شهادة مازن عدي على إجهاض الحلم السوري

     نورجان سرغاية

ثلاثة فصول من الحلم السوري المجهض: من جامع السلطان إلى ربيع دمشق…
تسرد سلسلة “الذاكرة السورية” التي بثتها قناة تلفزيون سوريا مسارًا طويلًا من الصراع بين المجتمع السوري ونظام الحكم، من حادثة جامع السلطان في حماة، مرورًا بمجزرة 1982، وصولًا إلى وأد ربيع دمشق وانفجار الثورة عام 2011. تتكشف صورة قاتمة لمسار السياسة السورية الحديثة: أحلام بالقانون والحرية تتلاشى أمام آلة القمع، بينما الشعب يدفع ثمن المطالبة بالتغيير. ثلاثة مشاهد متباعدة زمنيًا لكنها مترابطة في سياق واحد: سحق الحلم السوري بالتغيير.

مروان حديد وحادثة جامع السلطان:
في سبعينيات القرن الماضي، شهدت مدينة حماة واحدة من أكثر المواجهات الرمزية بين المعارضة والنظام. مروان حديد، أحد أبرز وجوه التيار الإسلامي المعارض آنذاك، قاد اعتصامًا داخل جامع السلطان احتجاجًا على سياسات السلطة. المداهمة الأمنية التي أنهت الاعتصام أسفرت عن اعتقاله، وكان مهددًا بالإعدام لولا تدخل الشيخ محمد الحامد. الحادثة رسخت لدى حديد وقسم من أنصاره قناعة بأن المواجهة المسلحة أصبحت خيارًا لا مفر منه.

أحداث حماة 1982: القمع بلا سقف
بعد سنوات من التصعيد، بلغت المواجهة ذروتها في فبراير 1982. قوات النظام اقتحمت مدينة حماة، في عملية عسكرية وُصفت بأنها الأكثر دموية في تاريخ سوريا الحديث. الروايات تشير إلى سقوط عشرات الآلاف من القتلى، وتدمير أحياء كاملة، بينما التزم الإعلام الرسمي الصمت أو قدّم رواية مقتضبة تتهم “المتمردين” بالمسؤولية. هذه المجزرة تركت أثرًا نفسيًا واجتماعيًا عميقًا، وأرست معادلة الخوف التي حكمت علاقة السلطة بالمجتمع لسنوات لاحقة.

من ربيع دمشق إلى الثورة:
مع توريث بشار أسد السلطة عام 2000، سادت أجواء من التفاؤل الحذر. ظهرت المنتديات السياسية والثقافية، وبرز خطاب عن الإصلاح والانفتاح. غير أن هذه الفترة، التي عُرفت بـ”ربيع دمشق”، لم تدم طويلًا. خلال أشهر، أُغلقت المنتديات، واعتُقل الناشطون، وعادت القبضة الأمنية لتسيطر. تلاشى الحلم بالإصلاح السلمي، ومع تراكم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، انفجر الشارع السوري في مارس 2011، لتبدأ الثورة التي واجهها النظام بأسلوب يعيد إلى الأذهان أحداث حماة.

دروس تجربة مازن عدي: وعي، تخطيط، وتوثيق في مواجهة القمع
تكشف هذه الفصول الثلاثة أن مسار التاريخ السوري المعاصر يتسم بدورة متكررة: بروز أمل بالتغيير، يليه قمع واسع، ثم انفجار أكبر. من جامع السلطان إلى أحياء حماة، ومن قاعات المنتديات في دمشق إلى شوارع درعا وحمص، ظل المشهد واحدًا: نظام لا يقبل التغيير، وشعب يدفع ثمن المطالبة به.
تقدم تجربة مازن عدي، السياسي والكاتب السوري، نموذجًا واضحًا لفهم التعقيدات السياسية في بيئة سلطوية. إذ تُبرز التجربة أهمية الوعي السياسي والتحليل المبكر للأحداث قبل الانخراط في أي نشاط سياسي، والتفريق بين الأساليب السلمية والمواجهة المسلحة لتجنب دوامة العنف. كما تؤكد قيمة المرونة والتكيف مع الظروف الصعبة واختيار اللحظة المناسبة للتعبير عن المواقف، إلى جانب التوثيق والشهادة الحية كوسيلة للحفاظ على الحقيقة التاريخية وتمكين المحاسبة المستقبلية. وتشير التجربة أيضًا إلى ضرورة الحفاظ على الحقوق الأساسية والحريات الفردية والاجتماعية، واليقظة المستمرة لتجنب انكسار أي حلم بالإصلاح أمام قوى القمع، مستفيدة من دروس الماضي لتجنب تكرار المآسي.
ختاما:
أنصح أصدقائي من الجيل الشاب، بالوقوف أمام تجارب شهود العيان من أمثال الصديق مازن عدي فهي تقدم فرصة لفهم هذه الحلقة من الدورة التاريخية، والاستفادة من الدروس لئلا تتكرر بمأساة جديدة في لبوس جديد.

 

المصدر: الحوار المتمدن

5
0

تعليق واحد

  1. تجربة مازن عدي، السياسي والكاتب السوري، تعد نموذجًا واضحًا لفهم التعقيدات السياسية في بيئة سلطوية مستبدة. إن التجربة أثبتت بأن الوعي السياسي يسبق تحليل الأحداث وليمون قبل الانخراط بالنشاط السياسي، وللتفريق بين الأساليب السلمية والمواجهة المسلحة وفق الإمكانيات والظروف والحاجة لتجنب دوامة العنف.

اترك رداً على khatib yehya إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى