
بعد إعلان إدارة العمليات العسكرية إلغاء العمل بدستور 2012، وحل مجلس الشعب السوري والجيش والأجهزة الأمنية. أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، مرسومًا يقضي بتشكيل لجنة لانتخاب مجلس الشعب، حدّد عدد أعضائه بمئة وخمسين عضواً ، تنتخب الهيئات الفرعية الناخبة ثلثي الأعضاء ، ويعين رئيس الجمهورية ثلثه الباقي ، ولم يحدد المرسوم موعدًا رسميًا لإجراء الانتخابات ومن المتوقع أن تتم خلال فترة ما بين شهرين إلى ثلاثة أشهر..ويعرف أبناء الشعب السوري أنه لم تُجرَفي مجالس الشعب السابقة طوال عهد نظام الأسد انتخابات حرة ونزيهة وإنما كانت تجري تعيينات لأسماء موالية للنظام ، تصدرها الأجهزة الأمنية على شكل قوائم تفرضها على الشعب فرضاً بغطاء كاذب يروّج له إعلامه تجاوزاً باسم (انتخابات) ثم تزكيهم على الشعب بانتخابات شكلية مزوّرة ، وأبناء الشعب يعرفون أيضاً أنّ المطلوب لدخول مجلس الشعب الولاء للنظام قبل الكفاءة في تمثيل الشعب ، وعلى هذا الفهم أخذ كثيرمن المرشحين لمجلس الشعب أو الأعضاء فيه يتبارون في أيهم أشدّ ولاءً للأب القائد وأكثرهم حباً لابنه سيد الوطن حتى برعوا في إتقان فن اللعبة ..لعبة النفاق والانتهاز والتملق ودفع الأموال التي تتيح لهم دخول مجلس الشعب والبقاء فيه لأكثرمن دورة .. فإذا ما دخل هؤلاء المجلس عرفوا حدود أنشطتهم فيه، فلا يتعدونها.. يشيدون برأس النظام ، ويتجنّبون نقد السلطة ،..ودورهم في المجلس تمثيل النظام أكثرمن تمثيل الشعب ، يجمّلون قبحه ، ويسترون عورته ، ويلتمسون التسويغات عن تقصيره.. لايزعجونه بكثرة عرض مشكلات واقع مناطقهم ، ولا يلحون في طلب معالجتها..وإنما يظلون في مجلسهم صامتين إلا إذا عرضت عليهم مراسيم أوقوانين أو أوامرمن الجهات العليا عندئذ يخرجون عن صمتهم موافقين عليها دون تحفظ ، فتلتهب أكفهم بالتصفيق تأييدا لها ، دورهم في المجلس التأييد والتصفيق حتى حوّلوه من مجلس تمثيل إلى مجلس تصفيق ، وإذا ما عرضوا حال مناطقهم أوأوضاع بلدهم الخدمية عرضوها بصور برّاقة تخالف واقعها ، ثم إنهم من جهة ثانية استغلوا فرصة وجودهم في المجلس فامتهنوا السمسرة بين المواطنين والمسؤولين من أولي الأمر لقاء مبالغ مالية وجدوها سبيلا لانتعاش أوضاعهم المادية .. واستطاع بعض هؤلاء دخول المجلس أكثرمن دورة بل دورات.، وبعضهم أميّون . تأتي الانتخابات القادمة لأول مجلس شعب جديد بعد سقوط نظام الأسد في الوقت الذي تسعى فيه الثورة لإعادة هيكلة الدولة ومؤسساتها على أسس جديدة تختلف عن النظام السابق اختلافاً جذرياً ، ومعروف أنّ نجاح هذه التجربة الجديدة يتوقف على مهارة ومصداقية وإخلاص اللجنة العليا للانتخابات في أداء عملها…ومطلوب من مجلس الشعب الجديد أن يعكس طبيعة عدالة المرحلة الانتقالية الراهنة التي تمربها سورية ، ويعبرعن وجهها الجديد لتكون سورية كما يريدها أبناؤها دولة المواطنة والقانون..لكن هذا لايتحقق إلّا إذا تمثلت في المجلس الجديد أطياف المجتمع السوري كافة دون إقصاء أحد ولا تمييزبين طرف وأخرعلى أساس الدين أو المذهب أو العرق أو اللغة ، وأن تتمثل من بين أطيافه الموالاة 6والمعارضة..فلايستبعد منه إلّا من آذى الناس وتلوث في فساد نظام الأسد أوغاص في مستنقع مجالسه السابقة. وفي هذه الحال ينبغي أن تجرى للعضو المرشح دراسة دقيقة وموضوعية لسجله الذاتي والاجتماعي تشهد له بالنزاهة والاستقامة وخدمة الناس ، وبأنه ليس أمياً أوشبه أمي كي لايكون شبيهاً بأولئك الذين حفلت بهم مجالس النظام السابقة ، كما ينبغي رفد المجلس الجديد بحملة الشهادات الجامعية فما فوق وبالكفاءات الأكاديمية التي تشمل مختلف الخبرات والتخصصات التي يحتاجها البلد ، وأقل مايجب أن يحمله العضوالمرشح الشهادة الثانوية ، ويجب أن يكون معيارقبول العضو في المجلس الجديد الكفاءة والقدرة على تمثيل دائرته الانتخابية ، وليس الجاه أو النسب أو العشيرة أو العائلة أو الوساطة الأقوى أولمن يدفع أكثر..ويُفترض في المرشح لمجلس الشعب الجديد أن يكون صوت المواطنين الحقيقي ، وبعبارة أدق صوت الناس في دائرته الانتخابية ، يسعى لخدمتهم ، ويلبي احتياجاتهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، ويساهم في اتخاذ القرارات وصياغة القوانين وإقرارالميزانية ، ويمارس كامل صلاحياته التي أقرها له القانون ، فيراقب أداء الحكومة ، ويحاسبها إذا أهملت أوقصّرت ، ويثني عليها إن أحسنت أوأجادت من غيرتصفيق ، أوتطبيل أو محاباة لأي مسؤول مهما علا شأنه ، وارتفع موقعه . يجب اجتثاث تراكم إرث الفساد والتملق والسمسرة التي أغرقت أجواء المجالس النيابية طوال عهد نظام الأسد ، وإقامة مرحلة نيابية جديدة تعكس توجّه العهد الجديد ، وتتجنّب ما أمكن إعطاء العضو مدة في المجلس أكثرمن دورة واحدة كي لا يُمنح وقتاً أطول يتمدد فيه إلى مرافق السلطة فيتراخى أداؤه في خدمة دائرته الانتخابية ، وينشغل عنها بمصالحه الخاصة..مانريده لمجلس الشعب في العهد الجديد أن يمارس كامل صلاحياته في الرقابة والتمثيل ، وإقرارالميزانية وتعديل الدساتيروالأنظمة الانتخابية ، وتعزيز دولة المؤسسات وحكم القانون والسماح بقيام الأحزاب السياسية الوطنية.. المعارضة منها والموالية ومابينهما غيرالمتلوثة بالفساد والاستبداد والطائفية ، وتعزيز دورمنظمات حقوق الإنسان ، والمجتمع المدني ، وحرية الصحافة والإعلام ، ومكافحة الفساد ..والعمل على تحقيق العدالة الانتقالية ..
إنّ مجلس الشعب الجديد الذي نريده يجب أن يشهد في جلساته مزيداً من المناقشات الصاخبة المثمرة ، والمعارضات البناءة ، والمحاسبات المسؤولة التي لاتستثني أحداً بمن فيهم رئيس الجمهورية .. فهل سيكون المجلس القادم كذلك؟؟
**** **** ****
ـ كتبت مقالاً سابقاً بعنوان: (انتخابات أم مهازل؟)، نشرعلى صفحات التواصل الاجتماعي عن مهازل مايسمى بانتخابات مجلس الشعب التي جرت في دورته الأخيرة بمحافظة الحسكة المنعقدة في عهد النظام المخلوع ، وهذا نصه :
انتخابات أم مهازل؟
تأتي انتخابات مجلس الشعب ، يوم الأحد 19 / 7 / 2020م ، والناس في محافظة الحسكة كما في بقية محافظات سورية يعيشون أزمات متراكمة خانقة ، أفقدتهم الأمل بالمستقبل : أزمة كهرباء ، أزمة مياه ، ارتفاع فاحش في أسعارالتموين وفي غيرها ، انهيار متدرج في قيمة الليرة السورية ، أزمة بطالة ، أزمة أخلاق فضلاً عن الاحتلالات العسكرية للأراضي السورية ، وتصاعد وتيرة المشاريع الطائفية والعرقية ، وهيمنة شبح التقسيم الذي يهدد وحدة البلد ، والسلطة الحاكمة تقف أمام ذلك كله موقف المتفرج العاجز بل إنها فقدت السيطرة على أجزاء واسعة من سورية حتى لم يبق لها في محافظة الجزيرة إلا مربعان أمنيان مترنحان في الحسكة والقامشلي ، مساحة كل منهما لاتتعدى بضعة أمتار ، هما أوهى من خيط العنكبوت..في هذا الوقت الكئيب اللاهب المترافق مع خوف الناس من جائحة الكورونا التي أخذت تدب إلى ديارهم جرت انتخابات مجلس التصفيق بمقاطعة شعبية واسعة يعرف الناس نتائجها قبل إعلانها ، وقد عانوا نصف قرن من ألاعيبها ، ولم يلتفتوا إليها لأنها لاتعنيهم في شيء ، وقوائمها لاتمثلهم ، وإنما تمثل من تبناها لذا فقدوا ثقتهم في هذه الأسماء ، وعرفوا أن حل مشكلاتهم التي عجزت عنها السلطة الحاكمة أكبرمن أحجامهم ، ولكن هذه الأسماء مفروضة عليهم ، وهي ناجحة شاؤوا أم أبوا ، ويعرف الناس أن أقصى مايسعى إليه هؤلاء المرشحون هو تحقيق طموحاتهم الفردية ومكاسبهم الشخصية قبل أي شيء آخر..ومع تقديري لقلة منهم وقناعتي بخدمتهم المحدودة والقليلة لأبناء بلدهم ، فإن الملاحظ على هذه القائمة خلوّها من الأصوات المعارضة ، وإنّ أفرادها لم يعلنوا برامجهم الإنتخابية ، وإن أعلنوها فشكلية ، لا يثق الناس بها ، وأغلب أسماء القائمة تفتقر إلى الخبرات القانونية والإدارية والكفاءات العلمية ، وبينهم أنصاف متعلمين ، ووجوه مكررة ملها الناس ، تعاقبت على مجلس التصفيق ثلاث مرات أو يزيد ، لم تخدم فيه البلد ، أو تساعد أبناء محافظتها كأن مجتمع الجزيرة ابتلي بالعقم عن انتاج الكفاءات المتنوعة العالية والأصوات الجريئة ، وكأنه لم يعد في الميدان إلا حديدان ، والملاحظ أيضاً أن النظام تخلى هذه المرة عن نهجه الانتخابي الذي اعتاد عليه حيث كان يختارسابقاً أسماء تمثل عدداً من القبائل والعشائر، وليس كلها في محافظة الحسكة ، فكان سابقاً يعيّن صوتاً واحداً للقبيلة أو العشيرة أو الطائفة ، أمّا في دورته التشريعية الجديدة فقلل من تمثيلها والأدعى إلى السخرية أنه عيّن في القائمة الجديدة ثلاثة أشخاص ينتمون إلى قبيلة واحدة وأهمل أغلبية العشائروالقبائل من التمثيل ، وهذا النهج الانتقائي المتعسّف في التعيين اللاديمقراطي أحدث شرخاً إضافياً في النسيج الاجتماعي الذي يراد تمزيقه..
الذين راقبوا مجريات سير الانتخابات في محافظة الحسكة وصفوها بالمهازل ، وهم يتحدثون عن ضخ أموال الرشاوى في بعض المراكز بغير حساب ، وعن إحضار أكياس ممتلئة بالبطاقات الشخصية دون حضور أصحابها ، واستخدام البطاقة الواحدة في أكثر من مركز ، وبعث الموتى من قبورهم أحياء للإدلاء بأصواتهم ، تزوير مفضوح نهاراً جهاراً دون أن يُلقي المعنيون بالاً لمحتج أو يصغوا لمعترض أو مستنكر. ولم تكن هذه المهازل بجديدة على شعبنا ، فقد اعتاد عليها ، وعانى منها منذ نصف قرن ، منذ أن كان رأس هرم السلطة يفوز في الانتخابات وحيداً بنسبة 99،97 بالمئة دون أن يجرؤ أحد على منافسته حتى صار هذا النهج في الانتخابات وفي غيرها القائم على التفرد في السلطة وإقصاء الآخر إرثاً تأريخياً يحرص النطام الحاكم على التمسك به واستمراره مهما تدهورت أوضاع البلد ، أو ساءت أحوال الناس ، وهوالنهج الذي دفع البلد إلى الكوارث والدمار والتقسيم.
الحسكة 21 تموز2020م