
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الضربة التي استهدفت قيادات حركة حماس في الدوحة، الثلاثاء التاسع من سبتمبر/ أيلول الجاري، جاءت ضد من “خطّطوا واحتفلوا بهجوم 7 أكتوبر”. وأضاف “لن أسمح بوجود حصانة لقادة حماس”، لافتاً إلى أن “إسرائيل تصرّفت بشكل مستقلٍّ تماماً”، معتبراً أن استهداف قادة “حماس” يمكن أن “يمهّد لإنهاء الحرب”.
قال نتنياهو الكثير عن العملية التي أطلق عليها اسم “قمّة النار”، والتي جاءت لتقضي على المسار التفاوضي الذي تشارك فيه الدوحة وسيطاً من أجل التوصل إلى تسوية حقيقية للحرب العبثية التي يقودها نتنياهو، وبات الجميع يعتبرون أنها لن تنتهي إلا بحرب إقليمية. صرّح الرجل بأن هذه الخطة أعدّت منذ أشهر، ولكنه في الوقت نفسه يفضح كذبه، إذ اعتبر في تصريحه أنها جاءت بعد تبني “حماس” العملية التي حصلت في رامون – القدس، الأحد 8 سبتمبر/ أيلول الجاري، وأدّت إلى مقتل ستة إسرائيليين وإصابة 15.
لا يهمّ ما الأسباب التي دفعت العدو الإسرائيلي إلى تنفيذ عمليته، ولن يتوقف الأمر عند إعلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعملية من عدمه. لأن الخطأ وقع، والخطيئة على نتنياهو وحكومته تحملها، وخصوصاً أنها نفّذت في العاصمة التي تحمل راية السلام وإبرام التسويات، وأن الاجتماع للقادة لم يكن بهدف التخطيط لتنفيذ “7 أكتوبر” جديدة، بل من أجل مناقشة المقترح الأميركي الذي طرح أخيراً، ويبدو أن “حماس” كانت متّجهة إلى الموافقة على بنودها من أجل وقف الحرب.
لا يستطيع أحدٌ التنكّر للدور القطري في رسم مسار السلام العالمي، ولا أحد لديه “ممسك” على أداء قطر، أو أنها تقدّم الدعم منتظرة مقابلاً
بقدر ما تبجّح نتنياهو بالضربات، بقدر ما وضع نفسه في خانةٍ لم يتوقف عن أن يكون فيها، فدولة قطر لم تكتف بأنها الوسيط الموثوق منه ليس فقط بين الإسرائيلي والحمساوي، بل في قضايا كثيرة كانت لها اليد الطولى للوصول إلى تسوياتٍ فيها، منها عمليات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، فمن يراقب بيانات الإدانة والاستنكار الدولية والعربية يدرك مدى الأهمية التي تمثلها هذه الدولة على الصعيد العالمي. إذ إن هذه ليست المرة الأولى التي تنتهك فيها إسرائيل سيادة دولة، ولكنّها المرّة الأولى التي أجمعت على إدانة العدوان الإسرائيلي على أراضيها كل الدول، حتى المتقاتلة في ما بينها.
لا يستطيع أحدٌ التنكّر للدور القطري في رسم مسار السلام العالمي، ولا أحد لديه “ممسك” على أداء قطر، أو أنها تقدّم الدعم منتظرة مقابلاً، فلبنان نموذج يظهر مدى الاهتمام القطري في شأن هذا البلد وإنقاذه من السقوط، لهذا جاءت إدانة الاعتداء من كل المؤسّسات الرسمية والقيادات السياسية والروحية، وجمعت المتناقضات الداخلية للتركيبة اللبنانية على فعل الإدانة والاستنكار والتعبير عن أصدق المشاعر تجاه دولة قطر.
“لم تأت حسابات الحقل متناسبة مع حسابات البيدر”، إذ سقط الإسرائيلي في حساباته الخاطئة، وارتدّ الاعتداء الجوي الذي نفّذته طائراته ضرباتٍ معنوية وسياسية ستكلف متّخذي القرار ضرائب كثيرة في السياسة. إذ اعتبر نتنياهو أنّ هذه الضربة ستكون قاضية، وستأخذ حتماً حركة حماس إلى الاستسلام، إلا أنّ هذه الضربة وحّدت العالم إلى جانب قطر، التي انتقلت من موقع المفاوض إلى موقع من يضع الشروط لإنهاء حرب قطاع غزّة، ولا سيما أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تبرّأت من الضربة، واعتبرتها نتيجة عمل إسرائيلي فردي.
حقّق العدو الإسرائيلي هدفه من الضربة، قطع طريق المفاوضات لمنع الوصول إلى أي تسوية
لا تنال قطر شرف احترام العالم لها وحسب، فلها مكانتها المهمّة على الصعيد الاقتصادي، فهي تحتلّ مكانة ريادية في مجال تصدير الغاز الطبيعي المسال عالميّاً، حيث تعدّ من أكبر المصدّرين وتتنافس مع الولايات المتحدة وأستراليا على الصدارة، يعزّز هذا المركز امتلاك قطر ثالث أكبر احتياطي غاز طبيعي في العالم، بالإضافة إلى انخفاض كلفة إنتاجه، ما يمنحها ميزة تنافسية كبيرة. وفي قراءة لواقع الأسواق التي تحتاج استيراد الغاز الطبيعي المسال، نجد أن القارّة الأوروبية هي الأكثر طلباً بعدما فكّت ارتباطها بشكل شبه كامل مع الاستيراد الروسي، وتحتاج إلى بديل للغاز الروسي، فكان الغاز القطري وكانت التسويات والاتفاقيات معه في سبيل إمكانية التصدير البديل عن الروسي.
حقّق العدو الإسرائيلي هدفه من الضربة، قطع طريق المفاوضات لمنع الوصول إلى أي تسوية، في وقت يرتكب فيه جيشُه المجازر في مدينة غزّة الذي هددها وزير الحرب يسرائيل كاتس بتحويلها إلى جحيم، فالضربة التي أرادت النيل من الوفد التفاوضي لحركة حماس في قلب عاصمة السلام ومركز تصدير التسويات الدوحة، يكون من خلالها نتنياهو قد أوصل الرسالة إلى الأميركي إنه لا يريد إلا استمرار الحرب، وذلك بعدما قدّمت قيادة “حماس” كل ما من شأنه للتوصل إلى تسوية تحاكي وقفاً لإطلاق النار.
العدوان الإسرائيلي على الدوحة مؤشّر إلى تصعيد في نطاق العمليات قد يوسّع دائرة النزاع نحو دول خليجية
لم يكن الرئيس ترامب راضياً عن الضربة، إذ قالت المتحدّثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إنه أجرى اتصالاً بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يفيد بأنّ مثل هذا الأمر “لن يتكرّر على أراضيها”. لا يتوقف الأمر في تكرار العدوان من عدمه، بل في تعطيل السير في توقيع الدول العربية على الاتفاق الإبراهيمي، حيث لم يعد من ثقة في الضمانات الأميركية في المنطقة بوجود رئيس حكومة للكيان الإسرائيلي يعيش وهم الانتصار.
العدوان الإسرائيلي على الدوحة مؤشّر إلى تصعيد في نطاق العمليات قد يوسع دائرة النزاع نحو دول خليجية. وإن استهداف إسرائيل الوفد يبدو وكأنه رسالة إلى أن إسرائيل لا تريد إنهاء الحرب بأي ثمن، وأنها ترى أن الحسم العسكري هو السبيل الأمثل. الملفت أن الضربة جاءت مع ضربة إسرائيلية في العمق السوري وجد فيها بعضهم رسالة إلى الجانب التركي الذي يطرح القطيعة التامة مع إسرائيل، على خلفية الاستمرار في العدوان على قطاع غزّة، فهل تنزلق أهداف تلك الضربات إلى الحرب الإقليمية؟
لا تريد إسرائيل السلام من خلال التفاوض، بل عبر القوة، فهي في هذا تتبع النهج الترامبي الذي يعتبر أن القوة وحدها التي تفرض التسويات والاستسلام. لهذا، رغم الخطيئة التي ارتكبها نتنياهو على أراضي الدوحة، إلا أنه أوصل الرسالة إلى المعنيين أن التفاوض خارج إطار الاستسلام وتسليم السلاح وإطلاق المحتجزين لن يكون… إذاً، المنطقة إلى أين؟
المصدر: العربي الجديد