
إن ما نشهده اليوم من انقسامات عربية، وتفتت الأمة إلى كيانات عشائرية وطائفية ومذهبية تتصارع فيما بينها على السلطة، وتتصارع مكوناتها العرقية والطائفية على مكاسب وامتيازات خاصة، في تدمير ممنهج للسلطة المركزية، شبيه بالانقسامات التي حدثت إبان العصر العباسي الثاني وما بعده، حين ظهر العديد من الدول المستقلة أو شبه المستقلة عن الخلافة المركزية في بغداد؛ مثل دولة السلاجقة في الشام وإيران ، ودولة الفاطميين في مصر، ودولة الأغالبة في المغرب، والدولة البويهية في فارس والعراق، والدولة الحمدانية في حلب. وغيرها كثير يذكرنا بدور الحركات الشعوبية التي ناهضت الحكم العربي منذ عصر بني أمية حتى نهاية الدولة العباسية ، تلك الحركات التي تختفي فترة من الزمن، ثم تعود للظهور في حُللٍ جديدة منمقة، حين تتوفر لها ظروف العودة ، من حيث الأوضاع الداخلية غير المستقرة غالباً، ومن الأوضاع الخارجية المرتبطة بدعم أعداء جاهزين للانقضاض في مرحلة الضعف الوطني والقومي.
اليوم، أمام الذكرى الخامسة والخمسين لغياب القائد العربي الكبير جمال عبد الناصر، تقف الأمة العربية على رمال متحركة من المحيط إلى الخليج، تتنازعها التيارات الطائفية والمذهبية المليئة بأكاذيب التاريخ وأساطيره، وبتأليف الرواة المأجورين، وكأن الأديان محصورة في هذا الجزء من العالم، وكأن عبادة الله أصبحت وكالات حصرية لرجال الدين على اختلاف مشاريعهم وانتماءاتهم وفِرقهم !!
ناهيك عى الأطماع التوسعية للقوى الإقليمية المحيطة بالوطن العربي ، بدءاً بإسرائيل مروراً بإيران وصولاً إلى تركيا، التي تحاول كل منها قضم ما استطاعت من الأرض العربية، لاعبةً على تناقضات ابتدعها المحتل الأميركي للعراق وأسماها “مكوّنات”، عاثت فساداً ونخر سوسها المجتمع الواحد ما سهّل مهمة الأعداء؛ فإسرائيل تدعم من يطلب النجدة من الأقليات!! وتركيا تزعم الدفاع عن السنة ، أما إيران فهي تسعى إلى جمع الشيعة تحت رايتها الفارسية خدمة لأغراضها الإقليمية ولتوسيع نفوذها في المحيط.
وثالثة الأثافي ، في تنطّح بعض الدول العربية الصغيرة للعب أدوار لا تُناسب أحجامها، بل تتناسب فقط مع قدراتها المالية، ودورها المرسوم بدقة لا يتعدى العبث بأمن دول عربية مركزية في المشرق والمغرب، وقد تتجاوز ذلك الدور أحياناً في مشاركتها الدول التي تحارب العرب سراً أو علانية؛ والهدف البعيد لحركتها المشبوهة هو تمزيق الدول الأكبر، تمهيداً لضرب جمهورية مصر العربية جيشا وشعبا ومؤسسات، بعدما ساهمت في تمزيق النسيج الاجتماعي في دول السودان وليبيا والعراق ولبنان وسوريا؛ وبالتالي فالخطة تقتضي جر العرب جميعهم إلى الاتفاقات الإبراهيمية التي تشكل محطة خطيرة في تقسيم تاريخ وجغرافيا الامة العربية الواحدة .
وأمام تاريخ ٢٨ أيلول ٢٠٢٥م، في الذكرى الرابعة والستين لإجهاض أول وحدة عربية في التاريخ الحديث بين مصر وسوريا، ندعو لإنهاء مسيرة الوقوف على الأطلال وتمجيد الماضي، ثم التوجه إلى عقلنة الخطاب القومي، عبر طروحات تتناسب مع التطور العالمي، وأبرزها:
– تكريس التضامن العربي والسعي الجاد إلى تفعيل مؤسسات الجامعة العربية، لوقف التشتت الحاصل.
– الدعوة إلى الولايات المتحدة العربية لتكون بديلاً من الدعوة إلى وحدة عربية إندماجية مستحيلة التحقيق.
– الدعوة إلى إقامة سوق عربية مشتركة، سعياً إلى تشكيل اقتصادي يوازي اقتصادات الدول الكبرى عالميا.
– تطوير معاهدات الدفاع العربي المشترك، كمصلحة قُطرية وقومية معًا
– إصدار عملة عربية مشتركة، وجواز سفر عربي مشترك،
على غرار دول الإتحاد الأوروبي.
– محاربة الأفكار الدينية المتطرفة، وإعلاء شأن المواطنة بعيداً عن الكهنوت إلى أي طائفة انتمى.
.العمل الجاد على صون الحريات العامة وإعلاء شأن المواطن العربي، وصون حقوقه التزاما بالقوانين والانظمة التي تكفل ذلك.
باختصار؛ من الواجب أن نتوافق مع العصر الذي استطاع تطوير الإيديولوجيات، وجعلها أداة لرفاهية الشعوب، لا غاية يسعى إليها الطامحون، ولا مطيّة يستخدمها المغامرون، علّنا نجعل للذكرى وقعاً مختلفا وايجابياً.