كيف حضرت سوريا في زيارة توم باراك إلى لبنان؟

محمد فواز

كان الترقب اللبناني سيدَ الموقف خلال حرب الأيام الاثني عشر بين إسرائيل وإيران، وسط مخاوف من أن يتحوّل لبنان إلى ساحةٍ إضافية في هذه المواجهة إذا توسّعت رقعتها. ومع انتهاء الحرب، بدا الارتياح اللبناني واضحًا، لكن هذه الطمأنينة سرعان ما تبدّدت مع موجة الغارات الإسرائيلية التي اعتُبِرت من الأوسع منذ انتهاء الحرب الإسرائيلية–اللبنانية.

تزامنت هذه الغارات مع زيارة الموفد الأميركي الجديد، توم باراك، الذي حمل معه ورقةً خاصة للمسؤولين اللبنانيين، انتشرت عناوينها في وسائل الإعلام. فقد جاءت الغارات بمثابة رسالة أميركية–إسرائيلية مشتركة بأن الملف اللبناني، وتحديدًا حزب الله، بات أولويةً عاجلة، وأن لبنان أمام خيارين: إما التزام الدولة اللبنانية بتنفيذ مضمون الورقة الأمريكية طوعًا، أو تنفيذها لكن بالعصا الإسرائيلية الغليظة والجاهزة.

على الرغم من أن شكل الورقة كان عبارة عن أسئلة موجّهة إلى الدولة اللبنانية، إلا أن هذه الأسئلة كانت “استنكارية”، لكون الأجوبة المطلوبة مفهومة ضمنًا، وإلا فإن العواقب ستكون أشد. تركزت الأسئلة على ملف السلاح النوعي لحزب الله، والذي يهدد إسرائيل، مثل الصواريخ الباليستية والدقيقة، والطائرات المسيّرة، ومخازن الأسلحة المنتشرة على كامل الأراضي اللبنانية. كما تناولت الورقة مستقبل العلاقة مع إسرائيل بعد نزع السلاح، في مسعى لإنهاء الرفض الرسمي اللبناني للتواصل مع إسرائيل باعتبارها عدوًا، إضافة إلى قضايا الإصلاحات المالية والاقتصادية والإدارية، وضبط التهريب والسلاح والمال، وغيرها من الملفات المرتبطة.

جاء هذا الطرح هذه المرة بلهجة أكثر جدية، مصحوبًا بمواعيد زمنية ضاغطة، حيث دار الحديث عن أشهرٍ معدودة فقط، وضرورة اتخاذ موقف رسمي وواضح من حزب الله ومن الدولة اللبنانية، مقابل وعود بإعادة الإعمار، وتنشيط الاستثمارات في مختلف القطاعات، خاصة النفط والغاز. لكن المقابل الأهم كان طرح انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان.

حاول باراك تصوير علاقة سوريا بإسرائيل بطريقة تخدم أهدافه في لبنان، ويدفع السلطة فيه نحو مسار مشابه لما يرسمه هو حول سوريا.

ما علاقة سوريا؟

لم تكن سوريا بعيدةً عن طرح باراك، ولا عن رد الجانب اللبناني. فقد أراد باراك استخدام سوريا كورقة ضغط على حزب الله والدولة اللبنانية، فأشاد بالتوجهات السورية الجديدة، التي وصفها بأنها متعاونة مع الولايات المتحدة، وتعقد تواصلات غير مباشرة مع إسرائيل، معتبرًا أنها تتجه نحو تأسيس علاقة بين الطرفين مقابل ضمانات أميركية، إضافة إلى فتح باب الدولة السورية أمام الاستثمارات الخارجية تحت المظلة الأمريكية، وتدخّلها المباشر عند الحاجة، وهو ما سيفتح سوريا على العالم ويرضي شعبها. حاول باراك تصوير علاقة سوريا بإسرائيل بطريقة تخدم أهدافه في لبنان، ويدفع السلطة فيه نحو مسار مشابه لما يرسمه هو حول سوريا، إضافة إلى كون الرسالة الخارجية حاولت منذ بداية المفاوضات أن تُظهر وتؤكّد أنها غير معادية للشيعة في لبنان، لكنها معادية لنفوذ إيران عليهم، وأن انفصالهم عنها سيرفع مستوى الرضا الدولي عنهم، ويفتح الباب أمام رفع الضغط الإسرائيلي عن لبنان عمومًا، وخاصة الجنوب والضاحية والبقاع، وسيدخلهم ويدخل لبنان في عصر الانفتاح والرفاهية.

بالمقابل، لم يغب الملف السوري أيضًا عن التفكير والبحث اللبناني، وخاصة عن تفكير ومناقشات حزب الله والثنائي الشيعي عمومًا، إذ تحضر سوريا في مسارين أساسيين: في استراتيجية حزب الله “المتلاعبة”، وفي عقليته وتوجهاته الأمنية الطائفية. فحزب الله بحرٌ عسكريٌّ أمنيٌّ من ناحية التنظيم والتفكير، تطفو عليه الأجهزة التنظيمية الأخرى، لذلك فهو يقارب الأمور أولًا من زاوية عسكرية أمنية. فإلى جانب خوفه من مستوى التزام إسرائيل في حال تسليم السلاح، يتساءل عن مصيره بلا سلاح أمام الجارة سوريا الجديدة. فهو يرى القيادة السورية الجديدة قيادة “سنيّة متطرفة ولكن براغماتية”، ويعتبر أن سحب سلاحه سيحوّله إلى فريسة سهلة لما يعتبره ويصنّفه بـ”السلاح السنّي المتطرف” القادم من سوريا ومن الداخل اللبناني.

الملف السوري حاضرٌ دائمًا في المفاوضات اللبنانية–الأميركية، إلا أنه يبقى شكليًا وبعيدًا عن الجوهر المتعلّق بنظرة حزب الله لقوته ونفوذه ومحاولته الاحتفاظ بها.

صحيح أن هذه العقلية موجودة فعليًا داخل حزب الله، لكنها تحمل جانبًا سياسيًا متلاعبًا كذلك. فخطاب “الجماعات السنّية المتطرفة” يستخدمه الحزب كأرضية مشتركة مع الولايات المتحدة والغرب، مستغلًا حساسية هذا الملف في استراتيجياتهم تجاه المنطقة عمومًا، وأمام شرائح لبنانية حسّاسة تجاه هذا الملف، ضاربًا أمثلة من أحداث الساحل السوري وتفجير كنيسة مار إلياس في دمشق، بهدف التقرب من الغرب وجمهور غير شيعي، إضافة إلى كسب الوقت في التفاوض، وهي اللعبة التي يتقنها الحزب. مع ذلك، جاء ردّ الموفدين تكرارًا واضحًا بأن أحدًا لم يفتّش بيوت جمهور الحزب بحثًا عن السلاح الفردي، فما يعني الولايات المتحدة هو السلاح الثقيل الذي تهتم به إسرائيل، أما السلاح الخفيف المتعلّق بالاقتتال الداخلي أو مع سوريا، فلن يُمسّ، لتُعتبَر بذلك حجة سوريا لدى الحزب هشّة.

يعكس إقحام حزب الله لنظرته تجاه سوريا وقيادتها الجديدة عدم تغيّر نظرته إلى السنّة عمومًا، رغم محاولاته استمالتهم، في استراتيجية متناقضة بين تصويرهم دائمًا كخطر، وإظهار الاستعداد للتقرّب منهم والتعاون معهم، وهي استراتيجية يفشل الحزب في ترجمتها سياسيًا وتفاوضيًا حتى الآن.

عليه، فصحيح أن الملف السوري حاضرٌ دائمًا في المفاوضات اللبنانية–الأميركية، إلا أنه يبقى شكليًا وبعيدًا عن الجوهر المتعلّق بنظرة حزب الله لقوته ونفوذه ومحاولته الاحتفاظ بها، بغض النظر عن سوريا، وكذلك الأمر بالنسبة لضغوط الولايات المتحدة وإسرائيل على لبنان، التي تسير بمعزل عن مفاوضاتهم أو موقفهم من سوريا.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى