
إن الانتصار الذي حققه الشعب السوري في الثامن من كانون الأول من العام المنصرم شكّل محطة مفصلية وهامة في تاريخ سورية، فتحت أمام السوريين آفاق البحث عن سبل بناء دولتهم الوطنية، وأتاح لهم فرصة إعادة هيكلة وطنهم على أسس الحوار والديمقراطية، وفي إطار حرية التعبير والمشاركة، وصولاً إلى أرضية مشتركة للعيش تحت سقف وطن واحد.
وتتمثل أبرز ثوابت هذه المرحلة في:
- رفض كل أشكال الطائفية وخطابها التحريضي.
- رفض الثأر والانتقام، مع تأكيد الالتزام بالعدالة الانتقالية ومحاسبة المجرمين.
- رفض خطاب الكراهية وأي سلوك يحرض عليه.
- تأكيد الالتزام ببناء دولة المواطنة والقانون والمؤسسات، دولة موحدة أرضاً وشعباً، تنبذ كل أشكال التمزيق والتفتيت.
من هذا المنطلق، يبدي حزبنا استعداده للتعاون مع جميع القوى الفاعلة سياسية كانت أو مدنية، من أجل إقامة الدولة السورية الوطنية الجامعة، القائمة على المبادئ التالية:
- تثبيت وحدة الدولة وتأسيسها على قاعدة المواطنة المتساوية.
- ترسيخ الحريات العامة والخاصة والسلم الأهلي.
- إقامة دولة ديمقراطية تعددية تراعي التنوع وتحميه بالقانون، وتعزز التماسك الاجتماعي.
إن ما يدعو للتفاؤل هو السلوك الأهلي السلمي والإيجابي للمجتمع السوري الذي حدث على أرض الواقع، في الأشهر الأولى بعد سقوط النظام البائد، حيث تم الحفاظ على أرواح المدنيين وممتلكاتهم، ومنع خطاب الانتقام، ومنع الاحتكاك والعنف إلى حد كبير ، والعمل على حصر السلاح وجعله تحت سلطة الدولة لضمان السلم المجتمعي، والسعي لمعالجة الآثار المؤلمة التي وقعت في بعض مناطق الساحل والسويداء والعمل على منع الجرائم وتكرار الانتهاكات بحق المدنيين الأبرياء.
يرى حزب الشعب الديمقراطي السوري/الهيئة القيادية، أن معالجة القضايا الوطنية والمظلوميات لا يمكن أن تتحقق إلا عبر الحلول السياسية السلمية الدائمة، وإشراك المجتمع المدني في حل النزاعات، ومواجهة أدوات الهدم بالعقل والقانون. والخطوات المطلوبة لهذه المرحلة:
- تعزيز التعايش السلمي بين أبناء الوطن ودعمه قانونياً، لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، عبر تأسيس الدولة من خلال سن قوانين تراعي التنوع الثقافي على أساس المواطنة المتساوية.
- معالجة التركة الثقيلة للنظام البائد من خلال تحقيق العدالة الانتقالية كـ(جبر الضرر، المحاسبة، المصالحة، الاعتذار)، مع الحفاظ على الجهاز البيروقراطي غير المتورط بالقتل أو الفساد الكبير.
- بناء سردية وطنية تساعد على فهم الواقع السوري المعقد، والبحث في الشأن العام باعتباره أولوية عليا، بعيداً عن إلغاء الآخر أو الصراعات الهامشية.
- إعادة الاعتبار للهوية الوطنية الجامعة التي تنفتح على التنوع وتنزع التخوف من النفوس، بعد عقود من الاستبداد التي دفعت الجماعات إلى الانكفاء على هويات ضيقة ونزعات مظلومية متبادلة.
متطلبات نجاح المرحلة الانتقالية:
يرى حزب الشعب أن المرحلة الانتقالية من أصعب مراحل العبور نحو الدولة، وهي تتطلب تشكيل هيئة عدالة انتقالية مستقلة بمشاركة المحامين والقضاة والفعاليات الاجتماعية وذوي الضحايا، لمعالجة الانتهاكات وتحقيق التعافي المبكر وصولاً إلى سلم أهلي مستدام.
ويؤكد الحزب ضرورة العمل الميداني بروح إيجابية، من أجل:
- وقف انتهاكات حقوق الإنسان.
- محاسبة مجرمي الحرب.
- وضع رؤية واضحة للمستقبل تخدم مسيرة البناء.
- إشراك جميع الفعاليات الوطنية في إعادة بناء الدولة الناشئة على أسس دولة المواطنة.
كما أن إعادة الإعمار تحتاج إلى دعم مالي كبير نظراً للتدمير الواسع الممنهج الذي مارسه النظام البائد، وهو ما يبرر أهمية مساهمة الدول الداعمة في تمويل مشاريع البنى التحتية ودفع عجلة الاقتصاد مع تحفيز المبادرات المجتمعية داخل وخارج البلاد للمساهمة في توفير مقومات عودة ملايين اللاجئين الملحة.
من أبرز التحديات أمام سورية الجديدة:
أولاً: ضعف الأداء الإداري واستمرار الفوضى:
تحتاج الإدارة السورية إلى كوادر وطنية مؤهلة لإدارة المرافق العامة بكفاءة وشفافية، بعيداً عن التهميش الذي فرضه النظام السابق. ومن هنا تبرز أهمية الاستثمار في تدريب الكفاءات الوطنية، وبناء مؤسسات مدنية مستقلة تخضع لمبادئ التخصص والخبرة والرقابة والمساءلة.
ثانياً: في تشكيل مجلس شعب (السلطة التشريعية):
يجب أن يقوم المجلس على أسس قانونية واضحة، بحيث يضم كفاءات حقوقية وقضائية قادرة على وضع التشريعات اللازمة لبناء الدولة. وفي ظل غياب مقومات انتخابات ديمقراطية شاملة (بسبب التهجير، النزوح، غياب الإحصاء، الشتات)، فإن المجلس المقترح سيكون أقرب إلى هيئة تأسيسية انتقالية، قوامها مئتان وعشرة أعضاء يُعيَّن ثلثهم من قبل الرئاسة، فيما يُنتخب الباقون وفق آليات خاصة تراعي الظروف الراهنة.
مع العلم، أن هذه الآليات لا تحقق تمثيلاً ديمقراطياً كاملاً، وليست طموح الشعب السوري بعد سقوط النظام البائد ، لكنها تعكس طبيعة المرحلة الانتقالية. ويبقى التحدي الأساسي أمام المجلس هو تحقيق شرعية فعلية عبر تمثيل المجتمع والتعبير عن توازناته، مع درايته بصياغة قوانين الأحزاب ولإدارة تعكس الواقع الحالي لسورية بعيدة عن النظام الفردي، والتمهيد لدستور دائم.
يتطلع حزب الشعب إلى دستور يؤسس لسورية ديمقراطية عادلة، دستور:
- يحمي حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة.
- يجرّم الطائفية وخطاب الكراهية.
- يمنع حمل السلاح خارج إطار دولة الحق والقانون.
- يرسخ العدالة الاجتماعية ويحمي الشعب بفئاته كافة.
- يضمن كرامة الإنسان ويصون حرياته الأساسية وفق مبادئ العهد الدولي لحقوق الإنسان.
ويؤكد الحزب عل أهمية إطلاق حوار واسع على المستوى الوطني تشارك فيه المنتديات والنقابات والمنظمات المدنية والأحزاب والأفراد، يعمل على مناقشة كل الإشكالات بمختلف أوصافها وذلك للوصول الى توافق وطني عبر مؤتمر وطني جامع يكون أساس العقد الاجتماعي الجديد لسورية الجديدة.
17 أيلول 2025
مكتب السياسة
حزب الشعب الديمقراطي السوري/الهيئة القيادية