
تجدّدت في دمشق، خلال الأيام الماضية، احتجاجات بمناسبة مرور ثلاثة عشر عاما على صدور المرسوم 66، الذي أُزيلت بموجبه مئات المنازل لإقامة منطقتين تنظيميتين جديدتين هما ماروتا سيتي وباسيليا سيتي.
وصدر “المرسوم 66” في 18 أيلول/سبتمبر 2012، والذي ينصّ على إحداث منطقتين تنظيميتين، إحداهما في جنوب شرق المزة (المزة ـ كفرسوسة) وأُطلق عليها لاحقًا اسم “ماروتا سيتي”، وتشمل أحياء: الفارِوق، المصطفى، جامع النذير، الطرابيشي، فرن الحسن، وغيرها، وهي ما يُعرف تاريخيًا بـ بساتين المزة وكفرسوسة خلف الرازي، أما الثانية فيطلق عليها “باسيليا” وتقع جنوب المتحلق الجنوبي، وتضم مناطق “كفرسوسة اللوان، جامع الهادي، داريا، بيادر نادر، نهر عيشة، القدم، عسالي، جورة الشريباتي، الدحاديل، بساتين الشاغور”.
ويقول مدير رابطة إسقاط المرسوم 66 “رضوان الغفير”، إن الرابطة تأسست بعد سقوط النظام، للمطالبة بإيقاف تنفيذ المرسوم الذي اعتبره أداة للتهجير القسري والقتل والاعتقال، إذ استخدمه النظام المخلوع لتفريغ الأحياء الثائرة من سكانها ومعاقبتهم بسلب أراضيهم.
ما سبب المطالبة بإسقاط المرسوم؟
يوضح الغفير أنهم كانوا يتوقعون إلغاء المرسوم بعد سقوط النظام نظراً لإجحافه، إلا أن محافظ دمشق ظهر بعد التحرير بعشرين يوماً ليعلن أن المشروع “حضاري” ويحاكي مشاريع الدول المتقدمة مثل الإمارات، مؤكداً في الوقت نفسه رغبته في إعادة دراسة المرسوم وإنصاف المتضررين. لكن أصحاب الأراضي، ومنهم الغفير، تمسكوا بحقهم في استرداد أملاكهم في إطار العدالة الانتقالية، معتبرين تهجيرهم قسراً والاستيلاء على أراضيهم جريمة حرب ممنهجة لا ينبغي للحكومة السورية إقرارها أو الاستمرار في تنفيذها.
وبحسب مقاطع مصوّرة، صرّح المحافظ في البداية برغبته في حل الإشكال المجتمعي حتى لو على حساب حصة المحافظة، وأكدت المحافظة حينئذ تشكيل لجنة تضم ممثلين عنها وعن وزارة الإسكان والأشغال العامة لدراسة مطالب المتضررين ورفع بدلات الإيجار. لكن الموقف تغيّر لاحقاً ليظهر توجه نحو الإسراع في تنفيذ المشروع وتذليل العقبات أمام المستثمرين.
ويؤكد الغفير في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، باعتباره أحد المتضررين، أنه كان يملك مع إخوته أرضاً تضم أربعة منازل في حي جامع النذير. ويقول إن النظام خلال الحراك الشعبي استهدف عائلات كاملة بالاعتقال والتهجير، حيث اعتقل أفرادا من أسرته في حين اضطر الباقون لمغادرة المنطقة عام 2012. ويضيف أن قانون مكافحة الإرهاب الذي صدر آنذاك استخدم لمصادرة أملاك الناشطين والثوار، وكان المرسوم 66 غطاءً قانونياً لتلك الممارسات عبر الهدم الكامل للأحياء وإجبار أصحاب العقارات على الحضور لإثبات ملكيتهم رغم المخاطر الأمنية.
وأشار الغفير إلى أن شقيقه المغيب قسراً صودرت أملاكه بموجب قانون الإرهاب، وأن أملاك عائلته حُولت إلى المزاد العلني وأُدرجت كأسهم ضمن شركة “دمشق القابضة”. وتبلغ مساحة أراضيهم نحو 1150 متراً مربعاً تضم أربعة منازل، لم يتمكنوا حتى اليوم من استردادها أو تثبيت ملكيتها، بحسب قوله.
وأوضح أن الأحياء التي هُدمت في بساتين المزة وكفرسوسة شملت “الفاروق، المصطفى، جامع النذير، الإخلاص، الطرابيشي، فرن الحسن وغيرها”. وأضاف أن بعض البيوت هُدمت فوق رؤوس أصحابها دون إنذار مسبق، بحجة تنفيذ المشروع بين عامي 2014 و2017، من دون تأمين مساكن بديلة. واستمرت عمليات التجريف وإزالة الأنقاض حتى مطلع 2021 حين بدأت الأبنية الجديدة بالظهور، في حين مُنح شاغلو المنازل الذين بقوا في المنطقة حق الانتفاع من الحصص السهمية والسكن البديل، بينما حُرم المهجرون والمعتقلون من ذلك.
من جهتها، روت الناشطة الحقوقية والمتضررة من المرسوم 66، خديجة حسن حليمة، لموقع تلفزيون سوريا قصتها مع المرسوم، مستذكرة ما روته لها والدتها في طفولتها، أن منزلهم “بُني بالحب”، حيث كانت تساعد زوجها في البناء ونقل الإسمنت. وأشارت خديجة إلى أن قيمة البيت بالنسبة لعائلتها كانت معنوية أكثر منها مادية. وأوضحت أنها من أبناء بساتين الرازي، إذ اشترى والدها أرضاً في بساتين المزة قديماً واستخرج رخصة بناء، ليصبح للعائلة منزل ومحل صغير وحديقة ملحقة به.
احتجاجات ضد المرسوم
مع انطلاق احتجاجات عام 2011، شهد الحي حراكاً شعبياً واسعاً، وشارك معظم الأهالي في المظاهرات والهتافات. وفي عام 2012، وأثناء تشييع ضخم لشابين من عائلتي “الأصفر” و”طويلة” قُتلا على يد قوات الأسد، تعرض المشيعون لإطلاق نار مباشر. وفي اليوم التالي صدرت تعليمات تمنع خروج المشيعين باستثناء كبار السن والأقارب. وفي 18 أيلول من العام نفسه، صدر المرسوم 66 الخاص بالتنظيم العمراني في المنطقة، بالتزامن مع القصف بالهاون واستمرار الحراك الشعبي. وتوضح خديجة أن القرار كان يهدف إلى تهجير سكان الأحياء الثائرة لعجز النظام المخلوع عن السيطرة عليها، خاصة لارتباطها ببساتين داريا وكفرسوسة.
وأضافت خديجة أن الاتفاق آنذاك نص على عدم إخلاء المنازل إلا بعد تأمين مساكن بديلة في الأبراج السكنية المزمع إنشاؤها في المنطقة، لكن الوعود سرعان ما اختفت، وتذرعت السلطات بعدم القدرة على تنفيذ المشروع بسبب الحرب، مكتفية بدفع بدلات إيجار زهيدة. وأوضحت أن منزل عائلتها كانت مساحته الداخلية 100 متر مربع (من دون حساب الحديقة والمحل)، ومنحتهم المحافظة بدل إيجار شهري قدره 50 ألف ليرة، أي ما يعادل 600 ألف سنوياً، وهو مبلغ لا يكفي مقارنة مع أسعار الإيجارات الفعلية. وأشارت إلى أن الحصة السهمية لعائلتها بلغت 11 مليون سهم، نظراً لامتلاكهم أربع قصبات ونصف.
وأكدت خديجة أن المنطقة، ورغم اعتبارها “منطقة مخالفات”، فإن أصحاب الأراضي والعقارات كانوا يملكون أوراق ملكية رسمية (طابو زراعي أخضر) ويدفعون الرسوم المقررة، ما يثبت حقوقهم قانونياً. لكنها شددت على أن النظام المخلوع صادر أملاك المعتقلين والمهجرين، وحرمهم من الحصص السهمية والسكن البديل بحجة أنهم “إرهابيون”.
وتابعت أن إنذارات الإخلاء وُزعت عام 2016، وفي العام التالي لم يعد أمامهم خيار سوى الخروج، حيث قامت الجرافات بهدم المنازل أمام أصحابها. وأشارت إلى أن والدها شهد هدم منزلهم بأم عينه، ما أثر على حالته النفسية وانعكس سلباً على صحته الجسدية. كما أكدت أن بدل الإيجار الذي قدمته المحافظة (600 ألف سنوياً) لا يغطي التكاليف الفعلية، حيث كانت العائلة تدفع ما يقارب 3 ملايين ليرة شهرياً لإيجار منزل بديل.
وتؤكد خديجة أن عائلتها حصلت فقط على 17% من قيمة الأرض على شكل حصص سهمية، كونهم يمتلكون “طابو” بهذه النسبة، في حين استولت المحافظة على باقي المساحة بحجة تخصيصها للمرافق والخدمات والبنى التحتية والطرقات. وأوضحت أنه عند عملية التخصيص كانت حصتهم لا تتعدى 30 متراً ضمن مكتب تجاري مشترك مع آخرين.
وأضافت أنه بعد سقوط النظام، تشكلت رابطة إسقاط المرسوم 66، بينما اعتقد البعض أن المرسوم سقط تلقائياً بسقوط النظام. إلا أن المادة 48 من الإعلان الدستوري نصّت بوضوح على أن أي مرسوم استثنائي صدر في فترة الحرب يعتبر لاغياً، غير أن المحافظة التابعة للحكومة الجديدة استمرت في تنفيذ المشروع. وأشارت إلى أنهم طالبوا بسكن بديل مجاني لكن طلبهم رُفض بحجة عدم الإمكانية، رغم أن المحافظة تمتلك نحو 68 برجاً من المفترض أن تعود حقوقها لأصحاب الأراضي. كما لفتت إلى أن اللجنة الاقتصادية أو المجلس الاقتصادي وضع يده على 35 برجاً كانت مملوكة سابقاً لأسماء الأسد وسامر الفوز والقاطرجي وآخرين من واجهات الفساد، وتمت مصادرتها لصالح خزينة الدولة، مؤكدة أن الاستثمارات على هذه الأراضي “مغتصبة شرعاً”.
من جهته، يؤكد عضو اللجنة القانونية لرابطة إسقاط المرسوم 66، المحامي لؤي العقلة، في تصريح لموقع تلفزيون سوريا، أن المرسوم يعتبر جائراً حتى لو نُفذ بأفضل صورة ممكنة، لأن الملكية الخاصة مصونة دستورياً. وأوضح أن المادة 15 من الدستور السوري لعام 2012 تنص على أن الملكية الخاصة لا يجوز نزعها إلا للمنفعة العامة وبمقابل تعويض عادل ومسبق، بينما لم ينص المرسوم 66 على النزع للمنفعة العامة بالمعنى الدستوري كإقامة المدارس أو المشافي أو الطرق، بل حولها إلى مشاريع عقارية استثمارية لصالح محافظة دمشق وشركات خاصة تابعة لها.
ويضيف العقلة أن المرسوم صادر حق المالك في استثمار أرضه، إذ يفترض أن يكون لصاحب الأرض الحق المطلق في استثمارها وبنائها ضمن شروط وضوابط المخطط التنظيمي، لكن المرسوم حوّل الملكيات الفردية إلى أسهم شائعة تُدار قسراً عبر محافظة دمشق، التي احتكرت سلطة الاستثمار وإعادة البيع. كما حرم المالكين من التعويض العادل والفوري، إذ لم يمنحهم مقابلاً نقدياً مباشراً، بل أجبرهم على الدخول في عملية توزيع الأسهم أو انتظار سكن بديل غير مضمون التنفيذ، وهو ما يتعارض مع مبدأ التعويض العادل المنصوص عليه في الدستور والقانون المدني.
وأشار العقلة إلى أن المرسوم وسّع دور المحافظة بما يتجاوز صلاحياتها، إذ يفترض أن يقتصر دورها على وضع المخططات التنظيمية والضوابط العمرانية، لا أن تتحول إلى مالك أو شريك استثماري على حساب المالكين الأصليين.
وشدد على أن المرسوم 66 يتعارض مع المعايير الدولية، حيث تنص المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة الأولى من البروتوكول الأول للاتفاقية الأوروبية على أنه لا يجوز نزع الملكية الفردية إلا للمنفعة العامة، وبموجب القانون، وبشرط التعويض العادل. وبحسب العقلة، فإن المرسوم يقوم على مصادرة الملكية الخاصة لصالح استثمار تجاري تشرف عليه السلطة المحلية وشبكاتها، ما يجعله مناقضاً لروح الدستور والقانون ومبادئ العدالة، حتى لو تم تطبيقه كما صدر.
المصدر: تلفزيون سوريا
بعد مرور 13عاما على المرسوم 66، وأزيلت بموجبه منازل ومحلات لإقامة منطقتين تنظيميتين جديدتين “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي” المتضررين من المرسوم يطالبون بإسقاط المرسوم لتعارض مع المعايير الدولية، لأن نزع الملكية لم تتم للمنفعة العامة ولم يتم التعويض العادل ، قراءة موضوعية لأسباب هذه المطالبة، فهل يتم ذلك؟.