
شهدت العاصمة الأميركية واشنطن، الخميس، زيارة تاريخية لوزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد الشيباني، هي الأولى لمسؤول سوري بهذا المستوى منذ نحو 25 عاماً، وهو ما يُعد تحولاً لافتاً في مسار العلاقة بين دمشق وواشنطن بعد عقود من القطيعة، وسط ملفات معقّدة يحملها الوزير السوري، على رأسها بحث الرفع الدائم للعقوبات الأميركية عن سوريا، والاتفاق الأمني مع إسرائيل، وفقاً لما سرّب موقع “أكسيوس” الأميركي.
هذه الملفات التي تحمل طابعاً سياسياً واقتصادياً وأمنياً، يعترضها جُملة من الشروط والخطوات، تجعل من الزيارة في غاية الأهمية والحساسية لدى الجانب السوري، الذي أكد بدوره أن الزيارة “تعكس انفتاح سوريا على الحوار المباشر مع الولايات المتحدة سعياً لفتح صفحة جديدة من العلاقات، حيث سيتم خلالها مناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، بما يخدم مصالح الشعب السوري”. وفق ما أدلت إدارة الإعلام في الخارجية السورية لـ”سانا”.
مساعٍ لرفع العقوبات
قال فادي حيلاني، الباحث في المجلس الوطني للعلاقات الأميركية العربية، إن زيارة الشيباني جاءت بعد تقدم في مسار الاتفاق مع السويداء خلال اليومين الماضيين، إضافة إلى تقدم في المفاوضات مع وزير إسرائيلي التقى به الشيباني في لندن.
وأوضح حيلاني أن الخطوة تهدف إلى إيجاد مسار يتيح رفع العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر، رغم وجود أعضاء في الكونغرس ومجلس الشيوخ لديهم تحفظات على سلوك الحكومة السورية.
وبيّن حيلاني ضمن لقاء مع تلفزيون سوريا أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كانت قد منحت استثناءات محدودة لمدة ستة أشهر من العقوبات، إلا أن رفعها نهائياً يُعد شرطاً أساسياً لجذب الاستثمارات، لأن “لا أحد سيغامر ما دام سيف العقوبات مسلطاً على سوريا ويمكن إعادة فرضه في أي وقت”.
“ليست كل الأبواب في واشنطن مفتوحة“
وأشار حيلاني إلى أن الأبواب ليست جميعها مفتوحة أمام سوريا في الكونغرس أو مجلس النواب، فهناك مَن لديه تحفظات بدرجات متفاوتة. وبيّن أن النائب جو ويلسن يُعد من أكثر المتحمسين لرفع العقوبات عن سوريا وقد تقدم أكثر من مرة بمشاريع قوانين لذلك، لكنه اشترط أن يتم ذلك مع حكومة سورية قادرة على جمع جميع السوريين، وذكر تحديداً الطائفة الدرزية والأكراد والعلويين، وهو ما يعكس ـ بحسب حيلاني ـ رؤية أميركية تراقب سلوك الحكومة السورية عن كثب.
كما لفت حيلاني إلى أن بعض أعضاء الكونغرس متمسكون بشروط أخرى، إذ ركز جو ويلسن على تشكيل حكومة شاملة، بينما ركز السيناتور لينزي جراهام تحديداً على الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل، وقد اشترط ـ وفقاً لما نقله موقع “أكسيوس” ـ إبرام هذا الاتفاق. وقال حيلاني: “أعتقد أن التقدم الذي تحقق أمس في المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي في لندن هو ما يرغب الشيباني في طرحه مع السيناتور لينزي غراهام”، مذكراً بأن غراهام “من أكثر أعضاء مجلس الشيوخ حماسة لدعم إسرائيل وقد صرح الأسبوع الماضي مؤيدًا القصف الإسرائيلي على قطر”.
وأوضح حيلاني أن إدراج بنود رفع العقوبات ضمن موازنة وزارة الدفاع الأميركية قد يسهل تمريرها مقارنة بمحاولة إقرار قانون منفصل، لافتاً إلى أن عرقلة هذه البنود في الأسابيع الماضية تعود إلى أسباب داخلية أميركية تتعلق بالموازنة لا إلى سوريا.
أبعاد استراتيجية ودعوة إلى الواقعية
من جانبه، اعتبر الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي الزيارة حدثاً تاريخياً واستثنائياً لم تشهده العلاقات السورية ـ الأميركية من قبل، مشيراً إلى أن ما يميزها هو مبادرة الولايات المتحدة لدعم سوريا، في حين اعتادت الدول الأخرى السعي لاستمالة واشنطن.
وأوضح بربندي لـ تلفزيون سوريا، أن الإدارة الأميركية الحالية تسعى إلى حماية سوريا وتحقيق أكبر قدر من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ما يفتح الباب أمام الوفد السوري لمناقشة مختلف الأفكار بحرية.
ورأى بربندي أن لهذا التوجه أبعاداً استراتيجية، أبرزها منع عودة النفوذ الإيراني إلى سوريا، وتهيئة الأجواء لتطبيع العلاقات أو على الأقل تهدئة الصراع مع إسرائيل، بما يضمن استقراراً إقليمياً يشمل سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، ويمهّد في المدى البعيد لتقليص الوجود العسكري الأميركي في المنطقة وجذب الاستثمارات.
وأشار بربندي إلى أن لقاءات الشيباني في واشنطن شملت وزارة الخزانة الأميركية التي أبدت رغبتها في دعم الاقتصاد السوري مقابل التزام دمشق بمكافحة تمويل الإرهاب ومحاربة الفساد، إضافة إلى اجتماعات مع لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب ووزارة الخارجية الأميركية، ما يعكس انفتاحاً أميركياً على التعاون مع الحكومة السورية الجديدة رغم بعض التحفظات على قدرتها على استيعاب جميع المكونات السورية.
استقرار داخلي ومكاسب محتملة
ولفت بربندي إلى أن جميع الأطراف السياسية الأميركية المؤثرة تريد مساعدة دمشق وإن اختلفت في الأساليب والأولويات، متوقعاً استمرار اللقاءات في واشنطن أكثر من نيويورك، ومرجحاً عقد اجتماع سوري ـ إسرائيلي ـ أميركي رسمي هناك.
وبين أن أي اتفاق أمني محتمل بين سوريا وإسرائيل برعاية أميركية قد لا يكون مثالياً أو مرضياً لكل الأطراف السورية، إلا أنه فرصة ضرورية لتحقيق الاستقرار الداخلي وجذب الدعم المالي والاقتصادي، مع ضرورة أن تؤمن دمشق مكاسب حقيقية وألا تقبل بما وصفه بـ”سلام مجاني”.
وحذّر بربندي من أن إسرائيل تتحرك وفق رؤية دينية ـ استراتيجية بعيدة المدى، مشيراً إلى مشاريع مثل “ممر داوود” الممتد من إسرائيل حتى البادية السورية ونهر الفرات، داعياً دمشق إلى التعامل بواقعية وحذر مع أي اتفاقيات مستقبلية، وتحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية منها قدر المستطاع.
وختم بالتأكيد على أن الشرعية السياسية للحكومة السورية الجديدة تعززت من خلال اللقاءات المتواصلة مع كبار المسؤولين الأميركيين على رأسها لقاء الشرع ـ ترامب في الرياض، معتبراً أن على دمشق تجاوز “مسألة الشرعية” واستثمار هذه اللحظة لتحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي، والسعي إلى ضمانات ومكتسبات ملموسة من أي اتفاق أمني أو سياسي قادم.
المصدر: تلفزيون سوريا