القرار 2254: التحدي الجديد أمام القيادة الانتقالية

سميرة المسالمة

يعد البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 10 آب، والقاضي بالتلويح باستعادة القرار 2254 (2015)، والذي ينص على إعادة هندسة الوضع السوري في المرحلة الانتقالية، هو التدخل الدولي الثاني بعد التدخل الأكثر خطورة، الذي تمثل بقيام إسرائيل بالاعتداء على الأراضي السورية، وتهديد وحدتها، وسيادتها، والذي توج بالضربات على مبانٍ سيادية في العاصمة السورية (18 تموز الماضي) على خلفية الأحداث المأساوية في السويداء. ما يعني انفتاح الساحة السورية من جديد على احتمالات التصعيد المرهونة بالمصالح الخارجية ومدى طواعية أذرعها المحلية لتحقيقها.

على ذلك، فإن القيادة الانتقالية في سوريا باتت في مواجهة تحديات جديدة، تضاف إلى التحديات الداخلية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تواجهها، إلى جانب التحديات الخارجية الناجمة عن المداخلات الإسرائيلية والإيرانية الرامية لتوتير الأوضاع في سوريا، والتخريب على العهد الجديد.

ما يفترض الانتباه إليه إنه، في البيان المذكور، ثمة محاولة أو رسالة متعددة الأطراف. فهي، أولاً، تصب باتجاه أخذ الحالة السورية نحو التدويل. ثانياً، إنها توجه ضغوطها نحو القيادة الانتقالية السورية. ثالثاً، تبعث برسالة تعزز من موقف الأطراف المتخاصمة مع الحكومة في دمشق.

في كل الأحوال، يفترض  بالمعنيين اعتبار البيان المذكور بمثابة رسالة لفت نظر أولية، تعتمد في مفاقمتها، أو تجاوزها، على نوعية رد فعل القيادة السورية، لجهة مراجعة سياساتها، وضمن ذلك إعادة تقييم خياراتها في شأن مراهنتها على علاقاتها الخارجية على حساب علاقتها بشعبها، أو على حساب طريقة إدارتها للدولة والمجتمع السوريين، وتالياً انتهاج الحلول السياسية، وأساليب الحوار، ولو كانت طويلة الأمد، وذات “تنازلات متبادلة”، بدل الوقوع في فخ الاستدراج نحو الحلول الأمنية، التي لا تفضي إلا إلى تصدع البلد، وخدمة الخصوم الداخليين والأعداء الخارجيين.

وبكلام أخر، فإن الحلول الأمنية البحتة، لم تثبت نجاعتها في أي معبر تاريخي سوري، وهي ليست علامة قوة لأية قيادة مسؤولة وحريصة على إعادة بناء الدولة والمجتمع، خصوصاً أن الحكومة الآن تعمل على سد ثغرات الانكشاف إزاء الأعداء والخصوم الخارجيين. ولهذا، في التفاتة للوراء، إن ما لحظناه من مرونة وتسامح وانضباط في التعاطي مع مجريات معركة التحرير هو الذي منح القيادة الجديدة أسهمها الشعبية، على عكس ما يحاول بعضهم تصويره على أنه كان سبباً في الانفلات الأمني، والتمادي في الإساءة والاعتداء على الآخرين كنتيجة طبيعية لذلك التسامح.

ولهذا فإن العودة إلى طاولة الحوار الوطني، وحل الخلافات العالقة من خلالها، هو المخرج لكل الأطراف من مأزق الخسارات المتبادلة، ولعل مركز الاستقطاب، أو مركز القوة، لسوريا الجديدة، إنما يكمن في علاقة القيادة بشعبها، وآلية تطويرها بما يضمن حق الجميع بالمشاركة الفعالة والمنتجة، والمساهمة في طريقة بناء الدولة لأوضاعها، وكسب ثقة شعبها بها، من خلال فسح المجال لكل الكفاءات وتوظيفها بما يخدم مصلحة مجتمعاتها المحلية. فهذا هو السلاح الوحيد والفعال، الذي تملكه القيادة السورية، في هذه المرحلة الانتقالية. فسوريا بحاجة للتعافي في كل المجالات، نتيجة الضعف الاقتصادي، وتضاؤل الموارد، وتدهور الأحوال المعيشية، وفقدان القدرات العسكرية التي قد لا تعوض أبداً.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى