاصة. هنا، تخطئ السلطة بالاستمرار بالدفاع عن الفصائل الأجنبية، فهي فصائل جهادية، وسورية ليست أرضها الأصلية ولا هي تعتبرها كذلك. وبالتالي؛ ليس لديها مشروع وطني سوري، وهناك مطالبات دولية، وأميركية بصفة خاصة لإبعاد الأجانب ولا سيّما عن قيادات الجيش، وعن الجيش بعامة، وهي مطالب كل من روسيا والصين وفرنسا وكل الدول الأجنبية، وقبل ذلك هو مطلب سوريين كثيرين.
تواجه السلطة مشكلات تتعلّق بكيفية ضبط السلاح مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والسويداء، وتخشى فتح المعركة مع الأجانب، ولكن رغبتها بتوطيد علاقاتها الدولية، تحثها على تفكيك فصائل الجهاديين. إنّ مؤازرة بعض الفصائل الأجنبية لعمر ديابي وعبر تسجيلٍ مصوّر، أوضحت أنّها تشكّ في توجهات السلطة، وصرح ديابي أنّ السلطة قد تستجيب للضغوط الفرنسية لتسليمه.
… هي ورطة كبيرة أمام الشرع إذاً. ولكن مصالح السلطة والتوافقات الدولية وإعادة الإعمار، تستدعي “الخلاص” من الفصائل الأجنبية، وليس عبر السردية السابقة أعلاه، بل عبر تفكيكها، وسحب السلاح، وإبعادها عن الجيش، ووضعها تحت المراقبة وإبقائها في سورية باعتبار أنّ أغلبية الدول ترفض إعادتهم إليها، وهي من سهلت لهم الوصول إلى سورية منذ 2012، أي للخلاص منهم. وتوافق بعض تلك الدول على إعادة النساء والأطفال فحسب، وفي حال عودة الرجال يُعرضون على المحاكم، ويسجنون فترات طويلة، وهذا سيكون مصير عمر ديابي، المطلوب دولياً بوصفه إرهابيّاً منذ عام 2016 والأجانب كافّة.
استمرار سياسة الدمج السابقة للأجانب في الجيش أعاقت انتقاله إلى أن يصبح جيشاً وطنياً، إلى أن ينتقل نحو عقيدة وطنية
إذاً؛ لم تكن صحيحة خطة السلطة في دمج الأجانب في الجيش، وصار يجب إبعادهم عن الجيش، وهذا يتلاقى مع المطالب الدولية والمحلية، وفي الوقت نفسه، “يريح” السلطة من الضغوط الدولية لهذا السبب، ويعطيها دعماً دولياً، باعتبارها وجدت حلاً حقيقياً لجماعات جهادية كانت تتحالف معها. ما زال موضوع إعادة تشكيل الجيش موضوعاً معقداً، وانقضت أكثر من عشرة أشهر ولم يتأسس على عقيدة وطنية، ولم تنحل الفصائل على نحوٍ حقيقي، وأَحرجوا السلطة في مجزرتَين كبيرتَين، وخلقوا نفوراً كبيراً لدى الأقليات الدينية باعتباره جيشاً “إسلامياً”، والأسوأ أن السلطة لم تلجأ لجهة حيادية، وأقصد تسليم الضباط المنشقّين مهمّة تلك الإعادة. قضية تأسيس الجيش في المرحلة الانتقالية مسألة سيادية ووطنية، وهي معيار لوطنية السلطة والدولة كذلك، وبالتالي، ستبدو كل أسْلَمَة للجيش إبعاداً لبقية الأقليات وللفئات العلمانية، ولكثير من الأوساط المجتمعية السورية عن الجيش وعن الدولة.
كيف ستتصرّف السلطة إزاء معضلة الأجانب؟ هل بالاستمرار كما فعلت في الأشهر السابقة، وتبيّن أنّه مسار خاطئ، واستجابة مجموعات أجنبية لنداء عمر ديابي. لا شكّ أنها معضلة كبرى، سيّما أنها جماعات مدرّبة عسكرياً على نحوٍ كبير، ولا يمكن تفكيكها بسهولة. وهناك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي سيشكل جاذبية لبعضٍ منها كما تقول تقارير صحافية، وأختلف معها بذلك، فالفصائل التي كانت لدى هيئة تحرير الشام لديها عائلات، وليسوا أفراداً عزّلاً، وعاينت حياة الاستقرار. وبالتالي؛ ستميل إلى أن تحل نفسها على الالتحاق بـ”داعش”، أو أن تتبنّى موقفاً متشدّداً من السلطة. وبالتالي؛ المشكلة الحقيقية هي في رؤية السلطة إلى هذه الجماعات. ورغم كل الأسباب لتوخّي الحذر تجاه تفكيكها، فإنّ استمرار سياسة الدمج السابقة للأجانب في الجيش أعاقت انتقاله إلى أن يصبح جيشاً وطنياً، إلى أن ينتقل نحو عقيدة وطنية، إلى أن يكون أحد أعمدة السيادة الوطنية. وبالتالي؛ مصلحة السلطة وسورية في إبعاد الأجانب عن الجيش، وتحويلهم إلى مدنيين، وتسليم الضباط المنشقّين عملية إعادة تشكيل الجيش، بدلاً من إرسال الضباط الجدد إلى كل من تركيا والسعودية للتدريب على العلوم العسكرية، وهذا سيُسهل عملية إدماج فصائل السويداء أو “قسد” كذلك.
هل يستطيع ذلك أحمد الشرع؟ ليس التأخّر في ذلك في مصلحة السلطة الجديدة. كل المشكلات المتعلقة بموضوع تأسيس الجيش، والاحتلال الصهيوني، وتخوفات الأجانب، وفصائل السويداء و”قسد” تتطلب الانتقال إلى جيشٍ وطنيٍّ، وهي قضية سيادية ووطنية بامتياز.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى