
ثمة تناقض واضح بين تعريف المرحلة الحالية بكونها مرحلة انتقالية وبين الحديث عن وضع دستور دائم خلال الفترة الانتقالية.
فالمرحلة الانتقالية هي مرحلة توحيد الدولة وبسط سلطتها على كافة أرجاء البلاد وفرض الأمن والقانون، كما هي مرحلة العدالة الانتقالية واستعادة الحد الأدنى من التعافي الاقتصادي، وإحياء الحياة السياسية وتأمين الحريات العامة وسيادة القانون.
وسواء قلنا بمرحلة انتقالية من سنتين أو ثلاث أو خمس فالواقع هو الفصل في مدة المرحلة الانتقالية لكنها لا ينبغي أن تمتد أكثر من ثلاثة سنوات من الآن على أبعد تقدير سوى بسبب حالة تشبه الحرب الداخلية لا سمح الله.
أما الدستور الدائم فوضعه هو العلامة الفاصلة بين المرحلة الانتقالية والمرحلة الدستورية، ففي نهاية المرحلة الانتقالية يتم إجراء الانتخابات العامة لجمعية تأسيسية تتولى وضع الدستور الدائم للبلاد.
أما الغطاء الدستوري للمرحلة الانتقالية فيأتي من الاعلان الدستوري المؤقت.
والاعلان الدستوري المؤقت ليس دستورا مؤقتا كما فهمت اللجنة التي قامت بوضع الاعلان الدستوري عقب مؤتمر الحوار الوطني بتاريخ 13 آذار عام 1925 , ولقد أسهم هذا الخطأ بالسماح بانقسامات سياسية وباتخاذه ذريعة للتملص من استحقاقات مثل الاندماج الوطني تحت مظلة الدولة بحجة خلوه من بعض البنود الضرورية أو عدم الموافقة على بنود أخرى ضمن ذلك الاعلان.
ومن المعروف جيدا لدى الحقوقيين أن الاعلان الدستوري هو مجرد نص مكون من عدة أسطر تعلن فيه السلطة الانتقالية انتهاء العمل بدستور السلطة البائدة أو تعليق العمل بذلك الدستور وانتهاء أية صفة قانونية لرئيسها وقادتها السياسيين كما تعلن نيتها في التوجه نحو تسليم السلطة للجهة الدستورية التي ينتخبها الشعب عقب انتهاء المرحلة الانتقالية واختيار دستور سابق ” في سورية دستور 1950مثلا ” كمرجعية دستورية حتى انتهاء المرحلة الانتقالية واجراء انتخابات عامة .
حتى الآن يمكن رؤية الجدل في كل مكان حول الاعتراض على بنود جاءت في الاعلان الدستوري وطلب تعديله بإضافة بنود أخرى وبالتالي التعامل معه كدستور دائم , والحقيقة أن اللوم في هذا اللغط الذي لاطائل وراءه يعود للخطأ في جعل الاعلان الدستوري دستورا مؤقتا من حوالي ستين بندا بدل جعله اعلانا دستوريا مؤقتا من بضعة بنود فقط كما أسلفت .
والآن ينبغي الانتهاء من هذا الفهم السقيم لكل من طبيعة الغطاء الدستوري للمرحلة الانتقالية , ومسألة وضع الدستور النهائي للبلاد والتي لايمكن التفكير فيها سوى بعد انتهاء المرحلة الانتقالية وانتخاب الجمعية التأسيسية .
لقد أسهمت الحكومة الانتقالية للأسف الشديد بخلق تلك الانقسامات حول الدستور حين لم تبذل أي جهد في استشارة الشخصيات الوطنية السياسية والحقوقية حول مسألة الاعلان الدستوري المؤقت من جهة , وحين أبقت حالة من الغموض والضبابية حول مصير الدولة السورية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية , وتصرفت كحكومة دستورية وليس كحكومة انتقالية .
لايمكن الانتهاء من التخبط والضبابية التي تميز المسار السياسي بدون أن توضح الحكومة الانتقالية بطريقة لاتقبل التأويل أنها ستقوم بتسليم السلطة للحكومة الدستورية التي ستنشأ بموجب الدستور الدائم الذي تضعه جمعية تأسيسة منتخبة انتخابا حرا مباشرا من الشعب السوري بعد انتهاء المرحلة الانتقالية . أما الاعلان الدستوري المؤقت الحالي فلست أدري كيف يمكن التخلص من أعبائه لكن المؤكد بالنسبة لي أنه يشكل عقبة لابد من ايجاد حل لها , حل تكون العودة لدستور العام 1950 في المرحلة الانتقالية أحدى مرتكزاته الأساسية .