
يثبت كل يوم يمرّ على منطقة الشرق الأوسط أنّ الكيان الإسرائيلي ليس أهلاً للسّلام، وليس شريكاً يمكن قبوله في منطقة الشرق الأوسط؛ فالعدوان الإسرائيلي الجوي على الأراضي القطرية يعدّ خرقاً لقواعد القانون الدولي واحترام سيادة الدول واستقلالها وأمنها. إنها جريمة إرهابية ترتكبها دولة تحت التكوين ضدّ دولة قطر مكتملة النشأة والتكوين. وبما لا يقطع أيّ شك، تثبت إسرائيل في عدوانها العسكري الإجرامي هذا على أرض قطر أنها كيان عصاباتٍ أتوا من آفاقٍ متباعدة تحت ذرائع تاريخية لا سند لها في التاريخ، وأنها كيان عدواني توسّعي استيطاني.
(2)
شنّت إسرائيل في التاسع من سبتمبر/ أيلول الحالي غارة جوية حربية على سيادة دولة قطر، مستهدفةً في هذا العدوان الفريق التفاوضي لحركة حماس المعتمدين من الكيان الإسرائيلي نفسه، وبقبول الولايات المتحدة وشراكة مصرية قطرية. كان اجتماع الفريق في الدوحة لاتخاذ قرارٍ في شأن المقترح الذي قدّمه الرئيس الأميركي ترامب لإنهاء الحرب الإسرائيلية في غزّة وتبادل الأسرى. وكانت إرادة الله أن الوفد الفلسطيني المستهدف لم يصب في تلك الغارة الحربية الآثمة المجرمة، كما أفادت البيانات الرسمية في الدوحة.
العدوان الإسرائيلي على السيادة القطرية غير مبرّر، بصرف النظر عن كلّ الذرائع الصهيونية، لقد شُنّ ضد دولةٍ ذات سيادة ليست في حالة حربٍ مع الكيان الإسرائيلي، وليست من دول الجوار لفلسطين المحتلة، بل هي وسيط نزيه بشهادة عالمية، بما في ذلك الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومن سبقه من الرؤساء الأميركيين في كل القضايا التي توسّطت لحلها، بما في ذلك بين الأفغان وإدارة الرئيس الأميركي السابق جون بايدن. الغطرسة والغرور والحالة النفسية المضطربة لرئيس وزراء الحكومة الصهيونية الفاشية النازية في إسرائيل نتنياهو، الذي لم يردعه فشله في تحقيق أهداف غارته العسكرية الجوية، دفعته ليعلن باللغة الإنكليزية، مهدّداً: “أقول لقطر وكل الدول التي تؤوي “إرهابيين” (يقصد فلسطينيين)، إما أن تطردوهم أو تقدّموهم للعدالة، وإذا لم تفعلوا ذلك سوف نفعله نحن”. والحقّ أن مَن يجب تقديمه للعدالة هو نتنياهو وعصابته المطلوبون للعدالة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزّة، طبقاً لحكم من محكمة الجنايات الدولية.
خسرت إسرائيل سياسياً في القارّة الأوروبية على مستوى الشعوب الغربية وحكوماتها
(3)
خسرت إسرائيل تحقيق غرضها باغتيال فريق “حماس” السياسي المدني المفاوض في الدوحة، كما خسرت دبلوماسياً، بعد الاستنكار والإدانة الصادرة من أكثر من 180 دولة على ما فعلته ضدّ السيادة القطرية. لقد انهالت على الديوان الأميري برقيات الاحتجاج والاستنكار والإدانة لفعل إسرائيل ضد قطر، معلنين تضامهم والتأييد وتقديم الدعم لحكومة قطر في مواجهة العدوان. وسنرى ردّات فعل العالم ضدّ الكيان الصهيوني وعزل إسرائيل سياسياً عندما تجتمع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 سبتمبر/ أيلول الحالي في نيويورك. خسرت إسرائيل سياسياً في القارّة الأوروبية على مستوى الشعوب الغربية وحكوماتها، يظهر هذا في المظاهرات الجماهيرية التي تغصّ بها عواصم ومدن أوروبية كانت في الأساس مؤيدة لإسرائيل، لكن الأخيرة خسرت هذا التأييد بما فعلت وتفعل في غزّة من حرب التجويع والتعطيش والإبادة الجماعية وهدم المساجد والكنائس والجامعات والمدارس والمستشفيات، ومنع دخول الأدوية وكوادر منظمة الصحة العالمية، للحدّ من تفشّي الأمراض بين النساء والأطفال، تقترح رئيسة المفوضية الأوروبية، أوروسولا فون ديرلاين، على أعضاء المفوضية فرض عقوباتٍ على وزراء في حكومة نتنياهو النازية، وتعليق التعاون الثنائي، وإنشاء مجموعة مانحين للفلسطينيين، وهذا في حدّ ذاته خسارة لإسرائيل.
يكتب توماس فريدمان، وهو أحد أشهر كتاب صحيفة نيويورك تايمز، وهو مناصر لإسرائيل، أنّ “إسرائيل الآن في طريقها إلى أن تصبح “دولة” منبوذة، إلى درجة أن الإسرائيليين سيفكّرون مليّاً قبل التحدّث بالعبرية عند السفر إلى الخارج”، ويكتب أيضاً في مقالة له “أخشى أن يدفع اليهود في كل مكان الثمن غالياً إذا لم يقاوموا” اللامبالاة المطلقة” لحكومة اليمين الإسرائيلي المتطرّف التي تشنّ عدواناً وحشياً ضد غزّة التي كانت وما زالت “أكبر سجن مغلق، وليس مفتوحاً في العالم وأصبحت اليوم أكبر مقبرة أطفال”
(4)
كي لا تكون الدوحة بمفردها، قرّرت الدعوة إلى عقد قمّة عربية إسلامية، أولاً للتعبير عن التضامن العربي والإسلامي مع قطر للحفاظ على أمنها وسيادتها وسلامة مواطنيها والمقيمين على أرضها وردع العدوان، وثانياً لاتخاذ قرارات تنفيذية رادعة تجاه العنجهية الإسرائيلية بدون رادع.
ما يجب اتخاذه أولاً من قادة دول مجلس التعاون، متضامين ومتّحدين، قطع الدول الخليجية التي لها علاقة دبلوماسية مع الكيان الصهيوني علاقتها معه
ليس العدوان على قطر عدواناً عليها فحسب، وإنما على دول مجلس التعاون الخليجي، كما قال الأمين العام للمجلس، جاسم محمد البديوي. الشعب في الخليج العربي خصوصاً، والشعب العربي عامة، ينظرون إلى القمّة العربية الإسلامية المنتظر انعقادها في الدوحة أنها قمّة قرارات، لا تشبعهم البيانات البلاغية في كلمات القادة العرب والمسلمين بشجب العدوان الإسرائيلي على قطر، والمناشدات المعتادة من المجتمع الدولي بردع إسرائيل. ما يجب اتخاذه أولاً من قادة دول مجلس التعاون، متضامين ومتّحدين في مواجهة الغطرسة الصهيونية، قطع الدول الخليجية التي لها علاقة دبلوماسية مع الكيان الصهيوني علاقتها معه، وإيقاف عجلة التطبيع، وإنهاء مقولة السلام الإبراهيمي، وعودة المقاطعة العربية من الدرجتَين، الأولى والثانية، ضدّ إسرائيل فوراً. ومن هذا المنطلق، نطالب الدول الإسلامية بأن تحذو حذو دول المجلس.
آخر القول: لقد طغت إسرائيل وتغوّلت وتجبّرت واستباحت الساحة العربية من غزّة إلى الضفة الغربية ولبنان وسورية واليمن وتونس، واليوم قطر وغداً دولة عربية أخرى، والحبل على الجرّار. ولا بدّ من موقف عربي صادق لا مواربة فيه.
المصدر: العربي الجديد