بعد أسبوعين من اندلاع الثورة، في يوم ٣٠ آذار ٢٠١١ الساعة الرابعة عصرًا كانت آذان كل السوريين منصتة بتلهف لأول خطاب يلقيه بشار والذي قد اختار له مبنى مجلس الشعب مكانًا
وكما عادة النظام كل شيء كان مرسومًا بطريقة تمثيلية متقنة وكل مشهد فيها كان محملًا بالرسائل.
بدأت من مشهد وصول الرئيس ووقوفه عند باب المجلس وتلويحه للجماهير بنفس الطريقة التي اعتادها والده أمام حشد المؤيدين وتركيز هتافهم: (أبو حافظ). كانت رسالته واضحة، ثم دخوله إلى المجلس وسط موجة تصفيق طويلة مبتذلة كانت الرسالة الثانية. ابتدأ الخطاب ولمدة ساعة تقريبًا من كلام مصفوف لا معنى له.
وأنا برأيي لم يكن عن غباء بل كان الرسالة الثالثة، استخدام وتكرار عبارات المؤامرة الخارجية والفتنة والمخطط والمشروع الصهيوني والهيمنة الأميركية.. كانت الرسالة الرابعة.
وما تخلل تلك العبارات من موجات التصفيق الهستيرية ومباراة الشعر والخطابة التي تبارز فيها السادة الأعضاء وترك المجال المفتوح لهم من قبل الرئيس كانت الرسالة الخامسة.. الضحكات والقهقهات غير المبررة من قبل رأس النظام واللغة الجسدية التي حاولت إحياء الأريحية والاعتيادية المبالغ فيها حد الاستفزاز في لحظة كانت فيها الدماء مازالت رطبة على الارض. والبركان قد أعطى كل مؤشراته قبيل الانفجار لكنها كانت الرسالة السادسة.
كل تلك الفصول من المسرحية كانت حشوًا أو تشويقًا دراميًا للرسالة الأخيرة التي أراد إيصالها والتي كانت واضحة وجدية وهي السطور الأخيرة من الخطاب الذي نعيدها حرفيًا: (وأد الفتنة واجب وطني وأخلاقي وشرعي وكل من يستطيع أن يسهم في وأدها ولا يفعل فهو جزء منها. والفتنة أشد من القتل كما جاء في القرآن الكريم فكل من يتورط فيها عن قصد أو من غير قصد فهو يعمل على قتل وطنه وبالتالي لا مكان لمن يقف في الوسط. فالقضية ليست الدولة بل الوطن.. المؤامرة كبيرة ونحن لا نسعى لمعارك.. والشعب السوري شعب مسالم وودود ولكننا لم نتردد يوما في الدفاع عن قضايانا ومصالحنا ومبادئنا.. وإذا فرضت علينا المعركة اليوم فأهلًا وسهلًا بها.) وانتهى الخطاب بصدمة لكل من كان يأمل بشيء خارق للمألوف يأتي بدون أن يكون له أية مقدمات أو جذور ولكنها كانت آمال أو أحلام اصطدمت بصخرة الواقع المريع
فالشعب السوري المسالم الودود الأعزل أمام نظام متوحش مدجج بالسلاح والأزلام والمستزلمين من مدنيين وعسكريين وليس لديه أي رغبة لأي تغيير ولديه استعداد بل لديه قرار لخوض المعركة بصلف وتجبر كبير وليس لديه مكان للحياد أو الحلول الوسطى.
وكان على الشعب السوري أن يختار سريعًا إما التراجع والعودة إلى بيت الطاعة أمام تعنت وجبروت النظام وإما القبول بمعركة مدمرة غير متكافئة تفرض عليه فرضًا.
لقد قلب رأس النظام الحقيقة بإعلان حرب مفتوحة وقد قبل الشعب السوري هذا التحدي الموجع فامتدت المظاهرات في يوم الجمعة ١ نيسان/ابريل في معظم مدن ريف دمشق وريف ادلب ودير الزور وحمص وحملت اسم جمعة الشهداء في رسالة رمزية مضادة، تفيد قبول التحدي وبدأ المعركة مهما كانت النتائج.