المواطنة بين التحديات والآليات

محمد علي صايغ

تم عرض المحاضرة وتقديمها في صالة مشفى العريان تحت رعاية منتدى الكواكبي بحلب.

             ——————

بالبداية لن أتطرق إلى تاريخ تطور مفهوم المواطنة أو إلى السياقات التاريخية للمواطنة ، ذلك لأنه في منتدى الكواكبي تم تقديم محاضرة قدمها الاستاذ عزيز تبسي بعنوان : ” المواطنة من المدنية إلى الدولة القومية إلى العولمة ” تحدث بالتفصيل عن تاريخية المواطنة وكيف تطور مفهومها وخاصة بعد الثورة الفرنسية .

أولا – تعريف المواطنة :

المواطنة هي علاقة قانونية وسياسية واجتماعية بين الفرد والدولة، تتضمن حقوقًا وواجبات متبادلة، وتستلزم المشاركة الفعالة في حياة المجتمع والالتزام بقيمه وقوانينه .

ثانيا – حقوق المواطنة :

الحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي, الحق في التعليم والعمل والصحة والسكن, الحق في المشاركة السياسية والحياة العامة, الحق في حرية التعبير والاعتقاد

ثالثاً – واجبات المواطنة

احترام القوانين والأنظمة ، دفع الضرائب ، الدفاع عن الوطن ، المحافظة على الممتلكات العامة ، المشاركة في تنمية المجتمع .

رابعاً – ركائز المواطنة :

١- وحدة الدولة الجغرافية والسياسية :

 فلا مواطنة والدولة تحت الاحتلال أو منقوصة السيادة ، ولا مواطنة في ظل الصراعات والحروب الداخلية ومناطق الأمر الواقع ، ولا بد من إجماع المواطنين على وحدة السلطة المنتخبة كركن من أركان الدولة .

٢- حيادية الدولة تجاه الأديان :

والحيادية هنا بالمعنى الإيجابي ، بمعنى رعاية الدولة لأديان مواطنيها وبذات الوقت عدم الاصطفاف تجاه أي طائفة أو إثنية أو مناطقية ” تحت شعار الدين لله والوطن للجميع ” ، من أجل تشكيل إجماع جمعي تجاه الهوية الوطنية التي ترسخ وحدة الدولة .

٣- الديمقراطية :

فلا ديمقراطية مع نظم الاستبداد الذي يفرض بالقوة تحويل البشر إلى رعايا ويقودهم بعقلية القطيع ، وفي ظل الاستبداد لا يمكن أن تزهر المواطنة ، والديمقراطية تقليب للأرض لإثمار وإزهار وازدهار المواطنة .

خامساً – أسس ومبادئ المواطنة ١

١- المساواة بين جميع المواطنين

٢- حرية الفكر والاعتقاد

٣- احترام الٱخر ونشر ثقافة التعددية

٤- احترام القانون وفرض الجزاءات

٥- المشاركة في الحكم وصناعة القرار

(( أهم أوجه المشاركة )):

١- الانخراط في منظمات المجتمع المدني

  إن العمل ضمن منظمات وجمعيات المجتمع المدنية يقوي الروابط الجمعية للمواطنين ويحفظهم على أن يكون لهم دوراً فاعلاً لخدمة المواطنين وخدمة بلدهم ، منظمات المجتمع المدني تقدم خدماتها في دوائر مختلفة من المجتمع قد لا تستطيع الحكومة النفاذ إليها وتغطيتها

٢- الانتظام في الأحزاب السياسية : وجود الأحزاب السياسية جزء أساسي في النظام الديمقراطي ، بناء على اقتناع المواطنين بالمشاركة السياسية وأهمية العمل العام التي تسمح بالتأثير في القرارات التي تتخذها الدولة ، ومراقبة ومتابعة جماعية للحقوق الدستورية والقانونية والسياسية واتخاذ موقف فاعل في حال تعرضها للانتهاك من السلطة التنفيذية  ، وللأحزاب أهمية في تطبيق  التداول السلمي للسلطة .

٣- المشاركة في الانتخابات وما بعد الانتخابات

المشاركة في الانتخابات للمواطنين تجسيد للحس الوطني والانتماء الوطني ،عبر الترشح والانتخاب ، والتصويت والحوار ومسائلة المنتخبين ، واتخاذ موقف إيجابي أو سلبي من برامج المرشحين

كما أن المشاركة بعد الانتخابات له أهمية كبيرة عن طريق متابعة أداء المنتخبين وبرامجهم ومساءلتهم في حال وقوع خروقات أو تجاوزات أو صدور قرارات مجحفة بحق المواطنين كما تبدو أهميتها في الحصول على المعلومات وتحديد الانجازات والمعوقات … الخ

سادساً – خصائص المواطنة :

أولا : شاملة :

   شاملة لكل الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية

ثانياً :متكاملة :

  متكاملة غير قابلة للتجزئة ولا تخضع لأولوية تفضيلية لحق على ٱخر

ثالثاً : إنسانية :

  إنسانية وتشمل جميع البشر أينما وجدوا في الدولة

رابعاً : متساوية :

  متساوية لا تقبل التمييز بسبب العرق أو الدين أو المعتقد أو الاختلاف الطائفي أو الإثني .

سابعاً – مظاهر تطبيق المواطنة :

أولا – الالتزام

بمعنى أن تطبيق مبدأ المواطنة يفترض أن يتحلى المواطنون جنباً إلى جنب السلطة ، بالقانون والنظام العام واحترامهماوعدم تجاوزها ، إذ أن الالتزام يمثل الضمانة الجماعية لحماية حقوق الناس في مواجهة الدولة والمواطنين على حد سواء حين التعدي على الحقوق

ثانيا – الولاء

الولاء بمعنى الولاء للدولة حيث يجب أن تعمل الدولة ومؤسساتها على على تعميق قيم الانتماء للوطن والاعتزاز بالهوية الوطنية وحمايتها والزود عنها ، والالتفاف حول رموز الدولة لا باعتبارها كلمات في شعر أو قطعة قماش لعلم وإنما تعتبر تكثيف معنوي للولاء لوطن يجمع الجميع .

ثالثا – التوازن

يقصد بالتوازن بأنه ٱلية لعدم طغيان المصلحة الخاصة على المصلحة العامة أو عدم معارضة المصلحة العامة بصورة مباشرة أو غير مباشرة .

رابعا – العدل

” العدل أساس الملك ” بمعنى أن يحصل المواطنون على العدل والإنصاف في دولتهم ، وأن تسعى الدولة لرعاية حقوق الناس من الظلم ، سواء ظلم المواطنين بعضهم لبعض أو ظلمهم من قبل السلطات العامة .

ثامناً – التحديات أمام تطبيق المواطنة :

١- غياب دولة النظام والقانون

غياب النظام والقانون في أي دولة يؤدي إلى الفوضى والتجاوز على حقوق الأفراد فيما بينهم ، وعلى حقوقهم تجاه الدولة أيضاً ، والقانون هو السلطة التي تفرض الجزاءات على المخالفين لنصوصه ووضع حد للاستهتار بالأمن المجتمعي ، والمواطنة مبدأ يرتكز أصلاً على حماية القانون في حال انتهاك أي حق من حقوقها ، وبموجب القانون والنظام الذي يؤسس على المواطنة تنتظم العلاقات في المجتمع على الاحترام المتبادل وحفظ حقوق أطرافه ..

٢- هيمنة الثقافة الشمولية :

الثقافة الشمولية – بعد قرون من الديكتاتورية – لم تعد ثقافة محصورة ضمن جماعة أو فئة تمارس السلطة ، وإنما أمتدت من خلال المعايشة الطويلة للاستبداد إلى كافة أفراد المجتمع ، وجعلت من كل فرد فيه دكتاتوراً صغيراً في أسرته وفي مؤسسته أو في أي دائرة من دوائر المجتمع سواء الرسمية أو غير الرسمية إن كان في مؤسسات المجتمع المدني أو الحزبي أو في رؤساء العشائر والطوائف والمكونات المجتمعية الأخرى … وسيادة ثقافة نفي الٱخر ، وثقافة الصراع بدلاً من ثقافة الحوار . ويبرز هذا النمط في التحدي الأكبر وهو تحدي وجود السلطة في الدولة للتحول الدولة إلى دولة الفرد ، ( أنا الدولة والدولة أنا ) ويتحول إسم الدولة كما في حالتنا إلى ( سورية الأسد ) وتأبيدها في إطار المقولة التي أطلقها النظام البائد ( الأسد أو نحرق البلد  )، تلك السلطة التي لم تقم على الاختيار الطوعي المواطنين وإنما حكمت بالقوة وفرض القوة عبر الانقلابات أو التوريث ومن فوق ظهور الدبابات وخطف السلطة بالعنف والإكراه .

٣- البنية الاجتماعية التقليدية (الموروث) :

لا شك إن للموروث الثقافي في المجتمع أثره على نمط العلاقات بين الناس ، خاصة إذا كان الموروث يتحرك في إطار غيبيات مصطنعة أو يمتثل للسحر والشعوذه ، أو تحركه النوازع والانتماءات الضيقة بما يمكن أن يندفع بعقلية القطيع ، أوتشده مرجعيات طائفية أو دينية بسهولة إلى ملعب الصراع والاقتتال .

٤- الفساد والاستبداد :

الفساد والاستبداد وجهين لعملة واحدة ، وحيثما يكون فساد كبير يكون معه استبداد أكبر والعكس صحيح ، كلاهما يتبادلان وظيفتهما من موقف واحد ، هو التحكم بالبشر وفرز المجتمع والتمييز بين أفراده بفرزهم الى مؤيد وعدو ، وتوزيع الامتيازات والمكاسب على مؤيدوها  وفرض سلطتها لا على أساس الاختيار الطوعي للمواطنين وإنما بالقوة وفرض القوة عبر الانقلابات أو التوريث ومن فوق ظهور الدبابات وخطفت السلطة بالعنف والإكراه .

تاسعاً – ٱليات تحقيق المواطنة وطرق تعزيزها :

أولاً – التربية والتعليم :

الأسرة والمدرسة هما الركنان الأساسيان في تعليم الجيل الجديد المواطنة والوطنية والانتماء الوطني ( الأطفال والشباب )عبر برامج نظرية وعملية  يتم إعدادها في البرامج التعليمية بحيث يتم إدراج مادة خاصة بالتربية الوطنية والمواطنة ، ويمكن أن تتناول هذه البرامج في التعليم والتمكين المواضيع التالية :,

١- تعليم القيم الوطنية والتربية المدنية

تعليم ونشر ثقافة حقوق الإنسان

٢- التدريب على العمل التطوعي وتشجيعه

٣- تعليم حل النزاعات سواء بين الأفراد أو الجماعات وحتى في مؤسسات الدولة وبين الدولة والمجتمع

٤- التنوع والشمول : بمعنى أن المجتمع يتكون من أفراد ذو خلفيات وقيم مختلفة والشمول بما يتضمن شمول مشاركة جميع الأفراد في الحياة العامة دون تمييز أو إقصاء ، والتنوع والشمول تأكيد على احترام الاختلافات والاحتفاء بها كقوة إيجابية تعزز التفاعل والابتكار .

٥- تعليم أصول التفكير النقدي

التفكير النقدي لا يعبأ بالمطلقات ولا بالسرديات النمطية المعتاد عليها ، ولا يركن إلى المقولات الجاهزة والمعلبة .. تعليم أصول التفكير النقدي يقوم على الحوار بين الأفراد ، والحوار داخل الذات في كل فرد ، والعمل على تفكيك المقولات والسرديات وإعادة تركيبها بما ينسجم مع طبيعة الواقع والتطور الحاصل .. وللتفكير النقدي قواعد يقوم عليها ينبغي تعليمها ضمن المناهج المدرسية ..

ثانيا : القانون وإدراج المواطنة في التشريعات الوطنية

ثالثاً : المشاركة في الانتخابات ترشيحاً وانتخاباً .

رابعاً : دور وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي

خامساً  : دور المجتمع المدني والأحزاب السياسية

سادساً : عقد المؤتمرات الوطنية العامة لتثبيت قيم المواطنة ، ورصد التقدم المحرز في ترسيخ قيم المواطنة نظرياً وعملياً .

سابعاً : القيام بحملة دولية من أجل إصدار الإعلان العالمي للمواطنة أسوة بالإعلانات العالمية الأخرى

خلاصة القول نقول :

الدولة مجموع المواطنين ، وليست جمعاً لطوائف ، وعندما يتم التصنيف في الدولة على أساس طائفي ينشأ التمييز والانغلاق والنزاعات والحروب .

وعندما تتحول الطائفة إلى هوية تسقط المواطنة ويبدأ مسلسل القتل .. وبما أن المواطنة ترفض المناطقية ، فإنها لا تعترف بالأوزان الديمغرافية ، فليس لأي منطقة أفضلية على أخرى ، ولا وجود في المواطنة منطقة لها كل الامتيازات ومنطقة مهملة لا تصلها خدمات الدولة .

كما ترفض المواطنة مفهوم الأقلية والأكثرية ، لأن هذا المفهوم يشكل خللاً  كبيراً بمبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات .

————————————

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى