“مطرقة منتصف الليل”

شادي لويس

“سوف نقيس نجاحنا ليس فقط بالمعارك التي ننتصر فيها، ولكن أيضًا بالحروب التي ننهيها. وربما الأهم من ذلك، الحروب التي لا نشارك فيها أبدًا”. هذا ما قاله ترامب في خطبة تنصيبه في مطلع العام. ولم تمر ستة أشهر من ولايته الثانية، حتى تورطت الولايات المتحدة بشكل مباشر في حملتين عسكريتين في الشرق الأوسط. أولاً، استكمل ترامب العمل العسكري ضد الحوثيين، وذلك على خطى الإدارة الديمقراطية السابقة، وبقوة نيرانية أعنف، قبل أن تقرر واشنطن فجأة إنهاء حملتها في اليمن، ويعلن ترامب عن انتصار يضمن عدم استهداف السفن والمصالح الأميركية. ومنذ ذلك الحين، وقعت مسؤولية شن الغارات ضد الحوثيين على إسرائيل، التي ما زالت تتعرض لهجماتهم الصاروخية بوتيرة منخفضة لكن متواصلة.

في المرة الثانية، وحسب ما يشبه لعبة الكراسي الموسيقية، تلحق الولايات المتحدة بإسرائيل، بعد أن شنت الأخيرة عملاً عسكرياً واسعاً ضد إيران، ما جعل سماوات إيران مشرعة بلا دفاعات جوية تقريباً. لا يضيع ترامب فرصة للاستعراض. كان الطريق ممهداً للضربة الجوية الأميركية، المسماة “مطرقة منتصف الليل”، حين قامت الطائرات الشبحية بي-تو، بإسقاط آلاف الأرطال من المتفجرات على المواقع النووية في فوردو ونطنز وأصفهان. ثمة ما يؤكد الإدعاء بأن سياسات الإدارة الأميركية الحالية تأخذ منحى عسكرياً متزايداً. فبعيداً عن الأنشطة الحربية في الخارج، احتفل ترامب بعيد ميلاده الـ79 بحضور عرض عسكري ضخم وغير معتاد، شارك فيه ألوف الجنود وعشرات الدبابات والمروحيات التي حلقت فوق العاصمة الأميركية. وفي علامة أخرى على العسكرة الداخلية، استدعى البيت الأبيض قوات المارينز والحرس الوطني إلى شوارع لوس أنجلس، لقمع الاحتجاجات الأخيرة. وهو الأمر الذي لم يكن ضرورياً، وإن كان جزءاً من استعراض للعضلات السياسية في مواجهة بين البيت الأبيض وحاكم ولاية كاليفورنيا الديمقراطي.

يبدو أن سياسات ترامب بشأن الانخراط في حروب في الخارج لم تتبدل كثيراً، ولا يبدو أنها تخرج عن الخط العام للعقيدة العسكرية الأميركية. فطبقاً للحسابات الأميركية، تم إضعاف القدرات العسكرية لإيران، إلى حد لا يتصور معه أن تغامر طهران بتصعيد الصراع وصولاً إلى حرب مفتوحة. ولذا، كان من المتوقع أن تكتفي برد رمزي كما حدث بعد اغتيال قاسم سليماني في العام 2020. وبالفعل، جاء الهجوم الإيراني الأخير على القواعد الأميركية في قطر والعراق بتنسيق مسبق مع دول الجوار، وبشكل يتقصد حفظ ماء الوجه. وهو ما استدعى تعليقاً احتفالياً من الرئيس ترامب، أعلن فيه عن التوصل إلى اتفاق لوقف القصف المتبادل بين الإيرانيين والإسرائيليين. وهو أفضل السيناريوهات الممكنة، على نحو يسمح لجميع الأطراف فرصة ادعاء النصر.

يفعل ترامب ما يجيده، أي الاستعراض. الهجوم الأخير على إيران عرض لليد الطويلة والثقيلة للعسكرية الأميركية، يسمح للرئيس الأميركي الظهور بمظهر الرجل القوي، وفي الوقت نفسه لا يغضب جمهور حركة “ميغا” غير الراغبين في حروب بعيدة ومكلفة. إلى هؤلاء كان يتحدث نائبه دي فانس، حين قال “إننا لسنا في حرب مع إيران، بل في حرب مع المشروع النووي الإيراني”، في محاولة لتخفيف وقع كلمة الحرب. لكن وبعيداً عن فنون الدعاية الترامبية، لا تخرج عملية “مطرقة من منتصف الليل” عن منطق الحكم الإمبراطوري الأميركي. كانت الضربة مخططة منذ أكثر من عام في ظل الإدارة الديمقراطية السابقة، وبتنسيق كامل مع الإسرائيليين. وبالرغم من الهجوم الشخصي اللاذع بين بايدن وترامب، واصل كلاهما سياسات الآخر فيما يخص الشرق الأوسط والسياسات العسكرية في الخارج بالعموم.
نظرة سريعة على خريطة المواجهة الحالية، يذكرنا بانتشار القواعد الأميركية في المنطقة وحول العالم، وبالقوة العسكرية الهائلة لواشنطن. تلك القوة التي لا تضطر لاستخدامها، بل يكفي التلويح بها كل حين وآخر. لا تحتاج الامبراطورية بالضرورة لشن الحرب، بل تعمل عبر وكلاء وحلفاء في كل منطقة ومصفوفة معقدة من التوازنات والتهديدات، تجبر الجميع بمن فيهم خصومها، على العمل طبقاً لقواعدها وفي حدودها.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى